للمرة التاسعة جددت النيابة حبس إسراء الطويل 15 يومًا على ذمة اتهامها ببث أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية وتكدير السلم العام.. إلخ. ليس هذا بخبر جديد أو مختلف، هذا هو العادى، أن تحقق النيابة مع المتهمين وأن تحتجزهم احتياطيًّا على ذمة التحقيق، لمدد كثيرات مستندة فى ذلك إلى تعديلات فى قانون العقوبات، وليست القضية أن تفكر إذا كانت الفتاة مدانة أم بريئة، تتعاطف معها لأنك من الفريق المعارض للسلطة، أم تؤيد التنكيل بها لأنك من جمهور هذه السلطة، التى ترى فى كل معارض إخوانيا، وفى كل قلم أو كاميرا مختلفة إرهابا، لكن الخبر أن الفتاة التى جرى اعتقالها لدى خروجها من أحد المطاعم على كورنيش المعادى فى الأول من يونيو الماضى، دون إفصاح عن هذا الاعتقال وتعتيم عليه، وإنكار له فى بعض الأحيان لمدة 18 يوما كاملة حتى ظهرت فى سجن النساء، هى فتاة مريضة حسب كل التقارير الطبية التى نظرت حالتها قبل الاعتقال وبعده، ولديها شلل فى الأطراف كادت تتعافى منه بفعل الانتظام فى جلسات العلاج الطبيعى، لكن احتجاز الأشهر الأخيرة مع عدم توافر العلاج أدى إلى انتكاسة تهددها بالشلل الكامل. أنت هنا لا تتحدث عن تفاصيل القضية وما بها من قرائن إدانة إن وجدت أو أدلة براءة، فلست مطلعا بما يكفى على أوراقها، وإنما عن صحة فتاة صغيرة مهددة بالشلل التام، ولا تجد سبيلا لاستكمال علاجها داخل السجن أو للخروج لاستكماله خارجه. قبل يومين نظرت نيابة أمن الدولة طلب الإفراج الصحى عنها، واستندت فى قرار تجديد حبسها إلى تقرير طبى صادر عن مستشفى سجن القناطر يقول بالحرف :"لديها إصابة فى العمود الفقرى مما أدى إلى إصابتها بشلل فى الأطراف يحتاج إلى علاج طبيعى، ولكن حالتها مستقرة مما يسمح باحتجازها". هى إذن لديها شلل فى الأطراف وتحتاج إلى علاج طبيعى، لكن "الطبيب" الذى حرر التقرير يعتقد أن حالتها تسمح باحتجازها، وبالنظر إلى أنها محبوسة احتياطيا وليست مدانة بحكم نهائى، هنا تجد أسئلة كثيرة تنفجر فى وجهك، مع شكوى إسراء وأسرتها من عدم قدرتها على الحصول على العلاج اللازم المنتظم داخل السجن. إلى أى مدى إدارة السجن مسؤولة عن هذه الحالة وعن علاجها؟ ولماذا لم يتضمن تقرير الطبيب الذى أوصى باستمرار احتجازها مع إقراره بإصابتها وحاجتها إلى العلاج، ما وفره له من خدمة طبية تمنع تدهور حالتها، وهل يتحمل هذا الطبيب المسؤولية فى حالة تدهور هذه الحالة أم سيتنصل منها كما تنصل غيره من وقائع موت محتجزين داخل السجون وأماكن الاحتجاز لعدم وجود الخدمات الطبية اللازمة والكافية؟ هنا يقول الطبيب إنها مشلولة، فما الخطر من إخلاء فتاة مشلولة؟ ما تفهمه أن الحبس الاحتياطى جرى تشريعه ليكون أداة لإفادة التحقيق وليس عقوبة فى حد ذاته، وأنه وسيلة لمنع هروب مجرم خطر، أو لمنع أى تعديلات أو تغييرات فى مسرح الجريمة وأدواتها وشهودها، إلى ذلك من أسباب تبدو منطقية، لكن مرة أخرى أى خطر يتطلب احتجاز فتاة مشلولة احتياطيا؟ ما الذى يمكن أن تتصور فعله إذا ما خرجت إلى بيتها لتتولى أسرتها علاجها بمعرفتها، بينما يستمر نظر القضية، ويستمر مثولها أمام أى جهة خلال جلسات التحقيق، حتى تحال القضية إلى المحكمة ويصدر فيها حكم نهائى؟ ما الذى يمنع احتجازها فى بيتها؟ أو فى مستشفى؟ وما الضرر البالغ الذى سيحدث لو أخلى سبيلها بأى ضمان، مثل مَن كانوا أخطر منها وأشدد ضررا وإفسادا فى الأرض؟ ربما كانت أخطر فتاة فى العالم، وهناك ما لا نعرفه عن خطورتها وتعرفه النيابة وإدارة السجن وطبيب المستشفى، حسنا ماذا فعلتم لضمان تقديم الخدمة الصحية المناسبة إلى إسراء الطويل المحتجزة بحوزتكم المسؤولة منكم التى أقررتم بإصابتها وحاجتها إلى العلاج المنتظم؟ هل هذا أيضا سؤال صعب؟