في خطوة متوقعة، أعلنت الولاياتالمتحدة أنها ستعدل نهجها في دعم المعارضة السورية المسلحة التي تقاتل تنظيم "داعش"، وقالت إنها ستقدم أسلحة ومعدات لقادة مختارين ووحداتهم في خطوة قد تسمح بزيادة المساعدات الأمريكية. هذا القرار جاء عقب لقاء وزيري الدفاع الأمريكي آشتون كارتر ونظيره البريطاني مايكل فالون في لندن، ما يعني أن الولاياتالمتحدة وبريطانيا، اللتين لا تنفصل سياساتهما عن بعضها البعض، قد قررتا وضع معادلة توازن على الأرض. لقد صرَّح آشتون، من لندن، صراحة أن "رحيل بشار الأسد هو الحل الصحيح الوحيد"، مشيرا إلى أن خطوات موسكو في سوريا خاطئة تماما وستؤدي إلى نتائج سلبية. وهذا بالضبط موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما نفسه، الذي اتخذ قرار تعديل برنامج تدريب ودعم المعارضة في سوريا. ومن الواضح أن التحالف الأمريكي يرغب في توازن على الأرض أمام الجيش السوري. وعندما تحقق واشنطن وحلفاؤها ذلك، سوف يتغير الحديث في اتجاهات أخرى تماما. هذه الاتجاهات بدأت معالمها تتضح، منذ عدة أيام عندما وصف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أيضا قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقصف مواقع الإرهابيين داخل سوريا بأنه "خطأ فادح"، وأن التدخل العسكري الروسي سيزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. وكرر نفس الاتهامات التي وجهتها واشنطن إلى موسكو، مشيرا إلى أن "معظم الضربات الجوية الروسية حتى الآن استهدفت أجزاء من سوريا لا تخضع لسيطرة الدولة الإسلامية، لكن تخضع لمعارضين آخرين للنظام. وبالتالي، فمن المنطقي أن يصدر قرار تسليح المعارضة السورية بأسلحة متطورة بعد اتفاق واشنطنولندن. الخطير هنا أن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية بيتر كوك، أكد أن الولاياتالمتحدة ستوفر أيضا دعما جويا لمقاتلي المعارضة في المعركة مع "التنظيم". أي أن واشنطن بدأت بتعديل موازين القوى بعد دخول الروس إلى سوريا بعشرة أيام كاملة. غير أن الحديث لا يدور بالضبط عن تزويد المعارضة السورية بالسلاح، لأن هذه المعارضة تمتلك بالفعل أسلحة متطورة وبكميات كبيرة. الحديث يدور حول إشارة البدء باستخدام هذه الأسلحة، وتحت غطاء جوي لقوات التحالف بقيادة واشنطن نفسها. هذه التصريحات والتحركات، تلت تصريحات أكثر خطورة لوزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر أدلى بها يوم 8 أكتوبر الحالي في اجتماع لوزراء الدفاع في حلف شمال الأطلسي في بروكسل، بأن روسيا ستبدأ في تكبد خسائر بشرية بعد توسيع دعمها العسكري لنظام حليفها بشار الأسد. إذ أكد على أنه "سيكون لهذا التدخل عواقب على روسيا نفسها التي تخشى من هجمات. خلال الايام المقبلة سيبدأ الروس في تكبد خسائر بشرية". واشنطن لديها الآن حججها ومسوغاتها للعمل النشط في الأراضي السورية وبشكل مباشر ومكشوف. فهي ترى أن موسكو تبنت نهجا عسكريا طائشا، وخاطرت بوقوع تصادم بين الطائرات الأمريكية وغيرها من الطائرات التي تستهدف جهاديي تنظيم داعش في سوريا، وأطلقت صواريخ عابرة من سفينة في بحر قزوين دون إنذار مسبق، واقتربت مقاتلاتها أميالا قليلة من واحدة من الطائرات الأمريكية بدون طيار، وشنت هجوما بريا مشتركا مع النظام السوري، وبالتالي أزالت بذلك واجهة أنهم يقاتلون تنظيم داعش. وتزامنا مع قرار واشنطن بإعطاء الضوء الأخضر بإيقاع خسائر بشرية في صفوف الروس الموجودين في سوريا، شنت وسائل الإعلام الروسية حملة مسبقة على لسان مصادر مجهولة في هيئة الأركان الروسية بأن تنظيم "داعش" يستخدم غاز الخردل ضد القوات الحكومية في سوريا. وتداولت وسائل الإعلام هذه نعلومات على لسان نفس المصدر العسكري المجهول بأن "مسلحين تحدثوا أثناء اتصالات رصدت بعد قصف الطيران الروسي لمواقعهم عن نقل ذخائر خاصة بشكل عاجل إلى خط المواجهة مع القوات الحكومية وكذلك عن مفاجآت". وفسر المصدر ذلك بأن "الحديث يدور، على ما يبدو، عن قنابل يدوية مفخخة بمواد كيميائية، وأن المسلحين تحدثوا عن ضرورة وقف تقدم القوات الحكومية وإقامة حاجز تلوث كيميائي في المنطقة للأشخاص وكذلك الآليات". نفس المصدر العسكري المجهول، والذي قد يظهر بتصريحات أخرى في هذا الاتجاه، أوضح أن هذه المعلومات خطيرة جدا لأن عدة تقارير أشارت منذ شهر تقريبا إلى امتلاك المسلحين احتياطيات من غاز الخردل السام، مؤكدا أن أن استعمال هذا الغاز السام من قبل مسلحين سيؤدي إلى سقوط العديد من العسكريين وكذلك المدنيين، وأن ذلك سيرافقه توجيه اتهامات إلى بشار الأسد ودعوات إلى إسقاطه بأسرع ما يمكن. على هذه الخلفية، تتحقق مقدمات المخاوف من التورط الروسي في سوريا، وتظهر نتائج صمت واشنطن لمدة 10 أيام كاملة تاركة الساحة للطيران الروسي في الأجواء السورية. فقد أكد الكرملين أن العملية العسكرية التي ينفذها سلاح الجو الروسي في سوريا مرتبطة بالتقدم الذي يحرزه الجيش السوري على الأرض. وذلك بهدف تقديم الدعم للقوات المسلحة السورية، أما مدتها فستتطابق مع الأطر الزمنية لتقدم القوات المسلحة السورية. هذا التصريح ليس جديدا على الإطلاق، فموسكو أكدت في وقت سابق أيضا، على لسان مندوب روسيا الدائم لدى الاتحاد الأوروبي فلاديمير تشيجوف، بأن عملياتها الجوية في سوريا غير محددة بسقف زمني، لأنها تستهدف خطر الإرهاب الذي يهدد منطقة الشرق الأوسط والعالم، وأن روسيا تنوي التواجد في الشرق الأوسط، في المجالين الدبلوماسي والسياسي، وإذا لزم الأمر، ففي المجال العسكري أيضا اعتمادا على القانون الدولي. الطرفان الروسي والأمريكي يعلنان أنهما يحاربان، حصرا، الإرهاب وتنظيم داعش. ولكن وفق المستجدات والتحذيرات والتصريحات، يتغير المشهد تغيرا نوعيا ليبدأ كل جانب في دعم قوات برية على الأرض. روسيا تقوم بغطاء جوي لقوات الأسد من أجل "محاربة داعش"، والتحالف الأمريكي يقوم بتغطية جوية للمعارضة المسلحة من أجل "محاربة داعش"!!!