سوف يكون نوعا من «الهوس»، أن تحاول جماعة «الإخوان المسلمين» جر جيش مصر لمعركة مفتعلة، أو إدخاله طرفا فى الصراعات الداخلية. رسالة مرشد الجماعة الدكتور بديع بهذا الشأن كارثة، ومحاولة الاعتذار عنها كارثة أخرى.. فلا جيش مصر غارق فى الفساد، ولا شعب مصر قطيع من «الطيّعين» حسب وصف المرشد!! الغضب فى صفوف الجيش طبيعى، فقد أعلنت قيادته مرارا وتكرارا أنها تريد أن تتفرغ لمهماتها الأساسية فى الدفاع عن الوطن وحماية أرضه، بعد تجربة مريرة تحملت فيها أعباء الحكم بعد الثورة، كانت نتيجتها خسارة للجيش وللوطن، واختطافا للثورة وسيطرة على الدولة من جانب الإخوان وحلفائهم! لقد سلم الجيش السلطة فى الموعد المقرر للرئيس المنتخب، والتزم بعد ذلك بالابتعاد عن الصراعات السياسية، وبالحياد بين كل الأطراف. وكانت قيادة الجيش -وما زالت- تدرك حجم المخاطر على أمن مصر، ومقدار التحديات التى تواجهها فى ظل عصابات إرهاب تتمدد فى سيناء، وكميات هائلة من السلاح يتم تهريبها، ومخاطر على كل حدود مصر، ومؤامرات تريد استنزاف جيش مصر بعد أن أصبح العقبة الوحيدة الباقية أمام تنفيذ مخططات إعادة رسم المنطقة لصالح أعداء مصر وأعداء الأمة العربية. لم يعد صامدا أمام هذه المخططات إلا جيش مصر، بعد أن تم تدمير جيش العراق كأولى نتائج الغزو الأمريكى، وبعد استنزاف طويل لجيش الجزائر فى سنوات الحرب الأهلية، وبعد ما يجرى الآن فى سوريا والذى ستكون نتيجته فى كل الأحوال تدمير الجيش وربما تدمير الدولة وتقسيمها. جيش مصر هو الذى ما زال صامدا، وما زال مستهدفا، وما زال أيضا -وهذا هو الأهم- يمثل حائط الصد الأخير وصمام الأمن الباقى لمصر، فى وقت تتهاوى فيه باقى مؤسسات الدولة، ويتعرض الوطن لخطر الفوضى بعد فشل الحكم الحالى على كل الجبهات!! نرجو مخلصين، أن لا يمتد فشل الحكم إلى علاقته بالقوات المسلحة، أو أن تخطئ جماعة الإخوان المسلمين الحساب فى هذا الملف الخطير. نرجو أن لا تتصور الجماعة أنها هى التى قامت بعزل القيادة العسكرية السابقة، أو أن تغيير القيادة يفتح أمامها أبواب التدخل فى شؤون الجيش.. فتغيير القيادة -كما تعرف الجماعة وكما يعرف مرسى- كان قرار الجيش نفسه. وهذا الجيش لن يكون أداة لجماعة أو حزب، بل سيظل جيش مصر كلها كما كان دائما. ونرجو أن لا يتصور أحد أن التلويح بجماعات إرهابية فى سيناء، أو بميليشيات تعربد فى الشوارع وتحاصر المؤسسات الرسمية، يمكن أن يبعد الجيش عن مسؤولياته فى الحفاظ على سلامة الوطن، والدفاع عن دولة القانون ومؤسساتها الشرعية. ونرجو أن لا يراهن أحد بالخطأ على سلبيات مرحلة تسلم فيها المجلس العسكرى حكم البلاد، فالشعب يعرف أن هذه مسؤولية الإدارة السياسية، أما الجيش فيظل هو المؤسسة الوطنية التى لم تغير يوما من انحيازها للشعب وحرصها على أمن الوطن وسلامته. من فضلكم.. لا تخطئوا الحساب، ولا تلعبوا بالنار!! أخذتنى الأحداث مما كنت أريد أن أكتب عنه اليوم. كنت أريد أن أحتفل بأحد أعيادنا الوطنية التى نسيناها. كنت أريد أن أكتب عن انتصارنا العظيم فى حرب 56 الذى تحل ذكراه اليوم، والذى ما كان ليتحقق لولا انصهار الجيش مع الشعب فى مقاومة العدوان. كنت أريد أن أكتب عن مدينة صغيرة مثل بورسعيد كُتبت على أرضها نهاية أكبر إمبراطوريتين فى ذلك الوقت. أخذتنى الأحداث من الكتابة عن يوم نصر وطنى رائع، لكنى -لا أظن- أنى ابتعدت كثيرا.. فقد كنت أريد أن أتحدث عما تستطيع مصر أن تحققه من معجزات حين تعرف الطريق، وتمتلك الرؤية، وتتهيأ لها قيادة تليق بها، تمثلت يومها فى جمال عبد الناصر. كانت قيادة بحجم أمة تجمعت حولها وانتصرت بها، ولم تكن قيادة بحجم جماعة تريد للوطن أن يصغر ويصغر، حتى يكون على مقاسها.