كان أحمد شوقى شاعر الخديو توفيق وقريبًا منه، ومواليًا له.. وكان صديقًا رفيقًا وصوتًا للخديو عباس حلمى، وكان معارضًا لأحمد عرابى ثم معارضًا قويًّا للإنجليز ومناضلاً شعريًّا بالكلمة فى مواجهة الاحتلال والطغيان، وداعيًا للعروبة والإسلام، وكان صاحب أصول تركية عثمانية، وكان من طبقة الباشوات والبكوات الأغنياء المُترَفين، وكان مصريًّا خالصًا ووطنيًّا معجونًا بمية عفاريت ونباهة وشقاوة ولاد البلد، وكان أخلاقيًّا متدينًا متحفظًا، وكان متحررًا متهتِّكًا، وكان أحمد شوقى كل شىء وعكس كل شىء، لكنه كان شيئًا واحدًا، كان فنَّانًا.. كل ما فعله، الصواب والخطأ، الحماس فى التصوُّف والتديُّن والتطرف فى الحب والعشق، كان فنًّا خالصًا، أمام أى حاكم أو سلطة أو خديو أو احتلال.. كان أحمد شوقى أميرًا.. وهو أهمّ مُهِمّ فى تاريخ وحاضر الشعر العربى، هو الذى كتب شعره كأنه التعليق الصحفى والسياسى على كل حادثة أو حدث مرت به بلاده، وهو الذى كتب شعرًا فى كل مناسبة كأنما يدلى برأيه وتحليله للمناسبة بالشعر وبالفن، فترك لنا «الشوقيات» مجلَّدًا مذهلاً فى جماله حين يمدح وحين يهجو، حين يحيِّى وحين يهاجم وينقد.. تهبط كلماته كالمرزبَّة على البعض، وتنزل حروفه نسيمًا عند البعض.. شعر أحمد شوقى خالد لأنه حتى يومنا هذا يصلح للتعليق والتفسير والتحليل و«التعميق» لأى خطب أو مشكلة، قضية أو ظاهرة.. قال فى التطرُّف والإرهاب الدينى: لا تجعلوا الدين باب الشرِّ بينَكُمُو/ ولا محلَّ مباهاةٍ وإدلالِ ما الدين إلاّ تراث الناس قبلَكُمُو/ كل امرئ لأبيه تابعٌ تالِ وقال عن نبى الله محمد صلى الله عليه وسلم مدحًا ومديحًا: قالوا غزوتَ ورُسْلُ اللهِ ما بُعِثُوا لقتل نفسٍ ولا جاؤوا لسَفْكِ دَمِ جهلٌ وتضليلُ أحلامٍ وسفسطةٌ فتحتَ بالسيفِ بعدَ الفتحِ بالقلمِ وكتب شعرًا فى ميلاد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام قائلاً: وُلد الرفق يوم مولد عيسى/ والمروءات والهدى والحياءُ وازدهى الكون بالوليد وضاءت/ بسناه من الثرى الأرجاءُ وحين يسبّ (ويقذف) نقدًا لرياض باشا عندما يهادن الإنجليز يقول: غمرتَ القوم إطراءً وحمدًا/ وهم غمروك بالنِّعَمِ الجسامِ خطبتَ فكنتَ خطبًا لا خطيبًا/ أُضِيفَ إلى مصائبنا العظامِ لهجتَ بالاحتلالِ وما أتاه/ وجرحك منه لو أحسست دَامِ ويدافع عن الفهم الحق للإسلام كاتبًا: لا تسمعوا للمُرجِفِينَ وجهلهم/ فمصيبة الإسلام من جُهّاله وحين يحب، يا خرابى على ولهه وشوقه ووجده وولعه ولوعه، يقول: رُدَّت الروح على المُضنَى معكْ/ أحسنُ الأيام يومٌ أرجعكْ مَرّ من بُعدك ما رَوّعَنِى/ أتُرَى يا حلوُ بُعدى روّعَكْ؟ كم شكوتُ البَينَ بالليل إلى/ مطلع الفجر عسى أن يُطلِعَكْ وبعثتُ الشوق فى رِيحِ الصَّبَا/ فشكا الحرقةَ مما استودَعَكْ يا نعيمى وعذابى فى الهوى/ بعذولى فى الهوى ما جَمَعَكْ موقعى عندك لا أعلمه/ آه لو تعلَمُ عندى موقِعَكْ ماذا أقول عن شوقيات أحمد شوقى سوى ما قاله فى مسرحيته الأروع «مجنون ليلى» التى أحب فيها ليلى أكثر مما أحبها قيس، وكتب فى جنون الحب أعظم مما حكى قيس، وفيها يقول: ... ليلى بجانبى؟ كل شىء إذن حَضَرْ أشرَحُ الشوقَ كلَّه/ أم من الشوق أختصِرْ؟ وأنا لا عارف أشرح ولا عارف أختصر!