والنتيجة: لا شىء سوى الفراغ. لكنه فراغ من نوع الفراغات الصحراوية، المحطوط عليه لافتة، ملك فلان الفلانى. وهو فراغ وظيفى يستطيع كل باعة الشر استخدامه إلى حين. بعضهم قد يرمى فيه زبالته. وبعضهم قد يستخدمه لتخزين شروره. أما المخابرات المركزية الأمريكية فقد كان له عندها استخدام آخر. وظفته فى أفغانستان والشيشان والبوسنة، وهى اليوم تريد توظيفه من جديد فى صراعاتها فى شرق آسيا. طيب يا سيدى ماذا استفدت أنت من كل هذه الصراعات؟ ماذا انعكس على حياتك وحياة ناسك منها؟ لا شىء. فقط يعدد الجبال التى اجتازها والدروب الصحراوية التى وطئها. والذئاب التى داسها!! وكأنه شركة بلدوزرات تعدد مزايا بلدوزراتها. لا شىء سوى الفراغ، لا مشروع لا سياسة لا مهارات لا أدوات. هو والعدم متشابهان حد التطابق. السياسة عنده هى الغزو والتكتيك هو التحييد. أما الهدف فهو لافتة كبيرة ضخمة بنيت من أزمان سالفة (النهضة). وإذا استخففت بعلمك وثقافتك وفكرت أن تفككها لن تجد سوى اللا شىء. هذا اللا شىء هو ما أطلق عليه الناس الفنكوش. ومن أجل الفنكوش تستخدم السياسة. ولأن السياسة ليست سوى الغزو فى العصور الوسطى. لم تنتج سوى تكتيك واحد. هو تكتيك التحييد. غزو مؤسسة وراء مؤسسة. مثل قائد عسكرى فى العصور الوسطى يغزو القرى والمدن. قرية وراء قرية ومدينة وراء مدينة. فى تلك العصور، حين يتم حصار قرية من قبل غاز. يكون قدام أهلها خياران، إما القتال وإما الاستسلام. وفى الحالتين، تنتهى مقاومتها بمجرد نجاح الغازى فى اجتياز أسوارها. كانت السيطرة تتم من فوق. وإخوان يتوهم أنه ما إن يغزو مؤسسة ويسيطر عليها من فوق، حتى تخضع له. لا يعرف أنه فى كل غزوة، تظل شظايا. زمان ونظرا لعدم وجود اتصالات كانت تلك الشظايا تظل حائمة حتى يبتلعها الفضاء. ولكن اليوم ومع التطور الهائل فى أجهزة الاتصالات، بسرعة فائقة، تتجمع تلك الشظايا، لتشكل كتلة مقاومة جديدة. تلك السرعة فى التجمع لا يفهمها العقل الفاشى، لذا يردها لأسباب مؤامراتية. من هنا قالت العلوم السياسية، انتهى زمن التمكين. والسبب؟ انتهاء زمن الجموع لمصلحة زمن الفرد. انتهاء الشمولية لمصلحة الفردانية. الفردانية بنت زمن المعلومات. فى زمن الجموع ما إن يتم السيطرة على مركز قيادتها، حتى يتم السيطرة عليها. فى زمن الفردانية لا أماكن للسيطرة لتسيطر عليها. وهذا ما لا يفهمه أبدا العقل الفاشى. العقل الفاشى إلى مزبلة التاريخ مع... الديدان المنقرضة، وليس حتى مع الخوارج والقرامطة والحشاشين. ولا مع هتلر وموسولينى.. إخوان يندفع بقوة السياسة، سياسة الغزو، نحو الحائط. حائط زمن المعلومات. وما إن يرتطم به حتى يتحول إلى شظايا. وهى شظايا لن تظل هائمة، بل ستتجمع من جديد حول نواة جديدة. ستتعدد النوى ومن ثم تتعدد المجموعات. والكل سيخضع لنظرية حطها واحد (يهودى) فى زمن فائت، هى نظرية النشوء والارتقاء. القادر على التوافق مع الزمن، زمن المعلومات سيستمر. وغير القادر سيمشى مثل مناع فى راس غليس، وهو المسلسل الذى يعرفه معظم البدو. مناع فى آخر المسلسل كالمصروع بيصرخ: قتل.. وقتلت. ذبح.. وذبحت. سرقة.. وسرقت. فتنة.. وفتنت. رشوة.. ورشوت. شراء.. واشتريت. غدر.. وغدرت... وبعد أن يعدد كل أنواع الجرائم التى ارتكبها يلقى حاله وقد فشل فى التمكن من قيادة قبيلته. بمن يذكرك مناع؟ عن نفسى يذكرنى بمن ملأ واقعنا بالقتل. يذكرنى بمن يهدى الشقق والسيارات لقادة الحركات. يذكرنى بمن يخلق الائتلافات ويشتريها ليضرب ائتلافات ثانية. يذكرنى بمن ملأ واقعنا بالفتن. يذكرنى بقبيح خرج من السجن ليكمن فى الهضبة وليحول ثورتنا إلى سيل من الدماء. أما أنا، مسعد أبو فجر، فقد عملت اتفاقا مع عمرو ولد أخوى محمد، ابن الخمس سنوات. وحتى اليوم لا نزال أنا وعمرو على اتفاقنا. كلما قابلنى يمثل قدامى مشهد مناع فى آخر المسلسل، حين كان يصرخ مصروعا. وأعطيه جنيها.