منافس الأهلي.. بورتو يسابق الزمن لضم فيجا قبل انطلاق مونديال الأندية    7 لاعبين مهددون بالرحيل عن ريال مدريد    أحمد الفيشاوي يثير الجدل مجددًا بظهوره ب«حلق» في أحدث إطلالة على إنستجرام    من مدريد إلى نيويورك..فى انتظار ولادة صعبة لحل الدولتين    باريس سان جيرمان ينهي عقدة تاريخية لأندية فرنسا أوروبيًا    بعد رحيله عن الأهلي.. هل طلب سامي قمصان ضم ميشيل يانكون لجهاز نادي زد؟    لاعبان سابقان.. الزمالك يفاضل بين ثلاثي الدوري لضم أحدهم (تفاصيل)    معاكسة فتاة ببنها تنتهى بجثة ومصاب والأمن يسيطر ويضبط المتهمين    متحدث الصحة: نضع خطة طوارئ متكاملة خلال إجازة العيد.. جاهزية كل المستشفيات    ديستربتيك: استثمرنا 65% من محفظتنا فى شركات ناشئة.. ونستعد لإطلاق صندوق جديد خلال عامين    مطالب برلمانية للحكومة بسرعة تقديم تعديل تشريعى على قانون مخالفات البناء    البلشي يرفض حبس الصحفيين في قضايا النشر: حماية التعبير لا تعني الإفلات من المحاسبة    القومي لحقوق الإنسان يكرم مسلسل ظلم المصطبة    الحبس والغرامة للمتهمين باقتطاع فيديوهات للإعلامية ريهام سعيد وإعادة نشرها    «سيبتك» أولى مفاجآت ألبوم حسام حبيب لصيف 2025    مدير فرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية يستقبل وفدا من الصحة العالمية    رئيس النحالين العرب: 3 جهات رقابية تشرف على إنتاج عسل النحل المصري    وزير الصحة: تجاوزنا أزمة نقص الدواء باحتياطي 3 أشهر.. وحجم التوسع بالمستشفيات مش موجود في العالم    بحثًا عن الزمن المفقود فى غزة    مصطفى كامل وأنوشكا ونادية مصطفى وتامر عبد المنعم فى عزاء والد رئيس الأوبرا    20 صورة.. مستشار الرئيس السيسي يتفقد دير مارمينا في الإسكندرية    موعد أذان مغرب السبت 4 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب عشر ذي الحجة    بعد نجاح مسابقته السنويَّة للقرآن الكريم| الأزهر يطلق «مسابقة السنَّة النبويَّة»    ماذا على الحاج إذا فعل محظورًا من محظورات الإحرام؟.. الدكتور يسري جبر يجيب    الهمص يتهم الجيش الإسرائيلي باستهداف المستشفيات بشكل ممنهج في قطاع غزة    الإخوان في فرنسا.. كيف تُؤسِّس الجماعة حياةً يوميةً إسلاميةً؟.. خطة لصبغ حياة المسلم فى مجالات بعيدة عن الشق الدينى    المجلس القومي لحقوق الإنسان يكرم أبطال مسلسل ظلم المصطبة    وزارة الزراعة تنفي ما تردد عن بيع المبنى القديم لمستثمر خليجي    برونو يحير جماهير مانشستر يونايتد برسالة غامضة    القاهرة الإخبارية: القوات الروسية تمكنت من تحقيق اختراقات في المواقع الدفاعية الأوكرانية    "أوبك+": 8 أعضاء سيرفعون إنتاج النفط في يوليو ب411 ألف برميل يوميا    قواعد تنسيق العام الجديد.. اعرف تفاصيل اختبارات القدرات    ما حكم بيع جزء من الأضحية؟    محافظ القليوبية يوجه بسرعة الانتهاء من رصف وتطوير محور مصرف الحصة    ب حملة توقيعات.. «الصحفيين»: 5 توصيات ل تعديل المادة 12 من «تنظيم الصحافة والإعلام» (تفاصيل)    استعدادًا لعيد الأضحى| تفتيش نقاط الذبيح ومحال الجزارة بالإسماعيلية    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية    تكشف خطورتها.. «الصحة العالمية» تدعو الحكومات إلى حظر جميع نكهات منتجات التبغ    وزير الخارجية يبحث مع عضو لجنة الخدمات العسكرية ب"الشيوخ الأمريكي" سبل دعم الشراكة الاستراتيجية    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    لماذا سيرتدي إنتر القميص الثالث في نهائي دوري أبطال أوروبا؟    تفاصيل ما حدث في أول أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنوفية    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    رئيس الإنجيلية يستهل جولته الرعوية بالمنيا بتنصيب القس ريموند سمعان    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    "نفرح بأولادك"..إلهام شاهين توجه رسالة ل أمينة خليل بعد حفل زفافها (صور)    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    عمرو الدجوى يقدم بلاغا للنائب العام يتهم بنات عمته بالاستيلاء على أموال الأسرة    عيد الأضحى 2025.. محافظ الغربية يؤكد توافر السلع واستعداد المستشفيات لاستقبال العيد    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«التحرير» ترصد وقائع المعركة مع «بيت المقدس» من قلب الشيخ زويد
نشر في التحرير يوم 27 - 08 - 2015


كتبت- سارة نور الدين ومنة حسام الدين
الشيخ زويد| الطريق الرئيسى تحوَّل إلى ثكنة عسكرية.. وإغلاق المحلات التجارية ونقل سوق الخضر والفاكهة
منى: شفت المسلحين كان معهم طبيب بيداويهم.. وكان اللى يتصاب منهم بيجرّوه لمكان آمن من الضرب ويداووه
شاهد عيان: الإرهابيون يتجوَّلون ملثمين وسط بيوت المدنيين وعلى بعد 200 متر عن معسكر الزهور
الشيخ: وُلدت وعشت طفولتى وتزوجت فى الشيخ زويد.. ولن أغادرها أبدًا
فناطيس المياه لم تدخل المدينة طوال 12 يومًا منذ هجمات أول يوليو.. والأهالى اضطروا إلى استخدام المياه المالحة
الإرهابيون يمكنهم اتهام أى شخص من الأهالى بأنه «متخابر» مع الجيش ليكون عقابه «الإعدام»
طريق محفوف بالمخاطر قطعناه إلى مدينة الشيخ زويد، بعد أن سمعنا حكايات مطوّلة عن أهوال الحرب الدائرة هناك منذ مطلع شهر يوليو الماضى، شهادات العيان تلك دفعتنا إلى البحث عن الحقيقة التى تجسَّدت أمامنا منذ خرجنا من مدينة العريش، متجهين شرقا نحو الحدود المصرية.
قبل عام ونصف العام تقريبا كان الطريق الواصل بين العريش ورفح مرورا بمدينة الشيخ زويد يقطعه عدد من الأكمنة الأمنية، إلا أن الأحداث الإرهابية المتسارعة دفعت قوات الجيش إلى إقامة عشرات من نقاط التفتيش الجديدة التى أصبح الطريق يعج بها، بالإضافة إلى مضاعفة تحصينات الكمائن القديمة.
لا يمكنك أن تأمن الطريق الذى كان يسمى «الدولى»، فهو الطريق الذى تسير عليه عربات الجيش ومصفحاته وآلياته، وما إن تسمع طلقات نار تحذيرية حتى تجبر على التوقف، فالطلقة الأولى فى الهواء، والثانية فى السيارات التى تقرر استكمال الطريق دون التوقف على جانب الطريق.
سائق سيارة أجرة قال لنا: «المفروض نحس بالأمان لما نلاقى عربيات الجيش بتمشى جنب عربياتنا، لكن العكس هو اللى بيصير»، ووصف سيره على الطريق الدولى ب«المخاطرة»، متابعا: «لو سهيت لحظة وأنا مش شايف المدرعات من بعيد أو ما سمعت صوت طلقات النار من بعيد وكمّلت مشى هيضربوا السيارة باللى فيها بالرصاص، وحصلت أكثر من مرة وانصاب واتقتل مسافرين كثير».
حوّل الإرهابيون بأفعالهم مدن العريش والشيخ زويد ورفح إلى بؤر مسلحة يفصلها بضعة كيلومترات عن الأراضى المحتلة وقطاع غزة، تقطع هدوءها أصوات طلقات النيران والقذائف بشتى أنواعها، فى الوقت الذى يئنّ فيه أهلها من ازدياد حدة ووتيرة الهجمات وسقوط الدانات والقذائف لتهدم بيوتهم فوق رؤوسهم.
سفينة مجهولة وشائعات بنقلها للإرهابيين
فى العريش وقعت أحداث إرهابية متقطعة على مدار العامين الماضيين، كان أضخمها هو ما تسبّبت فيه تفجيرات الكتيبة 101 الرئيسية فى شمال سيناء، والتى أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس، تبنيها العملية الانتحارية التى نفّذت بواسطة «فنطاس مياه»، سرقه عناصرها من إحدى الهيئات الحكومية ليدخلوا به مقر الكتيبة، ويفجّروه ليخلف عشرات القتلى والجرحى فى صفوف الجيش.
أحداث الكتيبة 101 وقعت بعد شائعة سرت فى المدينة بشكل واسع النطاق، ففى صباح أحد أيام شهر أبريل الماضى قبيل 3 أيام من تنفيذ العملية الانتحارية، وصلت سفينة صيد مجهولة وغير آهلة شواطئ المدينة، ليتساءل الجميع عن مصدرها فى الوقت الذى تناقل فيه الأهالى أنباء وصول إرهابيين فى الليل عبر البحر.
السفينة الراسية على شاطئ المساعيد غربى العريش، تركت دون أى تحفظ أمنى أو إقامة كردون أو سياج أمنى حولها حتى انتهاء التحقيقات أو تحريات النيابة أو ما شابه، فاستغلها الأطفال المصطافون ليتسلقوها ويقفزوا منها إلى المياه.
الطريق الدولى.. طريق غير آمن
الطريق الدولى الذى كان يسير عليه جميع المركبات المتجهة إلى الشيخ زويد ورفح يمتد بطول 35 كيلومترا من مدينة العريش إلى الحدود المصرية مع قطاع غزة، كان المسافر يقطعه بالكاد فى نصف ساعة أو 45 دقيقة، وعقب الهجمات الإرهابية يوم الأربعاء الدامى فى 1 يوليو الماضى، قامت قوات الجيش بتغيير مسار الطريق قبيل مدخل مدينة الشيخ زويد إلى وسط حقول الزيتون والخوخ.
الطريق الجديد خالٍ تماما من كمائن أو نقاط التفتيش الأمنية، إلا أنه أطول من سابقه، فعلى المتجه إلى رفح أن يقطع المسافة تلك فى ساعتين تقريبا فى أفضل الظروف، وهو ما دفع سائقى نقل الركاب (المكروباصات) إلى رفع تسعيرة الأجرة، تماشيا مع طول المسافة ووعورة الطريق.
الشيخ زويد تتحوّل إلى بؤر إرهابية والأهالى يدفعون الثمن غاليًا
لم يكن الوصول إلى الشيخ زويد أو «أرض الموت»، كما بات أهلها يطلقون عليها، سهلا أو متاحا أمام الجميع، فالمفاجأة كانت تبدو ذهولا عندما وصلنا إلى بيت أحدهم داخل المدينة، ليسألنا: «لماذا المخاطرة؟».
بين فكى الرحى يعيش أهالى الشيخ زويد، تلك المدينة التى كان يقطنها نحو نصف مليون نسمة، فالحرب التى بدأها المسلحون من تنظيم «أنصار بيت المقدس» حوَّلت حياتهم بالكامل إلى جحيم انتظار، وهو ما عشناه معهم لساعات داخل المدينة.
وقت الظهيرة تختفى ملامح تلك المدينة التى كانت تعجّ بالحركة قبل 1/7 الماضى، الكل داخل منزله ولا حركة فى الخارج إلا فى ما ندر، وأصبح الطريق الذى كان يقطع وسط المدينة من أوله لآخره ثكنة عسكرية يمنع السير عليه، وأغلقت المحلات التجارية، ونُقل سوق الخضر والفاكهة إلى الشمال قليلا على الطريق الجديد وسط الحقول الزراعية.
مشهد طريق وسط المدينة كان مرعبا يوم 1/7، حسب شهادة «منى»، إحدى السيدات التى كانت موجودة فى موقف سيارات الأجرة فى الساعة السابعة صباحا، حيث كانت تنوى التوجه إلى العريش لإنهاء إجراءاتها فى مصلحة حكومية، قائلة: «كنت موجودة، وكنا نسمع إطلاق نار، لكن ماكناش متوقعين يكون فيه مواجهة كبيرة، إحنا عندنا عادى نسمع ضرب نار وهجمات كل يوم، علشان كده قلت عادى أسافر وأتحرك أخلص ورقى».
تستكمل «منى» حديثها قائلة: «كنا فى الموقف عادى منتظرين المكروباص يحمّل، وفجأة فى أقل من دقيقة سمعنا إطلاق نار قريب كتير، وبعدين قلنا ننزل من السيارة تحسبا لأى شىء يحصل يعنى، وبعدين لقينا سيارات نصف نقل غريبة عليها أسلحة مش بتاعة الجيش، قمنا هربنا لبيت قريب، قعدنا نراقب منه اللى حصل».
«منى» تعيش فى منزل قريب من سوق الشيخ زويد وهى مدينة صغيرة يعرف أهلها بعضهم البعض، فركضت شاهدة العيان إلى إحدى المنزل للاختباء، وما إن هدأت قليلا حدة الاشتباك حتى ظن الجميع أن المعركة انتهت.
قررت «منى» الخروج من بيت جيرانها لتصل إلى منزلها، إلا أن إطلاق النار بدأ مجددا، وهنا رأت بعينيها المسلحين فى أثناء إطلاقهم النار على كمائن الجيش، وبين طلقات من هنا وهناك اختبأت هى وراء جدار أحد المحلات التجارية فى السوق، متابعة: «شفت المسلحين كان معهم طبيب بيداويهم تقريبا، وكان اللى يتصاب منهم بيجرّوه لمكان آمن من الضرب ويداووه».
استكملت حديثها، قائلة: «وأنا طالعة أركض منهم وأعدى الشارع علشان أوصل لبيتنا، كان الضرب هِدى شوية، لاقيت واحد من الإرهابيين شايل سلاحه، ويسألنى وين رايحة جيش الطغاة هيقتلك، قلت له حسبى الله ونعم الوكيل فيكم، وهربت وأنا أركض لغاية ما وصلت البيت».
الوصول من شمال المدينة لجنوبها أصبح أمرا غاية فى التعقيد، تقطعت أوصال المدينة التى كان جميع أهلها يعيشون فى سلام إلا قليلا من القلاقل، بينما أصبحت قوات الجيش وقسم شرطة الشيخ زويد فى وجه مدفع الإرهاب الذى زادت وتيرة استهدافه لهم بشكل ملحوظ.
حول معسكر الزهور الذى يعتبر أحد معسكرات الجيش الرئيسية، بدأنا نتقفى آثار هجمات يوليو الماضى، وحسب أحد جيران المعسكر فإن مسلحى «أنصار بيت المقدس»، زرعوا عشرات الألغام حول المعسكر الواقع وسط بيوت المدنيين صبيحة يوم 1/7، ليمنعوا خروج التعزيزات العسكرية لمساندة الكمائن وقوات الجيش فى المدينة.
منذ ذلك يوم أصبح الأهالى يطلقون على المسلحين اسم «كتيبة 102»، نسبة لأن قوات الجيش تسمى كتيبة 101 أكبر الكتائب العسكرية فى شمال سيناء، خوفا من أن ينادوهم ب«الدواعش» أو «الإرهابيين»، فيتسبب ذلك فى قتلهم، لأن هؤلاء المسلحين لهم أعينهم وجواسيسهم وسط السكان.
شاهد العيان، الذى رفض ذكر اسمه خوفا على حياته، قال إن المسلحين يتمكنون ببساطة من التجول ملثمين وسط بيوت المدنيين حتى بالقرب من منزله، على الرغم من أنه يبعد 200 متر فقط عن معسكر الزهور الضخم، قائلا: «فيه شىء مش فاهمينه إحنا كأهالى وشهود عيان على اللى بيصير فى أرضنا».
«رامى»، أحد الشباب الذين يقطنون فى المنطقة ذاتها، قال إنه كان موجودا على سطح منزله، وقتما بدأ الإرهابيون فى هجومهم، وقال: «شفت مسلحى 102 كانوا بيزرعوا ألغام حول المعسكر، بين البيت والعسكر أمتار، يعنى كنت قادر أشوفهم، كان كل 4 أو 5 منهم بيزرعوا الألغام، و2 أو 3 فوق أسطح منازل بيصوروا الجيش وتحركاته».
«ماذا كان يمكن أن يفعل الأهالى العزّل لمنع مسلحين معززين بمدافع «آر بى جى» وكلاشنيكوف، وغيرها، من اعتلاء أسطح منازلهم»، هكذا وصف الشاب حال أهل مدينته، متابعا: «ما كان حد يقدر يقول لهم لا، اللى بيقول لا بينقتل أو بيتركوه، وبعدين ييجوا يضربوا بيته بالكامل أو يخطفوه ويقتلوه ويرموا الجثة».
المشهد الدامى الذى كان يعكس حياة المدينة فى مطلع أول أسبوع من يوليو الماضى، لم تشهد مثيله من قبل، كما تقول إحدى السيدات اللاتى عشن فى المدينة منذ ولادتهن، متابعة: «أنا حضرت حرب 48 و56 و67 وتحرير سيناء، ما شفت فى الحرب رعب مثل اللى شفته فى البيت يوم 1/7».
«أم مصطفى» التى كان تقطن حى أبو طويلة فى الشيخ زويد، تركت وراءها بيتها وأرضها كالمئات غيرها، ونزحت إلى مدينة العريش، خوفا من الدانات التى أضاعت هدفها وسقطت فوق منزلها لتقتل ابنتها وحفيدتها فى لمح البصر.
عاشت الجدة «أم مصطفى» حروب سيناء جميعها، وصفت يوم الأربعاء 1/7 بالمعنى الحقيقى للخوف، فإطلاق النار على كمين الجيش كان من خلف منزلها، فردّ الجيش بإطلاق دانات من دبابته ليسقط سقف بيتها فى المنتصف على رؤوس ساكنيه.
لم تكن الجدة هى الوحيدة التى عانت الأمرّين جراء تبادل إطلاق النيران فى المناطق السكنية بالشيخ زويد ورفح، فقد نزح سكان قرى مثلها إلى مخيمات نزوح فى العريش، بعيدا عن أجواء الحرب الدائرة فى مدينتهم، بينما نزح آخرون داخليا من منازلهم إلى منازل أقربائهم بعيدا عن المناطق الأكثر تعرضا للخطر.
خلت قرى بأكملها من الأهالى كانت قديما تعجّ بالحركة والزحام، مدن جنوب الشيخ زويد لم تعد آهلة بالسكان، قرى أبو طويلة والجورة والتومة واللفيتات وقرى حول كمائن «أبو طويلة» و«أبو رفاعى» و«الخروبة»، نزح معظم سكان الشهاوين وما حول معسكر الزهور، بينما ينتظر عشرات منهم فى أرضهم ومنازلهم حتى يحدث الله أمرا كان مفعولا.
«الشيخ» أحد الشباب الذى رفض النزوح إلى خارج أرضه أو تركها بصورة مؤقتة حتى تهدأ الأمور، قال إنه ولد وعاش طفولته وتزوج فى الشيخ زويد ولن يغادرها فى هذه الدنيا، متابعا: «كل أصحابى سافروا من القرية، وعمليات النزوح ما زالت مستمرة، كل يوم والثانى نسمع حد شال هدومه وعفشه وطفش من البلد، لكن أنا مش راح أعملها، هذه أرضى وبيتى وين أروح!».
أمتار قليلة تفصل منزل الشيخ عن أحد المنازل التى دمرت بالكامل جراء إطلاق النار المتبادل والمستمر حوله دون توقف يوميا، فالمدينة التى تفرض عليها حالة الطوارئ وحظر التجوال من الساعة السابعة مساء إلى السادسة صباحا تشهد بشكل يومى إطلاق نار بعد بدء الحظر.
«الطيران حسم المعركة»، هكذا وصف شاهد عيان آخر من إحدى القرى التى نزح معظم سكانها، رافضا ذكر اسمه، ما حدث بعد ساعات من بدء معركة 1/7، فمنزله الذى يطلّ على أحد الكمائن سلم من دانات الجيش، إلا أنه لم يسلم من مسلحى 102.
يقول الشاهد إن دانات الجيش عندما تطلق من أحد الكمائن يصل مداها إلى 3 كيلومترات، وبالتالى فإن نقطة سقوطها يصعب التحكم بها بصورة تامة، ومن الممكن أن تسقط خطأ على أحد البيوت، فى الوقت الذى يطلق فيه الإرهابيون قذائفهم من وسط البيوت فى غفلة من سكانها.
وأشار الشاهد إلى أن بقاء عمل شبكات الاتصال معظم ساعات يوم 1/7 كان قرارا حكيما من القيادة العسكرية والسياسية، فالأهالى كانوا يتواصلون مع الجيش للإبلاغ عن مواقع انتشار المسلحين ليستهدفهم الطيران، فغالبية الأهالى لا يملكون هواتف أرضية.
«ما يحدث فى المنطقة الحدودية من قطع شبكة الاتصال يؤثر على حياة الناس، فالطبيعى أن تقطع الشبكات وليس العكس»، هكذا وصف شاهد العيان صعوبات الحياة فى المدينة، قائلا: «بلا اتصالات، بلا مياه، بلا كهرباء معظم اليوم، أما المياه الصالحة للشرب فنشتريها بالفلوس من فناطيس توزّع على السكان».
فناطيس المياه تلك لم تدخل المدينة طوال 12 يوما منذ بدء هجمات 1/7، لم يكن لدى الأهالى أى مياه للشرب فى منازلهم، حتى لجؤوا إلى شرب مياه الرى المالحة التى تسقى أراضيهم، وبالتأكيد كانت أرحم عليهم من الموت عطشا، على حد وصف شاهد العيان.
آبار المياه المالحة الصالحة للرى فقط وليست للشرب كانت المنقذ الوحيد لأهالى الشيخ زويد فى محنتهم التى لم تنتهِ بمجرد انخفاض وتيرة المواجهات بين الإرهابيين والجيش، البيوت التى نزح أهلها منها على مضد باتت مرتعا للعمليات الإرهابية، فالمسلحون يستحلون اغتنام منازل الراحلين الذى نزحوا بسبب القتال المستعر، ليقيموا فيها ويجعلوها نقطة انطلاق هجماتهم الإرهابية، فى الوقت الذى يقتلون فيه كل من يعترض طريقهم.
«الداخل لها مفقود، والخارج منها مولود»، هكذا وصف سائق أجرة العريش- رفح مأساة الدخول والخروج من مدينة الشيخ زويد التى لم يخلُ طريق عودتنا منها من إطلاق النار على الطرقات ومشاهد المنزل المدمرة على جانبى الطريق، فالمدينة التى باتت حزينة تئنّ بين الإهمال والإرهاب واتهامات تخوين أهلها الصامدين.
الإرهابيون يخطفون ويقتلون شباب الشيخ زويد ورفح بتهمة «التخابر مع الجيش»
التحدث مع قوات الجيش والشرطة باتت جريمة يعتبرها إرهابيو جماعة أنصار بيت المقدس تستحق الذبح والتنكيل، فحسب روايات أهالى الشيخ زويد فإن الجماعة يمكنها أن تتهم أى شخص من الأهالى بأنه «متخابر» مع الجيش ليكون عقابه «الإعدام».
تقول «ليلى»، قريبة أحد الأشخاص الذين أعدمهم مسلحو 102، إن الإرهابيين قاموا بخطفه فى شهر مايو الماضى فى منطقة واقعة بين مدينة رفح والشيخ زويد، اختفى بعدها فلا أحد يعرف عنه شيئا ولا عن خاطفيه.
تضيف ليلى أن ابن عمها الذى قتل كان قبيل خطفه يلقى التحية على ضباط الجيش فى نقاط التفتيش، تلقّى بعدها تهديدات بالقتل من مجهولين، لكن لم نتوقّع تنفيذها مطلقا.
اختطف ابن عم ليلى وانتشر الخبر بين الأهالى، وبعد أيام وجدوا جثته ملقاة أمام مسجد فى قرية الوفاء على بعد كيلومترين على الأقل من كمين الماسورة، أحد أكبر كمائن الطريق بين الشيخ زويد ورفح، وأكثرها تحصينا، واستهدافا من قبل الإرهابيين.
لم يكن ابن عم ليلى هو الوحيد الذى أعدمه الإرهابيون فى تلك المنطقة، وحسب «محمد» فإن اثنين من الشباب قتلا على يد المسلحين خلال الأسابيع الماضية لاتهامهما بالتعاون مع قوات الأمن.
يضيف «محمد» أن «سامح» و«علاء» تلقيا تهديدات من مسلحى «أنصار بيت المقدس»، بسبب حديثهم المتكرر مع قوات الجيش فى الشيخ زويد، متابعا: «سامح كان من الشباب الطامحين، وكان بيعمل أعمال خيرية للمحتاجين، فجأة خطفوه من وسط الأهالى عادى ما حد قدر يوقفهم، معاهم سلاح ما حد يقدر يتكلم معاهم»، وأشار إلى أنهم ألقوا بجثته بعد أيام أمام مسجد القرية بعد أن أطلقوا عليه النار حتى الموت، شهود عيان رأوهم فى أثناء مجيئهم بسيارة ألقوا منها الجثة على مرأى ومسمع الجميع.
تكررت المأساة مع علاء الذى اختطف وقتل هو الآخر، أما «أحمد» فتلقى تهديدات عدة بأنه متهم بالتعاون مع الجيش وإبلاغه القوات المسلحة بأماكن تمركز الإرهابيين فى هجمات 1/7، فجاءه المسلحون حتى منزله القريب من معسكر الزهور.
كان أحمد يلعب «دومنا» مع شقيقه أمام المنزل، هاجمه المسلحون فى وضح النهار، وأطلقوا عليه النار ليردوه قتيلا.
«أعدم بتهمة أنه حلاق الجيش»، هكذا قالت إحدى قريبات شخص أعدمه مسلحو «أنصار بيت المقدس»، بعد خطفه من منزله عقب هجمات 1/7 الدامية، اتهموه بأنه يساند الجيش ويتخابر مع قواته، وبعد أيام من اختفائه وجد الأهالى جثته بالقرب من مسجد القرية ملقاة على الرمال.
سكان رفح يرحلون.. والشيخ زويد فى خوف
«الدولة قالت إنها بترحيل السكان من الحدود هتخلص العمليات الإرهابية، رحلنا من بيوتنا وأرضنا بس الإرهاب زاد»، هكذا لخصت «أم أحمد» معاناة ترحيلها لإقامة المنطقة العازلة على الحدود المصرية مع قطاع غزة، مشيرة إلى أنها كانت من سكان أول 300 متر من البيوت الملاصقة للحدود تم إخلاؤها العام الماضى.
إقامة المنطقة العازلة هو المشروع الذى تبنته الحكومة المصرية أواخر عام 2014، عقب تكرار وقوع الأحداث الإرهابية ضد قوات الجيش فى رفح والشيخ زويد، فالمنطقة الممتدة بطول كيلومتر تقريبا غرب الحدود المصرية، كانت مثار جدل كبير فى العقد الماضى بسبب حفر أنفاق التهريب بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية فى قطاع غزة.
وفى الشيخ زويد كان التخوف من ملاقاة مصير رفح يسيطر على الأهالى، فالمرحلة الثالثة من إقامة المنطقة العازلة تصل إلى حدود شرق المدينة، وإفراغ رفح من سكانها كان الهاجس الذى يخشاه الأهالى، خصوصا بعد نزوح أهالى القرى الشرقية والجنوبية للشيخ زويد جراء تصاعد وتيرة القتال.
تضيف أم أحمد، التى كانت تقطن بالقرب من كمين الماسورة الذى يتعرض لضربات وهجمات إرهابية منذ سنوات، أنها كانت تعانى تلك الضربات فى بيتها، إلا أن الوازع الوطنى دفعها إلى الاستجابة لنداء الجيش بإخلاء منزلها لهدمه وإقامة المنطقة العازلة وفق متطلبات الأمن القومى.
التعويض الذى حصلت عليه «أم أحمد» وغيرها الآلاف من ساكنى المنطقة الحدودية الذين تم إخلاء مناطقهم على بعد كيلومتر من الحدود، لم يكن كافيا بالنسبة إليها، قائلة: «عوضونا عن متر الأرض 100 جنيه، ومتر الخرسانة 1200 جنيه، وتركولنا 24 ساعة بس نلم أغراضنا من البيت، وبعد ما يتهدم البيت نصرف التعويض».
«أم أحمد» التى كانت تمتلك منزلا صغيرا فى المنطقة الحدودية، خرجت من أرضها لتبحث عن سكن ملائم فى منطقة أخرى، لتفاجأ بأن أسعار الأراضى والإيجارات مرتفع للغاية، وهو ما لم تضعه الحكومة فى الحسبان، على حد تعبير «أم أحمد» قائلة: «البلد تركتنا ناخد تعويض بسيط ومالهاش دعوة بالباقى، نسكن وين ولا نروح وين مش مشكلتهم دى».
تدخل المنطقة العازلة عما قريب مرحلتها التنفيذية الثالثة لإخلاء 500 متر أخرى، بالإضافة إلى الكيلومتر السابق إخلاؤه من السكان، وقد انضمت آلاف الأسر «الرفحاوية» كما يحب سكانها إطلاق هذا المسمى على أنفسهم، للراحلين ضمن المراحل الأولى والثانية.
فى المرحلة الثانية، كان «مساعد» الذى عاش فيها منذ نعومة أظافره، وهو كما يصف نفسه «رفحاوى» أبا عن جد، إلا أن الدافع الوطنى كان أغلى عليه من أرضه وبيته.
يقول «مساعد» إن انتشار الأنفاق تحت الأرض هو السبب وراء تهريب كل شىء من وإلى مصر، ولذلك فإن الاستجابة الفورية من أهالى المنطقة الحدودية للخروج جاءت خدمة لمصر واستجابة لمطلب جيشها الذى يتصدى للإرهاب يوميا.
يقول «أحمد» من سكان إحدى القرى الواقعة على مشارف الطريق بين رفح والشيخ زويد، إن المنطقة العازلة التى يقيمها الجيش لحماية مصر تصل إلى حدود قريته فى الشيخ زويد، وهو ما يثير مخاوفه من ضم قريته لمرحلة رابعة أو خامسة للمنطقة العازلة.
أحمد أضاف أن كثيرا من سكان قريته نزح منذ الهجمات الإرهابية فى إبريل الماضى، إلا أن أحداث مطلع يوليو جعلته يفكر جديا فى النزوح مع المئات من جيرانه إلى خارج قريته.
الإرهاب يقضى على مدينة رفح التاريخية
«رفيحو» هو الاسم التاريخى لنقطة الحراسة الرئيسية على حدود مصر القديمة، كما جاء اسمها على أحد النقوش الفرعونية على طريق حورس الحربى، إبان طرد الفراعنة للهكسوس فى القرن السادس عشر قبل الميلاد.
وأصبحت مدينة رفح فى غير أوقات الحرب مركزا تجاريا ضخما على الطريق بين مصر والشام، ومرّت عليها حضارات عديدة استعمرتها فى الطريق إلى القدس، فاحتلّ إسكندر الأكبر قلعتها إدراكا منه لأهميتها العسكرية، وجرت على أرضها حرب الفيلة بين دولتَى البطالمة والسلوقيين.
وفى العصر الرومانى اتخذت رفح مسمى «المدينة الدولة» حيث ضربت النقود باسمها، واكتسبت صفة أسقفية فى العصر البيزنطى.
كانت رفح بوابة الفتح الإسلامى لمصر حينما وصلتها الجيوش الفاتحة بقيادة عمرو بن العاص، ومنها اتجه لمدينة العريش.
كان لصلاح الدين الأيوبى فى معاركه ضد الصليبيين نصيب على أرض رفح، ويبدو أنه الأبقى على مدار العقود والقرون الماضية، فبعد انتصاره فى معركة حطين أقيمت بوابة سمّيت باسمه على الحدود، وبقيت حتى إقامة المنطقة العازلة تفصل بين الأراضى المصرية والفلسطينية.
منى برهوم: بعض المسؤولين يتعاملون مع سيناء من مكاتبهم المكيفة باعتبارها رسمة على الخريطة
الناشطة السيناوية: أنفاق الشر أحرقت رفح ويجب محاكمة مبارك
منطقة شرق مدينة العريش تشهد حربًا بمعنى الكلمة.. والمزايدات على أهالى سيناء ليس لها منطق
أهالى رفح سدّدوا فاتورة الإرهاب بأغلى ثمن.. وتعويضات الدولة جزئية وليست كلية
«الأنفاق حرقتنا»، هكذا وصفت الناشطة السيناوية، منى برهوم، واقع مدينة رفح الحدودية بعد إخلائها وإقامة المنطقة العازلة، قائلة إن الأمن القومى دفع الأهالى إلى الاستجابة الفورية لطلب الجيش بترك منازلهم، وهو الثمن الباهظ الذى دفعوه نتيجة انتشار «أنفاق الشر» تحت مدينتهم.
فى حوارها ل«التحرير»، أكدت برهوم أن بعض المسؤولين فى الدولة يتعاملون مع سيناء من مكاتبهم المكيفة، باعتبارها رسمة على الخريطة دون مراعاة للإنسان الذى يعيش فيها، متابعة أن الحرب الدائرة الآن على أرض سيناء لم تظهر فجأة فهى تراكمات العزلة والإقصاء والاحتلال، ثم الإهمال والتهميش المتعمّد خلال ما يقارب السبعين سنة الماضية.
أشارت برهوم إلى أن السنة الفارقة فى تاريخ مدينة رفح كانت 2008، عندما اتخذ الرئيس الأسبق حسنى مبارك قرارا بغض البصر عن أنفاق رفح غير المشروعة لتهريب السلع للفلسطينيين المحاصرين فى قطاع غزة، وإلى نص الحوار.
- إقامة المنطقة العازلة للإجهاز على الأنفاق وما تسبّبت به من انتشار الإرهاب، فإلى أين وصلت الحرب ضد الإرهاب الآن؟
- منطقة شرق مدينة العريش تشهد حربا بمعنى الكلمة، الإرهابيون يستهدفون المقرات الأمنية، والحملات تستهدف المسلحين فى المنطقة السكنية، فالخسائر البشرية بجانب عشرات الجنود الشرفاء تجاوزت مئات المواطنين المصريين، سواء من قبل الاستهداف المتعمّد من قبل المسلحين أو من الطلقات الطائشة.
- كل ذلك يتلقاه سكان المنطقة الحدودية فى الوقت الذى يزايد فيه البعض على وطنيتهم؟
- المزايدات على أهالى سيناء ليس لها أى منطق، فالمئات من الشباب والشيوخ قتلهم المسلحون بسبب تعاونهم مع الجيش والشرطة، أما تاريخ أهالى سيناء فى أرضهم يمتد منذ أول الحروب التى خاضتها مصر لتحرير هذه الأرض، فنحن من أنقذنا الجنود فى 1967، وساعدناهم ليخرجوا بسلام للضفة الغربية للقناة، ونحن فى هذه البقعة من أرض مصر وطنيون أكثر من المناضلين من مكاتبهم المكيفة فى القاهرة ووادى النيل.
- ما الذى دفعه أهالى رفح استجابة منهم لدواعى الأمن القومى لبلادهم؟
- أهالى رفح سددوا فاتورة الإرهاب بأغلى ثمن، وهى أرضهم التى غادروها ليقوم الجيش بتطهيرها، ومليارات الدولارات لم تكن لتعوضنا عن ترك بيوتنا وأرضنا التى تركناها خدمة للأمن القومى.
- لكن الدولة عوّضت المرحلين من أراضيهم، فهل كانت التعويضات كافية؟
- التعويضات نعتبرها جزئية وليست كلية، فالتعويض عن المتر الخرسانى 1200 جنيه على الرغم من أن سعره الحقيقى من 1800 إلى 2000 جنيه، وصرف لنا بدل إخلاء قيمته 100 جنيه للمتر الواحد، فى حين أننا اشترينا متر الأرض فى العريش ب2000 جنيه، فى حين كانت قيمة الإيجار التى صرفت لنا لمدة ثلاثة شهور 1500 جنيه، فى حين ارتفعت أسعار الإيجارات فى العريش بشكل جنونى لتصل إلى 3000 جنيه لبيت ثلاثة طوابق، ونحن معروفون فى أرضنا أننا نعيش جميعا فى بيوت عائلة مساحتها تصل إلى 400 متر أو أكثر.
- متى تمكّن المرحلون من صرف تعويضاتهم؟
- لا تصرف التعويضات إلا بعد إزالة البيت، ولا مليم قبل ذلك، الحكومة لم تراع البعد الإنسانى إطلاقا، فقد تركتنا فريسة لأصحاب العقارات، لم تصرف لنا التعويضات قبل هدم البيوت بمدة كافية لنتمكن من الرحيل، ففى المرحلة الأولى حصل السكان على 5 إلى 24 ساعة للرحيل، بينما حصل سكان المرحلة الثانية على ما يقرب من 5 أيام فقط للرحيل.
- كيف تلقّى سكان المرحلة الأولى نبأ إخلائهم منازلهم؟
- هناك ما يقرب من 300 أسرة من سكان المرحلة الأولى استضفناهم فى بيوتنا لحين هدم منازلهم وحصولهم على التعويضات، ليتمكنوا من تأجير منزل لهم فى العريش أو أى مكان آخر، بينما رفض مجلس مدينة العريش الترخيص لعدد كبير منهم لبناء منازل بديلة فى منطقة الرحاب الواقعة على مدخل العريش، بحجة الحفاظ على الشكل العام من إقامة عشوائيات دون مراعاة للظروف التى أجبرتهم على الرحيل عن منازلهم.
- مَن برأيك يتحمل ما وصلت إليه المنطقة الحدودية؟
- الرئيس الأسبق حسنى مبارك هو من يتحمل مسؤولية ما يحدث فى رفح سياسيا وأمنيا، فهو من غض البصر عن حفر الأنفاق والتوسع فيها مقابل غلق المعابر الرسمية، قرار الحكومات المتعاقبة فى عهد مبارك كان الأغبى فى تاريخ سيناء، ففى 2008 كانت بداية النهاية لمدينة رفح المصرية، فالسماح باختراق وانتهاك حدود مصر بحجة فك الحصار عن أهل غزة عاد بالوبال على شمال سيناء.
- هل حوكم مبارك على تلك النتائج التى تحمّلها الأهالى ومصر نتيجة قراره؟
- حاكموا مبارك وحكوماته على إهدار أموال القصور الرئاسية، لكن لم يحاكمه أحد بتهمة إهمال سيناء أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وتجاهل تنميتها، وانتهاك حدود مصر الشرقية.
- لماذا كان أهالى رفح يتوسعون فى تشييد الأنفاق على الرغم من تحذيرات الدولة بعد عام 2011؟
- الأنفاق كانت تؤخذ على محملين فى رفح، فالبطالة التى ضربت المدينة وشمال سيناء بشكل عام، وصلت أقصى مدى لها، فلا أحد من الشباب يعمل إلا فى ما ندر، فلا توجد وظائف، وبالتالى فإن الأنفاق وفرت لهم فرص عمل ذهبية، فى الوقت الذى كانت تمثل بالنسبة إلى كثيرين عملا وطنيا وإنسانيا، خصوصا بعد اجتياح الفلسطينيين الحدود عام 2008 بعد حرب غزة، وفى أثناء حرب 2012 أيضا، فتوسع حفر الأنفاق فى الوقت الذى لم تبذل فيه الدولة مهمتها أمنيا لمنع وقطع الطريق على أنفاق الشر تلك.
- هل ذهبت إلى مدينة رفح بعد هدم منزلك؟
- بالطبع أذهب إلى المدينة التى ولدت وكبرت فيها، وهناك خطورة كبيرة على السير على الطريق، خصوصا أن عملى فى رفح وعلىّ أن أعبر الطريق بشكل شبه يومى، وفى الشيخ زويد ورفح أصبحنا لا نشم سوى رائحة الدم، القتل دائر من قبل استهداف المسلحين الذين يختطفون الشباب ويلقون بجثثهم فى الشوارع وأمام البيوت والمساجد، ومن قبل الدانات والقذائف العشوائية المتبادلة بينهم وبين قوات الجيش.
- ما الحل الذى يمكن أن ينقذ ما تبقى من المنطقة الحدودية فى رأيك؟
- يجب تعديل اتفاقية كامب ديفيد ليتمكن الجيش من فرض سيطرته بشكل كامل على الأرض وتطهير سيناء تماما من بؤر الإرهاب، لا يمكن أن نتصور أن ننتظر موافقة إسرائيل على إدخال أسلحتنا وجنودنا إلى أرضنا، فلا تلزمنا موافقتها فى الأساس.
جامعة سيناء بين 5 كمائن معرضة للهجمات.. ومدير الأمن: مافيش خطر
الجامعة الخاصة والوحيدة الواقعة فى سيناء سمّيت باسمها، أملا فى أن تكون منارة للعلم فى هذه البقعة من أرض مصر، وضعها موقعها الجغرافى وسط 5 كمائن أمنية على طريق العريش- القنطرة الدولى، منها معسكر لقوات الأمن ضمن أكبر المعسكرات المسؤولة عن حماية المدينة.
فى الشهور الماضية تعرضت الكمائن المحيطة بالجامعة لهجمات أمنية عنيفة، أدت إلى تكسير نوافذ وواجهات الجامعة بالكامل، وفى مارس الماضى ضربت الهجمات الإرهابية معسكر قوات الأمن المواجه لمبناها، فأوقفت الإدارة الدراسة.
أحد طلاب الجامعة رفض الكشف عن اسمه، قال إنه من محافظة الشرقية قدّم أوراقه إلى الدراسة بإحدى كليات الجامعة على الرغم من بعدها الجغرافى بسبب انخفاض درجات تنسيق كلياتها، مشيرا إلى أن الدراسة فى الجامعة ممتازة إلا أنها موقعها خطر ولا يرغب فى استكمال الدراسة فيها لهذا السبب.
تستقبل الجامعة عشرات من الطلبة من خارج الحيز الجغرافى لها، فتنسيق كلياتها منخفض بنسبة 5% عن بقية الجامعات الخاصة المعتمدة لدى وزارة التعليم العالى بسبب وجودها فى مدينة العريش بشمال سيناء، وكما قال أحد طلاب كلية الصيدلة فإن الجامعة تقدم خدمة تعليمية جيدة جدا، والأساتذة فيها على أعلى المستويات، إلا أنها واقعة فى منطقة غير آمنة بالكامل وبسبب هجمات مارس الماضى أوقفت الدراسة مدة أسبوعين حتى عاد الطلبة للحضور تدريجيا.
وأوضح الطالب أن كلية الصيدلة على سبيل المثال مصروفاتها تصل إلى 38 ألف جنيه فى السنة، وهو مبلغ أقل من مصروفات نظيراتها من الجامعات فى القاهرة على سبيل المثال، على حد تعبيره.
اللواء يحيى مكال جاويش، مدير أمن الجامعة، نفى خطورة موقع الجامعة الجغرافى، قائلا إن الجامعة آمنة ووجود معسكرات قوات الأمن بجوارها مصدر أمان لها، مشيرا إلى أن مدينة العريش آمنة وليس هناك أى نوع من الخطورة التى تؤثر على سير العملية التعليمية.
وأضاف جاويش، فى تصريحاته ل«التحرير»، أن خفض تنسيق كليات الجامعة بنسبة 5% لا ينطبق فقط على جامعة سيناء، بل على جامعة أخرى بسبب بعدها الجغرافى، موضحا أن هناك زيادة فى أعداد الطلبة المتقدمين للدراسة فى كلياتها.
مدير أمن الجامعة قال إنها تستقبل طلبة من دول عربية وأجنبية، متابعا: «نستقبل طلبة من فلسطين وسوريا وليبيا، ولدينا طالب من ألمانيا، بالإضافة إلى أن طلبة مدن شمال سيناء يفضلون الجامعة لقربها منهم جغرافيا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.