هل الإخوان جماعة إصلاحية أم ثورية؟ ظل هذا السؤال محل مماحكات ممتدة لعقود، قبل أن تبرهن الجماعة بالحال والمقال أنها ليست ثورية، بل هى إصلاحية تؤمن بالتدرج، ولا تستبق نواميس الكون التى يصفها حسن بأنها غلابة، فى أصول الفهم التى تحولت لدى أعضاء الجماعة إلى لاهوت جديد، ليس له علاقة بالطبع بلاهوت التحرير فلم يكرس حسن البنا بأفكاره سوى عبودية الأفراد للقيادة الإخوانية. أثار السؤال من جديد ما صرح به السيد حمزة زوبع، حول أن قيادة الجماعة كانت تدرك أن اعتصام رابعة لن يعيد مرسى إلى سدة الحكم، وأنهم فقط كانوا يحاولون ممارسة ضغوط على الدولة المصرية لتحسين شروط التفاوض، وامتلاك أوراق ضغط يستطيعون بها تحسين موقفهم التفاوضى، عندما يجلسون على المائدة كعادتهم فى كل عصر ومصر، إذن الخروج لميدان رابعة والحديث عن الخيار الثورى لم يكن عن قناعة، بقدر ما كان بطاقة ضمن بطاقات متعددة اعتادت الجماعة أن تلعب بها فى رحلتها الطويلة نحو قصر الحكم، الذى ظلت تتلمظ شوقا إليه عبر عقود سلكت فيها كل الأبواب، لتؤمن حالة شعبية تحملها للحكم وبقدر ما ترددت فى المضى مع الثوار فى يناير، بقدر ما بادرت بانتهاج ما ادعت أنه مسار ثورى استراتيجى تؤمن به، رغم أن أدبياتها التى تنطق بحقيقة موقفها، التى تنطق بها مقولات حسن البنا المؤسس تنطق بعكس ذلك، ومنها قوله إن الإخوان لا تؤمن بالثورة، ولا تعتبرها الوسيلة الأمثل للإصلاح، لكنها تحذر أنه إذا ظلت الأوضاع على ما هى عليه، فستحدث ثورة ليست من صنع الإخوان، فالإخوان لا يؤمنون بالثورة، ولا جدواها، وظل تاريخ الجماعة يؤكد هذا المنحى فقد ظلت مصلحة التنظيم الإخوانى هى البوصلة التى حكمت سلوك التنظيم فى ظل كل الحكومات، وهو ما صدقته مواقف الجماعة سواء عندما تحالفت مع الملك وإسماعيل صدقى ضد الشعب وثورته ضد تعطيل الدستور، أو التنكر لإرادته التى اختارت حزب الوفد، وذلك على عهد الملك، أو محاولة التنظيم حرف ثورة يوليو عن أهدافها وممارسة الوصاية عليها، أو التوافق مع السادات وارتداء قناع السلفية الهادئة حتى تتفرغ لتنظيم صفوفها وتقوية تنظيمها، بينما تبدت سلوكياتها البراجماتية بوضوح أكبر على عهد مبارك، حيث لم تعبر عن تناقض حقيقى معه، بل بايعته فى الفترة الثانية من رئاسته، رغم ما أظهره من توجه سلطوى واضح يتناقض مع ما تدعو له فى العلن من أفكار، ولا نستطيع أن ننسى تصريح مرشد الجماعة عاكف بأنه يتمنى لقاء الرئيس مبارك، ولا وصف بديع المرشد اللاحق لمبارك بأنه أب لكل المصريين، وهو ما ظهر فى التردد فى الثورة على نظامه، حيث لم تلحق الجماعة بثورة يناير إلا بعد أن تأكدت من نجاح فصولها الأولى قبل تنحى مبارك، وعندما لاحت أجواء الصفقات تقدمت إليها الجماعة دون وجل أو خجل، متأكدة من مهارة تنظيمها وقوة انتشاره وقدراته على أن يحسم أى انتخابات لصالحه، وفى اللحظة الحرجة من عمر ثورة يناير تقدمت بدم بارد تداعبها نشوة الحكم الذى يقترب منها، لتذبح ثورة يناير بخذلان الثوار فى «محمد محمود 1 و2» و«ماسبيرو» و«مجلس الوزراء»، وكل محطة حاول فيها ثوار أنقياء أن يواصلوا ثورتهم لاجتثاث بذور الفساد الذى التقى معه الإخوان فى وسط الطريق، وغدرت الثورة بليل تصور الإخوان أن سينكشف عن نهار انتصارهم وتقلدهم لحكم مصر، الذى انتظروه طويلا مرددين كلمات الثورة مع الثوار، وكلمات الإصلاح مع من يؤمنون بالإصلاح، فقد درجت الجماعة على الإيمان بأن الغاية تبرر الوسيلة، أو بالبلدى اللى تغلبه العب به وظلت سادرة فى غيها حتى لاحت لحظة وصولها للحكم، وعلى الرغم من أنها رفعت شعارات الثورة فقد تصرف التنظيم فى النهاية بما انطبع عليه ورسخ فى وجدانه، الإصلاح البطىء المتدرج الذى يضع فى الاعتبار المشروع الأممى الذى تحتل مصر فى وعيه زاوية ضيقة جدا، وهو ما كان ينتظره الفريق الذى لم يفقد عقله لحظة واحدة، بل استوعب الضربة ودرس مواطن ضعفه جيدا، وعالج العطب فى أنظمة التحكم لديه قبل أن ينتطر أو يشارك فى صناعة لحظة ثورية، مشابهة فى المبنى لا المعنى للحظة يناير التى لم يبخل الإخوان بالعديد من المواقف التى تبرأت منها، ومما دعت إليه، وحين تصور الإخوان أنهم باقون فى الحكم إلى يوم يبعثون جاءت صاعقة يونيو من حيث لا يشعرون، وخرجت جحافل من الشعب المدعومة بمؤسسات الدولة لتضع كلمة النهاية لوجود الإخوان فى الحكم، وتحت وطأة قسوة لحظة الإبعاد من الحكم والصدمة التى خلفها ذلك تذكرت الجماعة مطيتها التى تحولت لديها إلى قميص عثمان تشهره الجماعة حين تحتاج إليه، الثورة وقد وجدت نفسها فى حاجة شديدة لنفس المطية التى حملتها للحكم. أنتم كاذبون فى الحديث عن ثورة غير ثورة نفوسكم لفقدان الحكم، التى ما زلتم لها تعملون وعليها تؤملون وأنتم والله واهمون.