المشهد فى الفاشر فاق حدود التصور الإنساني.. أطفال صغار يضربون ويركعون على الأرض، ثم يُطلق الرصاص على رءوسهم كأنهم أهداف فى لعبة إلكترونية مريضة.. أى شيطان قاد البشر إلى هذا الحد من الوحشية؟، وما ذنب هؤلاء الصغار فى حربٍ لم يختاروها ولم يفهموا أسبابها؟. ثلاثون مليون سودانى يعيشون المجاعة من إجمالى عدد السكان 50 مليوناً، عشرة ملايين آخرون نزحوا شمالًا وجنوبًا بحثًا عن حياة بعيداً عن الحرب، و13مليون طفل ينتظرون الموت جوعاً، والجثث فى الشوارع والنار تشتعل فى كل مكان، والرصاص لا يعرف السكوت. قوات الدعم السريع التى وُلدت من رحم نظام البشير عام 2013، تحولت إلى آلة قتل لا تعرف الرحمة، وابتكرت ألوانًا جديدة من التعذيب والتنكيل، ربما لم تعرف البشرية مثلها، ويتفاخر مقاتليها بتوثيق المجازر بالفيديوهات وبثها لإثارة الخوف والذعر فى النفوس. المأساة أن السودان بلد النيل أصبح بلداً للجوع والعطش، ثلاثة أرباع سكانه لا يجدون ما يأكلون أو يشربون، رغم أن فى أرضه 200 مليون فدان صالحة للزراعة، وعشرة ملايين رأس من الماشية، وأنهار من البترول وجبال من الذهب، وكيف يمكن لبلد بهذه الثروات أن يكون الأفقر فى العالم؟.. الجواب فى كلمتين: الحرب والاستبداد. منذ الإطاحة بعمر البشير فى أبريل 2019، لم يعرف السودان طريقًا إلى الاستقرار، وتنازعت النخب السياسية والعسكرية على السلطة المنهارة، وظل الشعب يدفع الثمن دمًا وجوعًا وتهجيرًا.. ذنب الشعب فى رقبة الميليشيات والبشير، الذى أطلق وحش «الدعم السريع» ليحمى نظام حكمه ثم فقد السيطرة عليه، واليوم السودان كله ضحية. أما سيناريوهات المستقبل فكلها قاتمة: ■ ■ سيطرة الدعم السريع على مناطق حيوية مثل الفاشر، يمكن أن تكون نقطة تحول عسكرية وسياسية، وتزيد من احتمالات تقسيم النفوذ الجغرافى. ■ ■ استمرار الحرب لفترة طويلة وظهور كيانات قبلية أو ميليشيات عسكرية تدير شئونها بشكل مستقل، ويتحول السودان إلى «دولة فاشلة» ويزداد تدخل الفاعلين الإقليميين والدوليين. ■ ■ نجاح أحد الأطراف فى تحقيق انتصار عسكرى كامل.. انتصار الجيش السودانى يعنى القضاء على قوات الدعم السريع واستعادة سيطرة الدولة على كافة الأراضي.. وانتصار الدعم السريع يؤكد وجوده الميدانى خاصة فى إقليم دارفور، وربما كردفان، ويمهد لانقسام جديد أو محاولة إنشاء سلطة موازية. ■ ■ أو التوصل إلى تسوية سياسية شاملة بين الأطراف المتحاربة والقوى المدنية، وإعادة بناء الدولة السودانية على أسس فيدرالية أو نظام لا مركزى موسع يضمن تقاسم السلطة والثروة بشكل يعالج جذور الأزمة. السودان لا يحتاج فقط إلى وقف النار، بل إلى وقفة للضمير وإنقاذ إنسانى عاجل يسبق أى حديث عن السياسة ومعارك السلاح.. هذا البلد الذى كان يُسمّى سلة غذاء إفريقيا لا يستحق أن يموت جوعًا وعطشًا، ولا أن تتحول أراضيه إلى مقابر مفتوحة، وشعبه الطيب يحتاج حياة أفضل.