أصبح إيقاف البث وتسويد شاشات القنوات، آخر صيحة في عالم الفضائيات، لاسيما في الآونة الأخيرة، وكأن الأمر مثل انقطاع الكهرباء أو المياه. ويتم تسويد شاشات القنوات إما لأزمة مالية تمر بها القناة ومالكها، أو بسبب طلب القناة من النايل سات توقفها عن البث، بسبب التعرض لشخصية عامة في المجتمع، ومخافة غضبه، أو حداد على استشهاد أبناء الوطن، مثل حادثة استشهاد النائب العام السابق هشام بركات، أو جنود سيناء، وأيضًا اعتراض على سياسة الدول في تضييق الحريات، أو تدخل النايل سات لوقف بث القناة؛ لعدم التزامها بميثاق الشرف الإعلامي. من الوقائع الشهيرة بتسويد الشاشات ووقف بثها ما حدث مؤخرًا مع قناة "الفراعين"، لمالكها الإعلامي الدكتور توفيق عكاشة، يوم الجمعة الماضي، بعد صدور حكمين قضائيين نهائيين ضد توفيق عكاشة، ما استلزم تسويد الشاشات وبث خبر القبض عليه عبر القناة. ولم تكن هذه الواقعة الأولى لقناة "الفراعين"، إذ كانت هناك واقعة ضدها وتحديدًا في 15 سيبتمبر 2013، والسبب أنها لم تلتزم بميثاق الشرف الإعلامي. ومن هذه الوقائع الشهيرة أيضًا ما حدث من توتر وارتباك وصل إلى حد وقف بث قناة "Crt”، ولكن هذه المرة بطلب من ممثلها القانوني وائل الشربيني؛ بسبب تعرض مالك القناة أحمد سعيد لمرتضى منصور رئيس نادي الزمالك. ومن الأمثلة التي لن تُنسى من ذاكرة الفضائيات حول إيقاف بث القنوات، هو انقطاع البث عن القنوات الفضائية الرسمية: القناة الأولى الفضائية، والقناة المصرية الفضائية، ومجموعة قنوات النيل، لمدة ثلاثين دقيقة، يوم 9 مايو الماضي، إذ اسودّت شاشات الفضائيات المصرية، بسبب انقطاع مفاجئ للكهرباء في ماسبيرو، في حادثة أولى في تاريخ الفضائيات. ومن حالة قطع التيار الكهربائي إلى إعلان الحداد على ضحايا الحوادث الإرهابية، تم ذلك عند مقتل النائب العام السابق هشام بركات، في 29 يوينو من العام الجاري، إذ سودت قنوات "صدى البلد" و"Cbc” و"دريم" شاشاتها، حدادًا على روح النائب العام. كما تم من قبل أيضًا تسويد شاشات ثلاث قنوات فضائية في شهر ديسمبر 2012 وهم «ONTV»، و«دريم»، و«CBC»، و"الحياة"، و"القاهرة والناس"، بسبب الإعلان الدستوري الذي فرضه الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسي، رغبة منهم في إظهار موقفهم ضد تقييد الحريات. وقالت الدكتورة ليلى عبد المجيد، عميد كلية إعلام القاهرة الأسبق، ل«التحرير»، إنّ تسويد شاشات القنوات الفضائية وقطع بثها لأمر مُشين، مهما كانت الخلافات الناشبة بين أطراف المشكلة، ووصفت هذا التصرف بأنه "غير مسؤول". وأضافت أنه حتى إذا كان العاملين في قناة ما لا يحصلون على رواتبهم، فلا يجوز قطع إشارة البث بسبب ذلك، وإنما تُحل المشكلة بأساليب أخرى؛ وأيضًا نفس الحال عندما تتأخر قناة معينة عن دفع اشتراكها لمدينة الإنتاج الإعلامي، لا يجوز قطع البث أيضًا بسبب ذلك؛ لأن قطع البث سيكون إهانة للمشاهد. وأشارت الخبيرة الإعلامية إلى أنّ حدث محاولات متعمدة لقطع إشارة البث عن بعض القنوات في عهد الرئيس المخلوع محمد مرسي، لكن القانون هو من يحكم في هذه الحالات. واقترحت الدكتورة أنه يجب سن تشريعات جديدة تنظم العلاقة بين مدينة الإنتاج الإعلامي، والقنوات الفضائية، ومالكيها، والعاملين فيها، كما أشارت إلى أنها تأمل في ذلك من خلال "قانون الإعلام الموحد الجديد"، التي أصدرته اللجنة الوطنية لصياغة التشريعات الإعلامية بنقابة الصحفيين، والتي سُتعلن عن تفاصيله في القريب العاجل. فيما قال محمد هاني، مدير قنوات "Cbc"، إنّ تسويد الشاشات تماثل احتجاب الصحيفة عن الظهور، ولا يجوز تسويد شاشات الفضائيات، وحجب الصحيفة إلا في ظروف استثنائية وأزمات كبرى ولأسباب مهنيّة بحتة، مثل وجود قانون يقيد من حرية الصحافة، أو أن الصحافة والإعلام عمومًا يتعرضان لملاحقات تعسفية، لكن ما دون ذلك لا بد أن تواجه القناة أي مشكلة، بتقديم المعلومة والمناقشات، لا أن تُسوّد القناة شاشتها. وأضاف هاني "عند لجوء القناة لتسويد شاشتها في الحالات الاستثنائية، هذا بمثابة إعلان لها محتواه رفض السياسة التعسفية مثلًا، أو التضييق على حرياتها، ولا يجب اللوم عليها إذا ما لجأت إلى ذلك، ولكن أن تكون فترة الانقطاع فترة قصيرة؛ لأن الإعلام هدفه الأساسي هو الإخبار، وحتى يحقق حاجة المشاهد في ذلك". وأكمل حديثه بأنه لا يوجد قانون ينظم المعايير التي وفقها تلجأ القناة إلى تسويد شاشتها، لأنه ربما تتعرض القناة مثلاً لأزمات مالية وتريد أن تلجأ لوقف بثها، فهل تُمنع من ذلك. فيما قال مصدر مسؤول في النايل سات عن هذه الإشكالية، إن هناك أسباب عديدة لتسويد شاشات القنوات الفضائية ووقف بث إشارتها، موضحًا أن من أهم هذه الأسباب هو عدم تجديد ترخيص البث، وعدم سير الإجراءات المطلوبة على نحو صحيح، ويأتي على رأس هذه القنوات قناة الCrt التي لم تجدد ترخيصها إلى الآن. وأضاف المصدر أنّ من حق القناة الفضائية أن تطلب قطع البث عنها أو تسويد شاشتها، وعليه يقوم النايل سات بدوره في ذلك. وأكمل قوله بأن "هناك أيضًا حالات يتم فيها قطع البث وعلى رأسها عدم الالتزام بميثاق الشرف الإعلامي، وأحيانًا الأزمة المالية للقناة تكون سببًا قويًا وكافيًا لقطع البث، وهذا ما حدث عدّة مرات لقناة "الفراعين" لمالكها الإعلامي توفيق عكاشة".