منذ 30 عاما مات زوجها الفلاح، ذلك العنصر البشري البسيط فى دائرة خلق الله الواسعة، ليترك لها إرثً لا بأس به، كومةً من الأيتام وقليلا من المال وكثيرا من الحزن. هي أم ل 5 أبناء أصبحت رجلا بحكم الحاجة، أرتدت جلبابا وعمة، وحملت فوق كتفها فأسا؟ تجوب الشوارع وتتنقل بين الزراعات لتلتقط رزقها القليل. "فرج" ذلك الاسم الرجولي الجديد الذي يناديها به الجميع الآن، بعد أن كانت "الست فرج الله" الأرملة الفقيرة؛ التى تعمل عاملة نظافة بأحدى المدارس، فى الصباح، وخادمة لسيدات المنازل بعد الظهيرة، وأم ل5 أيتام باقي اليوم. هكذا منحتها الحياة أدوارا عدة؛ كلها مندرجة تحت خط الفقر والشقاء، داست الأيام عليها بكل قسوة، لكنها أكلمت مشوارها الشاق حتي كبر الأبناء الخمسة وتزوج منهم من تزوج ليصبح الخمسة "15 فردا"، وأصبحت مسئولةً عنهم جميعا، لتعيد لها الحياة الكرة من جديد ولتضرب على رأسها بيدً أكثر قسوة وظلما. الأبناء وأبنائهم جميعهم يقتنون نفس المنزل، فلا يملكون دونه شئ، والأم تتحمل نفس المسئولية فلا مفر منها. دارت سنوات العمر، تجرعت خلالها كل صنوف الآلم والشقاء والذل، حالمة يوما ما بأن يكبرالأبناء، وتستريح علها تنعم بزيارة بيت الله الحرام، لكن "للأقدار مفارقات" أنقلب الحلم ليصبح كابوسا ولتلعب الأم العجوز بعد 30 عاما من العمل والشقاء، دورا لم يخطر يوما فى بال أي امراةً أن تقوم به. "فرج الله" الأم العجوز؛ قررت بعد أن ضاق الحال وكثر العيال أن تصبح رجلا. أرتدت ثوب رجل وعمة بيضاء، وأمسكت فأسا وذهبت إلى إحدى القري البعيدة التى لا يعرفها أحدا فيها، لتعمل فى "الفلاحة"، يدها بيد الرجال، يناديها الجميع ب"الحاج فرج"، ذلك الرجل صاحب الجسد النحيل المنهك الذابل وذا اليدين الضعيفتين والعينين الخائفتين. تلك السيدة التى تقطن بإحدى قرى مركز نجع حمادي، شمال محافظة قنا، تقول "فرج" أو "الست فرج الله" قررت ارتدي زي الرجال منذ أكثر من 20 عاما، لأسباب كثيرة أولها ضيق الحال وأبنائي وأحفادي الذين فى رقبتي، وكي لا يطمع في أحدا وكي لا يتعرض أحد لرزقي القليل، ويغتصبه وأعمل بعيدا عن قريتي حتي لا يعرفني أحد وتنكشف قصتي وينقطع باب رزقي الذي يحتاجه أولادي وأحفادي. وأضافت "فرج الله"، أن الفأس هو سلاحها لتحدي متاعب الحياة الشاقة التى لطالما تؤئيها، وأنها كرهت تلك السنوات العجاف التى عانت خلالهما من تنكرها من جسدها، ونسيت أنوثتها ونفسها وظلت ترتدي ملابس الرجال لكي تكسب قوت يومها وهي ال60 جنيه يومية الرجل فى العمل فى فلاحة وري وحصاد محصول الأرض الزراعية.