أظن أن أسبابا عدة، ربما أهمها الانشغال برد هجمة عصابات الجاهلية وجحافل التتار الجدد على الإعلام الحر، فضلا عن ملاحقة سيل أخبار الكوارث والبلاوى ومشاهد المسخرة والكوميديا السوداء التى نعيشها حاليا، ونحن نكابد حكم عصابة الشر الفاشية الفاشلة ونشرب المُر «كاسات» و«براميل» من يديها المتوسختين بالدم وغبار الخراب.. أعتقد، والله أعلم، أن هذه الحال هى التى منعت أغلب وسائل الإعلام عندنا من مجرد الإشارة إلى خبر يبدو مفعَما بالمعانى ومحمَّلا بأخطر الدلالات، فهو وإن كان يخص أهلنا فى غزةالمحتلة فإنه (لأسباب مفهومة) وثيق الصلة ببَلْوَتِنا واحتمال تفاقمها ومستقبل تطورها إذا -لا قدر الله- طال عمر رقدة العصابة على قلوبنا و«تمكنت» من رقبة البلد وأحكمت السطو على مجتمع المصريين ودولتهم. فأما الخبر فيقول إن حركة حماس (الإخوانية) التى تحكم وتتحكم من سنوات فى سكان قطاع غزة مستفيدة من ثمار «مشروع الاحتلال منخفض التكاليف» الذى اخترعه العدو ومرره عبر اتفاقيات «أوسلو» المشؤومة قبل نحو عشرين عاما، هذه الحركة وجدت عندها متسعا من الوقت وفائض نشاط واهتماما وجّهته، ليس إلى المقاومة ووضع استراتيجيات وتكتيكات نضالية تخدم هدف تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، الذى يثرثر به قادتها أمام الميكروفونات وفى القاعات «القطرية»، ولا انصب هذا الاهتمام على اجتراح وسائل فعالة (غير التنطع واستباحة أمن مصر) لإنهاء وإسقاط الحصار الإجرامى الخانق الذى حوّل القطاع إلى أكبر سجن للبشر فى التاريخ، كما لم يكن للخبر أية علاقة بحياة الشظف والمعاناة والبؤس التى يحياها أهل غزة، بينما السيدة «حماس» تحكم وتهيمن وتتسلطن عليهم تحت الحراب الإسرائيلية!! لقد تركت السيدة «حماس» كل هذه القضايا «البسيطة التافهة» وانشغلت بإناث ونساء أهلنا الغزاويين، وبدل أن تبحث عن وسيلة لدحر حصار العدو أرهقت عقل جنابها فى تخليق المزيد من الأدوات والإجراءات التى تمتن قسوة حصارها وتؤكد احتقار حضرتها (كما أخواتها فى كل أقطارنا) للمرأة الفلسطينية المجاهدة المكافحة.. كيف؟ أعلنت حكومة معاليها قبل أيام بدء تنفيذ فرمان سلطانى يقضى بالفصل التام بين تلاميذ المدارس الأطفال من الجنسين عندما يصلون بالسلامة إلى سن التاسعة، من دون أن تأكلهم محرقة الاستشهاد المبكر ولا عجنت صواريخ العدو وقنابله «الغبية» لحْمهم الغضَّ بعظامهم الطرية (هل تتذكر جهاد «الإخوان» بتوعنا دفاعا عن جريمة زواج البنات إذا بلغت أعمارهن تسعة أعوام؟)!! ولم يتوقف الفرمان عند هذا الحد، بل تضمن الفرمان منع المدرسين الذكور من التدريس فى مدارس البنات (ولو كنّ أطفالا) بكل أنواعها حتى تلك التى تخص مواطنين مسيحيين، أو التى تديرها منظمة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين، كما لم يحفل مصدرو الفرمان بالنقص الشديد فى أعداد المعلِّمات المؤهَّلات لحمل عبء القيام بعملية تعليمية جادة ومتكاملة، إذ التعليم أصلا وأساسا ليس مُهما ولا مطلوبا، وإنما الأكثر أهمية وحيوية عند هذا النوع من «الحركات» و«الجماعات» المصابة فى عقلها ووجدانها وجهازها القِيَمى والأخلاقى هو تلبية طلبات سوق التوحش و«النخاسة المشرْعنة»، حيث الزواج من صغيرات لم يبلغن بعد عمر الزهور.. عادى جدا وتحميه قوانين مسمومة تسهر على تطبيقها فرق بوليسية عرمرم من فرط النفاق والكذب على المولى، تعالى، يسمونها الآن فى غزة «شرطة الأخلاق»!!!