كتب - محمد شرف الدين "لن أقول إن الوضع تحت السيطرة فقط.. بل مستقر تمامًا".. هكذا وصف الرئيس عبد الفتاح السيسي الوضع في سيناء خلال زيارته في الرابع من يوليو الماضي إلى شبه الجزيرة، مرتديًا الزي العسكري، بعد أيام من هجوم عنيف شنه تنظيم أنصار بيت المقدس الموالي ل"داعش" على مدينة الشيخ زويد وعدد من الكمائن الأمنية المحيطة بها، كان هذا قبل نحو 4 أشهر من حادث سقوط الطائرة الروسية "إيرباص 321" من ارتفاع 10 كيلومترات فوق مركز الحسنة بشمال سيناء. لم يلبث الغموض المحيط بالحادث طويلًا، فقد كان مساء الأربعاء الماضي نقطة فارقة في سجل هذه الكارثة المروعة، حيث أعلنت كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا اشتباههما في سقوط الطائرة الروسية بواسطة قنبلة خُبئت بداخلها قبل الإقلاع، قبل أن تعضد هذا الاحتمال تصريحات أدلت بها مصادر مخابراتية غربية لوكالات أنباء عالمية، رجح بعضها وضع القنبلة داخل مخزن الأمتعة. وأكد مسؤولون بالمخابرات البريطانية والأمريكية لرويترز - اليوم السبت - اعتراضهم لمحادثات هاتفية بين زعماء تنظيم "داعش" في الرقة وسيناء يحتفلون فيها بإسقاط الطائرة المنكوبة، ويتحدثون عن كيفية تدميرها. "جهاز تخزين البيانات في الطائرة يشير إلى أن انفجارا عنيفا ومفاجئا تسبب في تحطمها"، هكذا صرح مسؤولون فرنسيون لوكالة "فرانس برس"، بعد اطلاعهم على محتوى الصندوقين الأسودين للطائرة، حيث تشارك فرنسا ضمن فريق التحقيق الدولي حول الحادث، والذي يشمل أيضًا محققين من "مصر وروسيا وألمانيا وأيرلندا".
جاءت المزاعم الغربية حول قنبلة الطائرة الروسية لتستدعي إلى الأذهان مزاعم مماثلة أطلقتها السلطات المصرية حول القضاء على الإرهاب "تمامًا" في سيناء، حيث لم تدخر الدولة والدوائر الداعمة لها وسعًا على مدار العامين الماضيين في الحديث عن "هزائم ساحقة" و"خسائر فادحة" يُمنى بها المتطرفون، قبل أن تهز الأرض - أو تضيء السماء - أصوات انفجارات جديدة. أشرقت شمس الأربعاء الماضي على مدينة العريش ملقية ً بضوئها على 5 شهداء من قوات الأمن المصرية، سقطوا في تفجير سيارة مفخخة استهدف نادي الشرطة مخلفًا 10 مصابين آخرين بينهم 5 مدنيين. جاء هذا التفجير فيما يواصل الجيش المصري المرحلة الثانية من عملية "حق الشهيد" ضد تنظيم "داعش" بشمال سيناء، والتي قال عنها وزير الدفاع، الفريق أول صدقي صبحي، في 5 أكتوبر الماضي، إنها "حققت أهدافها المرجوة في القضاء على البؤر الإرهابية"، كان هذا قبل شهر من تناثر أشلاء شهداء نادي الشرطة على رمال العريش.
لم تكن هذه السابقة الأولى من نوعها، ففي زيارة إلى شمال سيناء في 7 أغسطس 2014 "العام الماضي"، شدد وزير الدفاع على أن "بنهاية العام الجاري سيتم القضاء على الإرهاب بشمال سيناء، وإعلان المحافظة خالية من الجماعات الإرهابية، تمهيدًا لتنميتها وتعميرها"، وأكد صبحي خلال لقائه مع عناصر من القوات المسلحة والشرطة أن "سيناء على أعتاب مستقبل مشرق من التنمية والاستقرار والتقدم". كان هذا قبل اجتماع عقده وزير الدفاع مع عدد من قيادات الجيش الثاني والشرطة ومشايخ القبائل بسيناء، في 15 ديسمبر 2014، والذي صرح مصدر أمني بأن صبحي نقل خلاله رغبة الرئيس السيسي للحضور في إعلان سيناء خالية من الإرهاب قبل بدء المؤتمر الاقتصادى العالمي بشرم الشيخ، والذي انعقد في مارس الماضي. وبتاريخ 23 سبتمبر 2013، و7 نوفمبر 2011، نشرت عدد من الصحف القومية والمستقلة أنباءً حول إعلان سيناء خالية من الإرهاب "خلال أيام"، بناءً على تصريحات "مصادر عسكرية" أكدت - كما تؤكد دائمًا - أن نهاية الإرهاب صارت وشيكة، وأن المتطرفين يحتضرون تحت وطأة الضربات الأمنية الساحقة.
أما قائد الجيش الثاني السابق، اللواء أحمد وصفي، فلم يفته نصيبه من التبشير بمحو الإرهاب من قاموس الحياة في مصر، حيث صرح في 2 أكتوبر 2013 - بعد مرور قرابة شهر على بدء الجيش المصري حملة موسعة ضد "أنصار بيت المقدس" - قائلًا "قريبًا بإذن الله سيتم إعلان سيناء منطقة خالية من الإرهاب.. الجماعات التي نحاربها تعيش الآن مرحلة الفرفرة".
قد تصدق مزاعم وجود قنبلة على متن الطائرة الروسية، وقد يثبت العكس، ولكن يظل ما يؤكده الواقع وترويه الأحداث في سيناء هو الأصدق، وربما كان هذا ما يجب أن يعيه الكثيرون قبل أن تدخل مصر "مرحلة الفرفرة".