في لفتة إنسانية.. محافظ كفر الشيخ يكافئ عاملة نظافة خلال جولته    قصف إسرائيلي عنيف يستهدف ميناء الحديدة في اليمن يتسبب بانفجارات ضخمة    الصين تحث الولايات المتحدة واليابان على سحب نظام صواريخ تايفون في أسرع وقت    تحاليل طبية للاعبي الأهلي بعد أزمة إمام عاشور الصحية    جنايات القاهرة تعاقب أب قتل طفله انتقامًا من زوجته بمدينة نصر    تفاصيل المؤتمر الصحفي لوزير التعليم يعقد مع محرري ملف التعليم    التخطيط: الدورة الثامنة من مهرجان الجونة تأتي في عام سياحي جيد لمصر    الرقمنة والتوثيق.. الطريق الأمثل لحماية مقتنيات المتحف المصري من النهب    منتخب مصر للكرة النسائية تحت 20 سنة يختتم تدريباته قبل السفر إلى غينيا الاستوائية    ميار شريف تتأهل للدور الثاني من بطولة تولينتينو الإيطالية للتنس    تعرف على عقوبة إتلاف منشآت الكهرباء وفقا للقانون    رياض الأطفال بشرق مدينة نصر تستعد لانطلاق العام الدراسي الجديد (صور)    لهذه الأسباب.. محافظة الإسكندرية تعلن انقطاع المياه في بعض المناطق    تأجيل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو    مفتي الجمهورية: الحروب والجهل والتطرف أخطر ما يهدد التراث الديني والإنساني    رئيس الأركان يلتقي نظيره الليبي خالد حفتر    المفوض الأممي لحقوق الإنسان: يجب منع تصدير الأسلحة إلى إسرائيل    برشلونة يحدد ملعب يوهان كرويف لمواجهة خيتافي في الجولة الخامسة من الليجا    جامعة قناة السويس تعلن مد فترة التسجيل ببرامج الدراسات العليا حتى 30 سبتمبر    «البترول» تصدر إنفوجرافًا يوضح نجاحها في تأمين إمدادات الطاقة بالكامل    كامل الوزير: مصر أصبحت قاعدة لتصنيع وتصدير المركبات الكهربائية للعالم    اتحاد المصدرين السودانيين: قطاع التصنيع الغذائى فى السودان يواجه تحديات كبيرة    مدرب بيراميدز: لا نخشى أهلي جدة.. وهذا أصعب ما واجهناه أمام أوكلاند سيتي    تشكيل الهلال المتوقع أمام الدحيل في دوري أبطال آسيا    مدبولي: وعي المواطن خط الدفاع الأول.. وماضون في الخطط التنموية رغم الأزمات    جهاز تنمية المشروعات يحرص على تبادل الخبرات مع الدول الأفريقية    جنايات الإسماعيلية تقضي بالإعدام شنقًا على قاتل جده بعد سرقته    إحالة عامل عمره 51 عاما للمفتى لتعديه على ابنة شقيقه بالقناطر الخيرية    مصرع شاب بإسفكسيا الغردقة بمنطقة الشاليهات بالقصير    إيقاف تشغيل القطارات الصيفية على خط القاهرة – مرسى مطروح والعكس    «النقل الدولي»: 75% من الموانئ في العالم تحت إدارة القطاع الخاص    «الزراعة»: وفد من «استصلاح الأراضي» يتفقد عددًا من الجمعيات والمزارع بمنطقة النوبارية    البنك الأهلي يواصل دعمه لمدينة زويل ويحتفل بتخريج الحاصلين على منح دراسية    مهرجان الجونة السينمائي يكشف عن برنامج أفلام الدورة الثامنة خارج المسابقة    أيمن وتار ضيف برنامج فضفضت أوى مع معتز التونى غداً الأربعاء    خارجية السويد: الهجوم العسكرى المكثف على غزة يفاقم الوضع الإنساني الكارثى    هل سمعت عن زواج النفحة؟.. دار الإفتاء توضح الحكم الشرعى    موعد شهر رمضان الكريم وأول أيام الصيام فلكيًا    وكيل صحة الدقهلية يتفقد مستشفى دكرنس المركزي    محافظ المنيا: ندعم كافة مبادرات الصحة العامة لتحسين جودة الرعاية الطبية    وزارة الصحة تطلق خطة لتأهيل 20 ألف قابلة وتحسين خدمات الولادة الطبيعية    وزارة الصحة: الخط الساخن 105 يحقق إنجازًا كاملًا في أغسطس    مربى الجزر.. حشوة صحية لسندوتشات المدرسة (حضريها في البيت)    داليا البحيري بإطلالة أنيقة.. كيف نسقت اللوك؟    99.1% هندسة بترول السويس و97.5% هندسة أسيوط بتنسيق الثانوي الصناعي 5 سنوات    وزير الأوقاف لمصراوي: أتأثر كثيرا ب د. علي جمعة.. والرسول قدوتي منذ الصِغر    أمين الإفتاء: الكلاب طاهرة وغسل الإناء الذي ولغ فيه أمر تعبدي    أستاذ فقه: الشكر عبادة عظيمة تغيب عن كثير من الناس بسبب الانشغال بالمفقود    أوباما: تنازلت عن مستحقاتي من أجل الزمالك ولن أطالب بالحصول عليها    اختلف معها فطعنته.. التحقيق مع سيدة بتهمة الاعتداء على زوجها في الشرقية    ميرتس يسعى لكسب ثقة قطاع الأعمال ويعد ب«خريف إصلاحات» لإعادة التنافسية لألمانيا    الإفتاء تحذر من صور متعددة للكذب يغفل عنها كثير من الناس    ترامب يستبعد شن إسرائيل المزيد من الضربات على قطر    الهلال الأحمر المصري يدفع بأكثر من 122 ألف سلة غذائية عبر قافلة زاد العزة ال38 إلى غزة    ترامب يعلن مقتل 3 أشخاص باستهداف سفينة مخدرات من فنزويلا    تودور: إنتر أقوى من نابولي في سباق لقب الدوري الإيطالي    تعرف على برجك اليوم 2025/9/16.. «العذراء»: ركّز على عالمك العاطفى .. و«الدلو»: عقلك المبدع يبحث دومًا عن الجديد    أبرزها استبدل البطارية.. 8 خطوات سهلة تجعل جهاز آيفون القديم جديدًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين القاضى والرافعى
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 10 - 2010

عجيب هو وشاق أمر من يتصدى لمهمة الكلمة فى بلد كبلدنا.. أبناؤه يحملون هذا الكم الهائل من الطلاقة القولية والذكاء الفطرى.. يجابهون غبنا أو عدلا بالنكات والقفشات وميراثا ضخما من الأمثال الشعبية.. قريحة طلقة وبداهة مفرطة وقافية تحكم طبيعة المواقف وتحسم كثيرا من العلاقات، وله الله فى مهمته خاصة إذا ما تجاسر وقرر أن يتحدث نيابة عنهم أو بلسانهم.
فأمر النشيد الوطنى سهل ومحسوم عند أغلب الأمم، حيث يكتبه عظماء شعرائها وكُتَّابها فصمويل فرانسيس سميث كتب النشيد الوطنى الإنجليزى والذى كان فى الأصل قصيدة (ليحفظ الله الملكة) 1754، وطاغور يكتب للهند قصيدة (جانا جانا) لتصبح نشيدها القومى 1912، أما فرانسيس سكوت فيكتب قصيدة (العلم ذو النجوم المتلألئة) لتصير النشيد القومى الأمريكى 1931، لكن الأمر لدينا مختلف، حيث ظل المصريون يبحثون عن كلمة سواء يجتمعون عليها قبل أن تخرج الأنشودة الوطنية للوجود، حيث أسفرت القريحة الشعبية عن أناشيد وأزجال وطنية للزعيم أحمد عرابى والتى تغنى بها المصريون عندما وقف وقفته الشهيرة أمام الخديو توفيق قائلين :
العسكر على الطوابى...
يارب انصر عرابى
الميه فى الإبريق...
يارب خذ توفيق
ولتبلغ أوجَّها عندما يذمُّون توفيقا حين دعا الإنجليز لاحتلال البلاد ومواجهة عرابى فينشدون:
يا توفيق يا وش القملة...
مين قالك تعمل دى العملة ؟
وياعزيز يا عزيز... كوبَّة تاخد الإنجليز
هكذا تجسد شوق المصريين لنشيد وطنى يجتمعون عليه ولم يخل الأمر من معارك وسجالات شهدتها صفحات الجرائد المصرية فى النصف الأول من القرن الماضى.. بالرغم من وجود السلام الوطنى لمصر أو السلام الملكى إن شئنا الدقة والذى كان مقطوعة موسيقية مجهولة المؤلف اُختُلِف فى جنسية واضعها فمرة تُنسب لفيردى الإيطالى وأخرى لتركى وثالثة لمصرى وقد عُرفت هذه المقطوعة (بأنشودة إسماعيل) بعد أن تم تأليف كلمات فى مديحه تتماشى مع أنغامها وقد وضع كثير من الشعراء لهذا اللحن أبياتا شعرية فى أزمنة مختلفة لم يعترف بها رسميا وكان آخرها قصيدة مطلعها :
أرسول السلم إلى مصر... انثر فى الطرق لنا زهرا
وأذع فى الشرق لنا خبرا... بل هنئ العالم بالبِشر
وتعددت المآخذ التى سُجِّلت عليها من حيث أنها ليست من وضع مصرى وأنها للخديو نفسه وليست للأمة المصرية وأنها ليس فيها شىء من الروح المصرية وهو ما حدا بالمصريين فى نهاية عام 1920 وعقب ثورة 1919 لتشكيل لجنة عُرِفت بلجنة ترقية الأغانى القومية برئاسة جعفر باشا والى وعضوية بعض كبار الشعراء والأدباء والفنانين لوضع نشيد قومى يُمنح الفائز فيها جائزة قدرها 100 جنيه فتلقت اللجنة كثيرا من الأناشيد حكم فيها لنشيد أحمد شوقى، بيد أنه من الواضح أن شوقى لم يظفر سوى بالمائة جنيه فى معركة النشيد القومى والتى شهدتها الصحف المصرية حتى عام 1923 إذ تغلب عليه الكاتب مصطفى صادق الرافعى بعد محاولتين منه لتأليف نشيد وطنى وحشد التأييد لهما بل تأليب الرأى العام على قرار لجنة ترقى الأغانى القومية واستكتاب الكتاب والأدباء والفنانين لمناصرة نشيده حتى بعد تلحين الموسيقار اسكندر أفندى شلفون لنشيد صاحب السعادة أحمد شوقى باشا أمير الشعراء والذى كان مطلعه:
بنى مصر مكانكم تهيا... فهيا مهدوا للمُلك هيا
أما النشيد الأول الذى ألَّفه الرافعى فكان بعنوان : إلى العلا
إلى العلا إلى العلا بنى الوطن... إلى العلا كل فتاة وفتى
إلى العلا فى كل جيل وزمن... فلن يموت مجدنا كلا ولن
ولما شاور الرافعى الموسيقار منصور عوض بشأن نشيده هذا كان رأى أستاذ الموسيقى أن بحر قصيدة الرافعى يمكن توقيعه مارشا ولكن الكُورَس مفقود منه مثل قصيدة شوقى فكان النشيد الثانى للرافعى : (اسلمى يا مصر) من ألحان صفر على وتوزيع يحيى الليثى
اسلمى يا مصر إننى الفدا... ذى يدى إن مدت الدنيا يدا
أبدا لن تستكين ابدا... إننى أرجو مع اليوم غدا
وقد عرف هذا النشيد بمارش سعد باشا لأنه وُضِع على لسان سعد باشا فى التعبير عن إرادة الأمة ووطنيتها العالية وتشكلت لجنة أخرى لجعل ذلك المارش نشيد مصر الوطنى ودفع اعتماده ونوتته الموسيقية للعزف فى أنحاء البلاد معددين مزاياه الموسيقية ومقامه المُلحَّن على نغم حجاز كار أحد أشهر الأنغام تداولا وحماسة وأكثرها طربا واتقانا وهو أقرب نغم فى أنغامنا الشرقية يمكن توقيعه مع الموسيقى الإفرنجية لكى يعمم انتشاره فى الشرق والغرب معا وهو ما جاء فى شهادة الموسيقار سامى الشوا فى تقييمه للنشيد أو كما وجده بديع خيرى: إبداعا فى تصوير المشاعر ومماشاة فى العاطفة الفنية بين الشاعر والملحن إلى أقصى ما يستطاع من الإجادة والتوفيق وذلك فى مقاله المنشور بجريدة المقطم 7 /2 / 1923.
معارك وسجالات النشيد الوطنى تجاوزت الرافعى وقرار لجنة ترقية الأغانى القومية ليدخل المحتل طرفا فيها حين انتقدت جريدة إنجليزية النشيد الوطنى المصرى وعابت عليه واصفة كلماته بأنها دعوة للحرب ضد بريطانيا فيرد على مراسل الجريدة الإنجليزية مواطن مصرى يدعى محمد الراوى فيقول: ما توهمته يا سيدى المراسل من روح الحماس هو اشعار الأمة بكرامتها مع الاحتفاظ بقوميتها وليس فى ذلك دعوة إلى الحرب كما ليس فيه غضاضة على أحد ما، بل إن إغفاله يعد نقصا كبيرا فى أنشودة وطنية عامة بصرف النظر عن الظروف السياسية الحاضرة التى ترمينا بالتأثر بها.. ولكن ورغم ذلك بقى السلام الملكى مستخدما إلى أن قامت ثورة 1952 حيث تم اعتماد نشيد (القسم) للشاعر محمود عبدالحى :
أقسمت باسمك يا بلادى فاشهدى... أقسمت أن أحمى حماك وأفتدى
سأفى بعهدك بالفؤاد وباليد... وبنور حبك أستضيىء وأهتدى
بعدها تم اعتبار نشيد (الله أكبر) لعبدالله شمس الدين نشيدا قوميا لمصر :
الله أكبر فوق كيد المعتدى... والله للمظلوم خير مؤيد
أنا باليقين وبالسلاح سأفتدى... بلدى ونور الحق يسطع فى يدى
قولوا معى قولوا معى... الله فوق المعتدى
مفاجآت النشيد الوطنى المصرى لم تنته بقيام الثورة التى غازلت بعد فترة ذائقة الجماهير الشعرية لتصل للقاعدة الشعبية العريضة وليتخلى النشيد القومى عن جزالة أبياته وفخامة عباراته وليصبح النشيد الوطنى لأول مرة بالعامية المصرية وربما كان العدوان الثلاثى وما خلفه من مناخ نفسى مقهور أثرهما لاعتماد كلمات الراحل الرائع صلاح جاهين وألحان المبدع كمال الطويل نشيدا وطنيا لمصر تتغنى به كوكب الشرق لأول مرة عام 1956 وتحن لأيام زمان قائلة:
والله زمان يا سلاحى... اشتقت لك فى كفاحى
انطق وقول أنا صاحى... يا حرب والله زمان
والله زمان على الجنود... زاحفة بترعد رعود
حالفة تروح لم تعود... إلا بنصر الزمان
ويستمر نشيد (والله زمان يا سلاحى) نشيدا وطنيا حتى يطلب السادات من محمد عبدالوهاب إعادة توزيع نشيد (بلادى.. بلادى) لتكون السلام الجمهورى الجديد لجمهورية مصر العربية ويتم عزفه لأول مرة عند استقبال الرئيس السادات بمطار القاهرة بعد عودته من كامب ديفيد 1978 وقد قام عبدالوهاب يومها بقيادة الأوركسترا العسكرى بنفسه وبذلك تصير ألحان سيد درويش وكلمات يونس القاضى المستلهمة من خطبة للزعيم مصطفى كامل نشيدا وطنيا لمصر:
بلادى بلادى بلادى... لك حبى وفؤادى
مصر يا أم النعيم... فزت بالمجد القديم
مقصدى دفع الغريم... وعلى الله اعتمادى
نشيدنا الوطنى الذى يُؤدى فى طابور المدرسة كل صباح والذى نَهُب له وقوفا حين نسمعه فى المحافل الرسمية.. لا نسمعه حين يتم تخرُّج الدفعات الجديدة كل عام من الكليات الحربية إذ لا يزال النشيد الأسبق (اسلمى يا مصر) هو المعتمد لديها نشيدا رسميا يتغنى به طلابها فى حتى اليوم.. وبين هذا وذاك يظل نشيدنا الوطنى رهين حناجر المؤدين لكلمات الجليلين الراحلين والرائعين : محمد يونس القاضى ومصطفى صادق الرافعى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.