أخيرًا صدر التقرير النهائى للجنة تقصى الحقائق فى وقائع ثورتنا العظيمة. وقد تناول التقرير الأحداث بداية من 25 يناير 2011 حتى 30 يونيو 2012، ولنتذكر أن ثمة تقريرًا سابقًا قد صدر عن لجنة أخرى لتقصى الحقائق فى ذات الموضوع، فماذا كانت النتيجة؟! المهم التقرير الأخير، قدمته اللجنة إلى الرئيس مرسى، وقد أحاله إلى النائب العام، فهل سيتمكن نائب فاقد شرعيته من وجهة نظر أعضاء فى النيابة العامة والقضاء، من التعامل مع هذا التقرير المهم بطريقة قانونية وإجرائية سليمة؟! وهل سنتمكن أخيرًا من محاكمة قتلة الشهداء، الذين حصلوا جميعًا على أحكام براءة فى المحاكمات السابقة؟! إن وسائل الإعلام جميعًا مطالبة بعرض ما جاء فى هذا التقرير على الرأى العام، لأن ما نُشر عنه مجرد مقتطفات متناثرة، فى حين أن ثمة حقائق ثابتة فى هذا التقرير لم تكن معروفة من قبل، أو لم تكن مؤكدة، فقد تبيّن -مثلًا- أن وزير الإعلام الأسبق أنس الفقى، قد خصص قناة تليفزيونية مشفرة لقصر الرئاسة، كانت تعرض على الهواء مباشرة كل ما يحدث فى ميدان التحرير وغيره، وهناك تسجيل لما كانت تذيعه هذه القناة، التى كان المخلوع يشاهدها، فى حين أنه قال فى تحقيقات النيابة إنه لم يكن يعلم ما يحدث فى أثناء الثورة، وإن كبار مساعديه لم يطلعوه على خطورة الوضع، ورفض اتهامه بأنه أمر، أو حتى علم باستخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين. وقد ثبت بالأدلة والبراهين تورّط وزارة الداخلية وقوات الجيش فى إطلاق الرصاص الحى والخرطوش على المتظاهرين، ليس فى الأيام الأولى للثورة فحسب، ولكن طوال فترة حكم العسكر، وثمة «سيديهات» توثق ما حدث فى التحرير وغيره، خصوصا القناصة فوق أسطح وزارة الداخلية، والجامعة الأمريكية، وفندق النيل، إذ صوبوا طلقات الرصاص الحى على رؤوس الثوار وصدورهم، مما أدى إلى استشهاد المئات من المتظاهرين. كما تبيّن أن قنابل الغاز المسيل للدموع كانت منتهية الصلاحية منذ سنوات عدة، كما أن إطلاقها كان يتم بشكل مخالف للقواعد المعمول بها، مما تسبب فى استشهاد عدد كبير بسبب الاختناق. وكشف التقرير عن عمليات خطف للناشطين وتعذيب للثوار، قام بها ضباط أمن الدولة، فى أيام الثورة، كما أنهم كانوا يخطفون الثوار المصابين من داخل المستشفيات! وقد تصدَّى لهم فى كثير من الأوقات الأطباء، وتوجد شهادة مسجلة بالتقرير عن قيام طبيب بالتصدى لضابط أمن دولة كان يحاول اختطاف أحد الشباب المصابين من داخل المستشفى، وتصدى له الطبيب، وقال له بالنص «على جثتى أن تأخذه، لن نسمح لكم»، كما أن حوادث الخطف التى تعرّض لها الثوار، هى السبب الرئيسى لعدم وجود شهادات وفاة لعدد كبير من الشهداء، كما أن هناك من تم دفنهم خلال أحداث الثورة دون استخراج شهادات وفاة لهم. لا بد من إعادة المحاكمات القضائية للقتلة جميعًا، والقصاص لشهدائنا الأبرار، ومصابينا الأبطال.