الإسماعيلية - أميرة إبراهيم ومحمد مصباح: للمرة الثانية منذ فوزه في انتخابات رئاسة الجمهورية العام الماضي، ارتدى الرئيس عبد الفتاح السيسي البذلة العسكرية، في حفل افتتاح قناة السويس، أمس الخميس بمدينة الإسماعيلية، بعد أن ارتداها لأول مرة مطلع يوليو الماضي عندما زار القوات المسلحة في شمال سيناء، مرتديا زي العمليات. وصل الرئيس عبد الفتاح السيسى القائد الأعلى للقوات المسلحة، مرتديا الزى العسكرى ورتبة المشير إلى موقع الاحتفال، فى إشارة لتحية إعزاز للقوات المسلحة التى أنجزت حفر القناة فى عام واحد، وكان فى استقباله المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء، والفريق أول صدقى صبحى وزير الدفاع والإنتاج الحربى، والفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس. وكان ملاحظًا بدء مراسم يوم الاحتفال قبل موعدها السابق الإعلان عنه من قبل فى الثانية وخمس دقائق ظهرًا، لمحاكاة ساعة عبور القوات المسلحة المصرية فى نصر أكتوبر المجيد، غير أن المراسم بدأت قبل ذلك الموعد بنحو ثلث ساعة. واستقل الرئيس يخت المحروسة من الضفة الشرقية لقناة السويس الجديدة باتجاه الشمال، ورافقه على متن اليخت عدد من ممثلى مختلف فئات ومحافظات الشعب المصرى، حيث أدى التحية العسكرية للشعب المصرى تعبيرًا عن التقدير لهذا الشعب العظيم الذى حقق هذا الإنجاز الكبير فى زمن قياسى بعقول أبنائه وسواعدهم وأموالهم. بينما اصطحب الرئيس خلال جولته البحرية بالقناة الطفل عمر صلاح ويبلغ من العمر 9 سنوات المصاب بالسرطان، الذى طلب من الرئيس الحضور لحفل الافتتاح فوافق وأرسل له سيارة جلبته إلى مكان الاحتفال، وارتدى الطفل بذلته العسكرية وحمل علم مصر فى يده. كان ملاحظًا كذلك وجود كرسى متدرج أو متعدد الطوابق خلف الرئيس فى أثناء وجوده على ظهر المحروسة. قبل وصول الرئيس بساعات حلقت الطائرات المقاتله F16 فوق مجرى الممر الملاحى بفرعيه الجديد والقديم لتؤمن محيط الضفتين، ثم حلقت الطائرات الرافال الفرنسية التى تسلمتها مصر قبل أيام لتدشن دعمًا فرنسيا واسعًا عسكريا وسياسيا تمثل فى عقد وتسليم صفقة شملت 24 طائرة مقاتلة من طراز الرافال لدعم قدرات مصر العسكرية والوقوف بجانبها فى مكافحة الإرهاب وتواصل العرض العسكرى ليضم مشاركة أخرى وتأكيدًا للتعاون مع فرنسا بظهور الفرقاطة الشبح «تحيا مصر»، من طراز فريم، التى تسلمتها مصر ووصلت الأسبوع الماضى، لتدخل الخدمة مباشرة مع القوات البحرية وتتحمل دورا فى تأمين افتتاح القناة. مراسم الاحتفال بدأت بعد نزول الرئيس من المحروسة، حيث توجه لتبديل ملابسه العسكرية وارتدى «البدلة» المدنية مجددا، وتوجه إلى المنصة الرئيسية على الضفة الشرقية، وسبقه دخول الموسيقات العسكرية واستعراض حرس الشرف، ثم دخل الرئيس السيسى ليستقبل ضيوف الحفل وليقوم بالتوقيع على وثيقة افتتاح القناة الجديدة، وإلى جواره فى المنصة ظهر الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند ليؤكد الدعم السياسى لمصر ووقوف بلاده مع مصر فى بناء نهضتها الحديثة. وفى انتظاره، وقفت الفرقة الموسيقى العسكرى، تهتف حناجرها «دقت ساعة العمل الثورى»، وتحلق مع نشيد «وطنى حبيبى الوطن الأكبر» بينما جلس فى نفس الصف شيخ الأزهر د.أحمد الطيب والبابا تواضروس الثانى بطريرك الكنيسة المصرية، والسيدة جيهان السادات والدكتور كمال الجنزورى رئيس وزراء مصر الأسبق، وبعد عزف النشيد الوطنى عُرِض فيلم وثائقى عن قناة السويس الجديدة. ثم ألقى الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس كلمة وتلاها إلقاء الرئيس السيسى كلمة أخرى، ثم بدأ عرض فنى على الضفة، بينما بدأ عبور السفن المارة فى القناة الجديدة بشكل متقاطع يوضح القيمة المضافة للقناة الجديدة فى تحويل الممر الملاحى إلى العمل باتجاهين بدلا من اتجاه واحد، وانتهاء نظام القوافل الليلية والصباحية أو ما تعرف باسم قافلة الشمال وقافلة الجنوب. وانتهى الحفل الصباحى وأعقبه مأدبة عشاء أقامها الرئيس للضيوف ثم حفل مسائى فنى لعرض أوبرا عايدة وعروض فنية وشعبية. وشهد الحفل مشاركة دولية واسعة ومكثفة ضمت عددًا كبيرًا من ملوك ورؤساء وأمراء دول العالم، منها فرنسا والكويت والبحرين وكرواتيا واليمن وتوجو والكونغو الديمقراطية، فضلا عن رئيسى وزراء روسيا واليونان وولى ولى العهد السعودى نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وولى عهد أبو ظبى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ونائب المستشارة الألمانية وزير الاقتصاد والطاقة، ورئيس مجلس الأمة الجزائرى والمستشار الفيدرالى السويسرى للشؤون الاقتصادية، وممثلين رفيعى المستوى للصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية والسنغال والولايات المتحدةالأمريكية. الفارق بين زى السيسى فى افتتاح القناة وفى زيارة الجنود بشمال سيناء، أنه فى افتتاح القناة ارتدى زى المراسم والاحتفالات البروتوكولى، بينما فى المرة الأولى ارتدى زى العمليات، مما طرح عديدًا من الدلالات حول اختياره للزى العسكرى لا البذلة المدنية. خبراء سياسة وإعلام اعتبروا أن ارتداء السيسى للزى العسكرى أمر عادى، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث أوضح رئيس المركز الإقليمى للدرسات الاستراتيجية والسياسية الدكتور عبد المنعم سعيد أن الرئيس السيسى أراد بارتدائه الزى العسكرى تأكيد قوة مصر، موضحا أنه وجه رسالة قوية للإرهاب بأن هناك رئيسًا يقظًا، كما فعل الرئيس الراحل محمد أنور السادات من قبل، موضحا أنه كان يتمنى أن يرتدى الرئيس الزى المدنى فى الحفل، لأن كل فئات الشعب شاركت فى إنجاز هذا المشروع، مضيفًا أن زى الرئيس ليس نقطة جوهرية لكن الأهم هو ماذا بعد افتتاح القناة الجديدة. الدكتور صفوت العالم أستاذ العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام جامعة القاهرة، قال إن ارتداء الرئيس للزى العسكرى، ينسحب على عدة دلالات، مشيرا إلى أن توقيت افتتاح القناة يقترب من موعد انتصار أكتوبر 1973، مما يوحى بإشراف القوات المسلحة على المشروع وباعتباره، ابنًا للقوات المسلحة ويفتخر بذلك. العالم أوضح أن اصطحاب السيسى لطفل معه مرتديا زى الجنود، دليل على استمرار مسيرة القوات المسلحة فى أجيال متتابعة، وأن المستقبل الذى يمثله هذا الطفل يتحقق اقتصاديا عبر القناة، وسيجنى الجيل القادم هذه النتائج أكثر من الجيل الحالى، مضيفا أن ما سيقوله الإعلام الغربى «لا يعنينا كثيرا»، مشيرا إلى أن كون الرئيس كان قائدا للقوات المسلحة هو من عوامل الثقة التى بدأ بها علاقته مع الشعب. الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة، الكاتب والمؤرخ صلاح عيسى، قال «أظن أنه تقليد أن يرتدى زى القائد الاعلى للقوات المسلحة، باعتبار أن هذه المناسبة بها جانب يتعلق بالدولة المصرية برموزها»، مضيفا أنه تكريم للدور المهم الذى لعبته القوات المسلحة فى إنجاز هذا المشروع، واعتراف بما تضيفه القناة لقوة مصر الصناعية والتجارية والعسكرية. عيسى اعتبره اختيارًا مناسبًا، إضافة إلى مركب المحروسة وهى جزء من القوات البحرية المصرية، ليبدأ بها مراسم الحفل. وعن رؤية الإعلام العالمى لهذا الأمر قال إنهم سيعتبرونه أمرًا طبيعيا، خصوصا أن كل رئيس أو ملك دولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وفى أى مناسبة يرتدى الزى العسكرى، قائلا «أعتقد أن رد فعله لدى الشعب المصرى جيد، بسبب الثقة التى يوليها المصريون للقوات المسلحة، وهذا يعكس اعتزازًا بدور القوات المسلحة فى مشروع القناة، وفى مساندة ثورتى 25 يناير و30 يونيو». أما يخت المحروسة الذى استقله السيسى فى القناة الجديدة أمس، فكان شاهدا على تاريخ مصر الحديث، حيث افتتح قناة السويس الأولى، فى عهد الخديو إسماعيل عام 1869، وصنع اليخت عام 1863 بأمر من الخديوى إسماعيل، وأسندت المهمة لشركة «سامودا» بلندن، وتم الانتهاء منه فى أبريل عام 1865، وتسلّمه طاقم بحرى مصرى فى أغسطس عام 1865، وتم الإبحار به من ميناء لندن فى أغسطس عام 1865 عبر نهر «التايمز» إلى ميناء الإسكندرية. ويخت المحروسة له قدراته الخاصة من حيث الطول والعرض، فيبلغ طوله 411 قدما، وعرضه 42 قدما، وحمولته 3417 طنا، ويسير بالبخار الناتج عن حرق الفحم بسرعة 16 عقدة فى الساعة، وله مدخنتان، ومسلح ب8 مدافع من طراز «أرمسترونج»، كما أنه يحتوى على «بيانو» أثرى أهدته الإمبراطورة «أوجينى»، للخديو إسماعيل، وصنع خصيصا للإمبراطورة فى مدينة «شتوتجارت» الألمانية عام 1867، وعزفت عليه بنفسها. وفى عام 1867 استخدم اليخت فى نقل الحملة المرسلة لإخماد الثورة ب«كريت»، كما سافر على متنه الخديو إسماعيل عام 1868 لحضور المعارض المقامة بباريس، علاوة على أنه صاحبه فى عام 1869 لميناء مرسيليا بفرنسا، لدعوة ملوك وأمراء أوروبا لحضور حفل افتتاح قناة السويس حينها. يخت المحروسة يعد أول مركبة بحرية فى العالم تعبر قناة السويس عام 1869، وحمل على ظهره حينها الإمبراطورة «أوجينى» إمبراطورة فرنسا وزوجة نابليون الثالث، وأمير وأميرة هولندا، وإمبراطور النمسا فرنسوا جوزيف، وولى عهد ألمانيا الأمير فريدريك، كما شهد لحظات لا تنسى فى تاريخ المحروسة، فكانت شاهدة على رحيل الملك فاروق عن مصر، متجها إلى إيطاليا، فى 26 يوليو 1952، بعد تنازله عن حكم مصر لابنه الأمير أحمد فؤاد الثانى، مصطحبا بناته الأميرات الأربع. ومرت الأيام وتم تغيير اسم اليخت ليصبح «الحرية»، بعد عودته إلى مصر، وشارك فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر عام 1956 فى العديد من الرحلات البحرية التاريخية، وسافر على ظهره العديد من الرؤساء مثل الزعيم السوفيتى نيكيتا خروشوف، والرئيس اليوغوسلافى جوزيف تيتو. ولكونه علامة فارقة فى الاحتفالات الخاصة باحتفالات قناة السويس، حضر الرئيس الراحل أنور السادات على متنه الافتتاح الثانى لقناة السويس فى 5 يونيو 1975، بعد تطهيرها من آثار الحروب، كما كان لليخت نصيب من المشاركة فى المناورات البحرية، فشارك فى مناورة بحرية عام 1974، وكان على متنه العاهل السعودى الراحل الملك فيصل، وصعد على متنه الملك حسين، والسلطان قابوس، واستخدم اليخت خلال الفترة من 1955 حتى 1973 لتدريب طلبة الكلية البحرية المصرية. المحروسة يتكون من 5 طوابق، يضم الطابق السفلى الماكينات والغلايات وخزانات الوقود، بينما يضم الطابق الرئيسى غرف الجلوس، المطابخ، المخازن، الجناح الشتوى، والقاعة الفرعونية، إضافة إلى جناح الأمراء والأميرات، ويحتوى على 4 مصاعد، منها المصعد الخاص بالجناح الخصوصى، كما يوجد «جراج» خاص للسيارات، ويزين جدرانه زخارف منقوشة تعبر عن حضارات مصر عبر العصور المختلفة، مثل الفرعونية، اليونانية، الرومانية، والإسلامية، كما يحتوى على مشغولات فضية وكريستالات وليموج «خزفيات»، وأطقم صينى، وسجاد، تعود إلى القرن الثامن عشر.