محمد مهدي عاكف.. اسم كبير في جماعة الإخوان المسلمين.. ليس لكونه المرشد العام السابق للجماعة, الذي ترك موقعه طواعية, ولا لأنه الرجل الذي يجوب العالم الآن لتوسيع قاعدة الجماعة جماهيريا وفكريا. ولكن لأنهم يعتبرونه الرمز الأكبر في الجماعة.. ولا أبالغ اذا قلت إنه من أهم الرجال الذين يرسمون خطوات الإخوان جنبا إلي مرشدها الحالي ومكتب إرشادها. عاكف في هذه المواجهة تحدث عن أسرار وأحداث لم يكن بمقدوره الكشف عنها إلا بعد ثورة25 يناير, فلأول مرة يكشف الرجل عن تفاصيل المشروع الاسلامي الذي يدور في عقل الجماعة, مستهدفا كل التيارات الإسلامية,معتبرا منافسيه التقليديين اليساريين والعلمانيين غير موجودين أصلا بسبب مواقف د. رفعت السعيد ومن علي دربه الذين يعملون علي إبعاد الشعب المتدين عن دينه. ويعترف عاكف بمقابلاته لرجال أمن الدولة في عهد مبارك كاشفا عن تفاصيل اتفاقات انتخابات2005 و2010, وما بينهما والافراج عن عصام العريان بمكالمة تليفونية في وجود مهدي عاكف. تفاصيل مثيرة في هذا الحوار المهم الذي يأتي نشره في توقيت أهم بداية دعني أقف معك في قلب المنطقة الساخنة حيث الصراع الذي كشفت عنه الايان الأخيرة بين الاسلاميين واليساريين.. من يتفوق علي من في رأيك؟. أجابني مندفعا, بسرعة تسبق تفكيره.. لا قيمة عندي للنتائج ولا الأرقام, ولا يهمني من يتفوق علي من سواء من الاسلاميين أو غيرهم, وبرغم أن جميع التقارير العالمية والداخلية تقول بأن الاسلاميين متفوقون فإننا لا نرتكن إلي ذلك, لكن الذي أطلبه من إخواني سواء في جماعة الإخوان المسلمين, أو من يتحالفون معها, أن نلتزم جميعا بالمنهج الإسلامي الاصلاحي. هل تريد أن تقنعني بأن التيارات الاسلامية مجتمعة غير مشغولة بالحصول علي أغلبية الشارع والبرلمان؟ أقسم لك بأن هذا لايهمنا, والذي يشغلني هو كيف ننتقل بمصر من هذه المرحلة الانتقالية إلي المرحلة المؤسسية المنتخبة في كل المؤسسات( برلمان جامعات نقابات وغيرها) لكي تتشكل الدولة المدنية بشكل حقيقي. ولن يغضبك إذا حكم مصر اليسار و والعلمانيون؟ ياريت يقدروا يعملوها.. ويوصلوا للحكم.. أنا شخصيا أحترم المفكرين اليساريين وأقدرهم, ولكن للأسف الشديد, اليسار لا وجود لهم في الشارع, والذي يفهم الديمقراطية يعرف أن الشارع هو الذي يحكم الآن وغدا. لتسمح لي فضيلة المرشد السابق, أليست هذه لغة مليئة بالتعالي والغرور من جانب الاخوان المسلمين؟ والله كلامك غريب, أي تعالي وغرور الذي تتحدث عنه ونحن أغلب خلق الله الذين كنا نتحدث بأعلي صوت أثناء الظلم والاستبداد, وكنت أقولها دائما نحن نستمد وجودنا وشرعيتنا من الشارع وليس لجنة السياسات.. نحن جماعة متواضعة هدفنا وجه الله وحده, وحتي يطمئن الناس فإنني أؤكد لكل الشعب أنه لايستطيع أن يحكم مصر فصيل واحد, وسوف يظل يحكم مصر كل الفصائل السياسية. هل من الممكن أن يتوافق الإخوان والسلفيون مع الكتلة المصرية المناهضة لهم باعتبارها المنافس التقليدي الآن؟ أنا مش شايفهم منافسين ولاشئ, لكني أري أنهم موجودون ومنهم شخصيات رائعة. حدثني عن الشخصيات اليسارية الرائعة التي تقنعك؟ لا داعي أن أذكر أسماء الدكتور رفعت السعيد مثلا؟ ممتعضا أعوذ بالله.. مع العلم بأنه حبيبي جدا ولا يذكرني إلا بالخير, وقد كنت مسجونا معه, ولكننا التقينا مرتين فقط, الأولي مع المرحوم ياسر عرفات الذي كان تلميذا لي وعلمته فنون المقاومة والعسكرية أيام حرب القناة, والمرة الثانية عند افتتاح مقر الإخوان بالمقطم جاء الدكتور رفعت السعيد للتهنئة, وأنا أعلم أن معظم عناصر الإخوان غاضبون منه, لكنه جلس بيني وبين المرشد وبعد أن رحبت به قال لي يافلان.. لقد سعدت أن أطال الله في عمرك حتي تري هذا اليوم العظيم وما تفسيرك لمباركة السعيد المعروف عنه كرهه الشديد لكم؟ تفسيري أن ما في قلبه ليس كما يرد علي لسانه, وأذكر ذات مرة كنت أتحدث إلي الدكتور مصطفي الفقي وكان د. رفعت بجواره, فأبلغني سلامه وقال لي الفقي إنه يتغزل في شخصي. إذن لماذا يحارب الإخوان إذا كان يحبهم؟ أرجوك اسأله. وهل كان يعمل السعيد مع النظام ضد جماعة الإخوان؟ لا أعرف.. ولكن أيام حسني مبارك كان هناك مرتزقة يتقربون إلي النظام ورجاله علي حساب الإخوان. هل يعترف مهدي عاكف والإخوان بوجود شيوعيين في مصر أو يساريين؟ لا أعرف لا باليسار ولا بالشيوعيين لكنني يمكن أن أسميهم اشتراكيين أو أي حاجة, وفي وقت سابق كان منهم صديقي المقرب المرحوم أحمد نبيل الهلالي, وكذلك الدكتور عبد الوهاب المسيري,وكان منهم طارق البشري ود.محمد عمارة, وبعيدا عن هذا وذاك يوجد منهم شخصيات لها جمهور, لكنهم كتيار لن يكون لهم جمهور. بتقديرك لماذا؟ بسبب الدكتور رفعت السعيد ومن علي طريقته, وكلامهم ضد الاسلام والمسلمين, الأمر الآخر أن الشعب المصري متدين بطبيعته ويغار علي دينه, وهم يحاولون جرح حالة التدين وهذا غير مقبول حتي لدي المسيحيين ومع ذلك نحن نقول لهم شدوا حيلكم حتي نري مكانكم. عدم اعترافك بهذا التيار هل يكشف عن تشدد ديني أم استنكار لآخرين يرفضون الانصياع لأفكار الجماعة؟ لا هذا ولا ذاك.. وأتمني لهم أن يحصلوا علي أغلبية البرلمان بجدارة, وسوف نتعاون معهم.. ولو حتي أخذوا المجلس كله. هل تنتظر أن يحكم الإخوان مصر؟ ليس الآن.. لكن عندما تقوي مصر, ويتعافي الاقتصاد, ويتطور التعليم ويعود الأمن وتستقر المؤسسات, عندئذ تصبح مصر دولة قوية يتنافس علي حكمها الإخوان وغيرهم. أما الآن فاي تيار عاقل يجب أن يقتنع بالمشاركة فقط, ولذلك رفضنا أن يكون لنا مرشح رئاسي لأن مصر ضعيفة, والشيء الآخر أن العالم كله الآن ضد الإخوان المسلمين وعندما يتولي الإخوان الحكم سوف يجلبون علي مصر البلاء. تقول بأن العالم كله ضد الإخوان.. فلابد أن هناك شيئا خاطئا؟ هناك أفكار وظروف رشحتها السنوات الماضية والنظام الفاسد الذي ظل يشوه تيار الإخوان المسلمين ولكن الله خيب ظنهم. أليس من الوارد تقييد الحريات وفرض رقابة علي الفنون والآداب؟ لا أحد اليوم يستطيع أن يقيد حرية أحد, لأن الشعب سوف يصبح صاحب السلطات ومصدر التغيير في كل شيء, وبالتالي فأي حاكم أو نائب أو وزير لن يفعل إلا ما سوف يطلبه منه الشعب, وإلا سوف يصبح في اليوم التالي خارج السرب. أستاذ عاكف.. أشعر من رائحة كلامك بأنك تهدف الي تحويل الشعب كله إلي المشروع الإسلامي؟ هذا ما أتمناه, وأسعي إليه, لكن كونه يحدث أو لايحدث فالله أعلم, وقد سبق أن اتهموني في المحاكمات العسكرية بأنني أسعي إلي أستاذية العالم, فقلت لهم هذا شرف لا أناله. حدثني عن الإسلام الذي تريده جماعة الإخوان لهذه الأمة؟ نريد إسلاما موصولا برسول الله( صلي الله عليه وسلم) يحق الحق, ويبطل الباطل, ويقيم العدل ويقدس الحريات. أتتحملني لو قلت لك: إن بين الإخوان منحرفين وكاذبين لايطبقون ما تتكلم عنه رموز الإخوان؟ بل أزيد لك إنه لدينا بعض العناصر الفاسدة, ونحن نقوم أنفسنا وإخواننا, وجماعة الإخوان نسيج من الوطن المصري, منهم من هو علي صواب, ومنهم من يخطيء. هل حاولتم إبعاد الفاسدين, وتقويمهم حفاظا علي الإسلام؟ نحن نشرح لهم المنهج الصحيح ولدينا رسالة أسبوعية, ونطلبا منهم الالتزام بشرع الله, لكن ربما تكون العناصر المنحرفة موجودة في الإخوان خارج مصر أكثر منها في الداخل لكن هناك مواقف كثيرة يغلب فيها بعض الإخوان مصلحتهم الشخصية علي المصالح العامة؟ هذه كلها أمور تدخل في نطاق التقديرات الشخصية وتحدث بشكل فردي, لكن تقديرات الجماعة كلها تصب في مواجهة الظلم والظالمين, وكشف الفساد والمحاسبة. حديثك معي وغيره من أحاديث رموز الجماعة تكشف عن منح الإخوان لأنفسهم وكالة واحتكارا للحديث بأسم الدين, وهذا ما يرفضه بقية عموم المسلمين؟ ياأخي.. الإخوان تحتل أكبر مركز عالمي يحمل الدين والرسالة ويحمل المنهج والإسلام لكل الناس.. وهنا أرجو التأكيد علي أن الإخوان ليسوا جماعة المسلمين ولكننا جماعة من المسلمين, ومن هنا تعني الجزء أو البعض.. الأمر الاهم أن الإسلام ليس ملكا ولا حكرا لجماعة دون غيرها. علمت من بعض المقربين من دوائر صنع القرار الإخواني أن هناك مساعي حثيثة للتحالف مع كل القوي الإسلامية, خاصة مع السلفين والجماعات الإسلامية؟ هنا أود التأكيد علي أن جماعة الإخوان هي جماعة سلفية, والسلفيون في مصر والعالم فرق شتي, ومنهم الفرق الصالحة الملتزمة بدين الله وسنة نبيه, ومنهم أقل من ذلك.. أما فيما يخص التحالف, فنحن نتمني أن يكون هناك إتفاقا كاملا بيننا وهو مانسعي إليه, ويسعي إليه الجميع, لكي تكون هناك أغلبية محترمة ومعارضة محترمة أيضا, وهذا يهدف الي انهوض بالأمة. وهل تتوقع أنه من السهل تجاوز الخلاف بين القطبين والسلفيين والأخوان وأنصار السنة وغيرهم؟ يجب أن يتعامل الجميع وهذا الكلام لكل التيارات والأحزاب.. بنوع من التعاون فيما إتفقوا عليه وأن يعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا حوله. عندما تسمع بأن أحد السلفيين طلب من إحدي المذيعات أن تكلمه من وراء حجاب فماذا تقول؟ ربت علي كتفي قائلا ياحبيي هذه صغائر لا شأن لنا بها, ولن تقف أمام مشروع النهضة الأكبر لهذه الأمة, وعلي كل من يمثل تيارا أو جماعة أو حزبا ألا يتوقف عند الصغائر وأن يترفع عنها. شاهدك بعض الأصدقاء عندما كنت مرشدا للإخوان وبرفقتك أخرون من قادة الجماعة منهم المرشد الحالي في جنازة اللواء أحمد رأفت نائب رئيس جهاز أمن الدولة الذي ظل مسئولا عن النشاط الديني لسنوات طويلة فما طبيعة هذه العلاقة؟ أحمد رأفت في بداية تعامله مع الجماعة كان متفهما, وفي آخر أيامه رحمة الله كان سيئا وقد إلتقتيه أكثر من مرة لأن أمن الدولة كان الجهة الوحيدة التي تحكم بأمرها في البلاد, واللقاء تم بناء علي طلبه, وبناء علي رغبتي في الافراج عن المعتقلين من الإخوان وكل المساجين السياسيين. نريد أن نعرف تفاصيل آخر لقاء معه في أمن الدولة, والذي حدث قبل انتخابات2010 ؟ في يوم من الأيام إتصل بي وقال لي أنا جاي لك برسالة من أكبر رأس في البلد, وهم مستعدون لتنفيذ كل طلبات الإخوان بشرط ألا تخوض الجماعة الانتخابات الرئاسية والبرلمانيةفقلت له بعد نقاش مع بعض الإخوان يا سيدي أنا موافق بشرط آخذ حريتي وافتح مقار الجماعة, وأن يفرج عن جميع المسجونين ولا أصبح جماعة محظورة, ولأنني أعرف أنه غير قادر علي تنفيذ ذلك فبدأ يهاجمني, وعندما أجريت حديثا مع أحد الصحفيين ويبدو أنه كان مراقبا سألني الصحفي عن رأيي في حسني مبارك, فقلت له إنه رجل معتوه وفوجئت به يتصل بي ويعاتبني فقلت له بدلا من الاتصال بي... اذهب وقل لصاحبك كفاية ظلم وفساد! لكنك التقتيه في مرات سابقة, وكان بينكما إتفاق حول إنتخابات2005 ؟ نعم طلبني في2005 وذهبت إليه في أمن الدولة والتقيت به واللواء حسن عبدالرحمن واللواء محمد حنفي... وتحدثوا حول الانتخابات, وكان مطلبي الأول والاخير الافراج عن المساجين السياسيين وطلبت منهم أن يتوقف التزوير الفاضح في كل شئي, وعندما تحدثت عن المساجين فوجئت بهم يطلبون إدارة السجن بالتليفون ويقررون الإفراج عن الدكتور عصام العريان, ونحن جالسون. لماذا عصام العريان؟ والله ما أعرف لماذا العريان فقط... وحدث بيننا اتفاق علي أن ترشح الجماعة عناصرها علي150 مقعدا فقط, وعندما نجحنا في أول مرحلة بنسبة كبيرة هددونا بتكسير عظامنا. برغم أنك كنت تتحدث اليهم وتقابلهم إلا أنهم كانوا يراقبون كل تحركاتك ؟ كل شيء كان مراقبا بالصوت والصورة وعن طريق القمر الصناعي وفي مكتبي وغرفة نومي, وكانت هناك موتوسيكلات وسيارات ملاكي مخصصة لمراقبتي, وكنت أعرف من يراقبوني وأسلم عليهم وأشكرهم, وفي إحدي المرات عملت حادثة بسيارتي بسبب خطأ سائقي, وتحطمت السيارات التي كانت من خلفي, ففوجئت بأن الذي خلفي مباشرة كان ضابطا من أمن الدولة مكلفا بمراقبتي وقد تكسرت سيارته... وكانت هذه مصادفة عجيبة. عرفت بأنك حولت مسارك الدراسي من كلية الهندسة إلي مجال التربية الرياضية رغبة في طاعة الإمام حسن البنا؟! هي ليست طاعة للإمام ولكنه كان يتحدث معي وطلب مني ترشيح عنصر للاخوان في معهد التربية الرياضية بهدف تكوين عناصر في هذا المجال وهنا فكرت وقلت لماذا لا أتولي أنا هذا الأمر خاصة أن كليات الهندسة بها الكثيرون من الإخوان وفعلا تركت دراسة الهندسة بعد السنة الإعدادي وذهبت الي التربية الرياضية. ألم يراودك حلم أن تصبح مهندسا, أم تلبية رغبة المرشد كانت بداخلك أقوي؟ لقد ظل أبي يستخف بي لمدة ثلاثة أشهر رافضا لهذا التحويل, لكنني كنت مقتنعا والحمد لله وصلت من خلال اقتناعي لموقع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وهو أرقي موقع قيادي في العالم وأعتبره أكبر من منصب رئيس الجمهورية وأهم من أي رئيس وزارة. ماهي فلسفتك في أنه الموقع الأرقي ومن أين تستمد قوتك؟ عندما قلت لك إن الاخوان يمثلون أكبر مركز عالمي فكنت لا أبالغ, ولكن أنا أعرف حجم الاخوان في مصر وخارجها, خاصة أنني كنت مسئولا عن إخوان الخارج لفترات طويلة, وسوف أضرب لك مثالا بالولاياتالمتحدةالامريكية فنحن لدينا تواجد في أكثر من50 ولاية, وكنت عندما أذهب اليهم أتحدث معهم جميعا في هذه الولايات, وفي ولاية يوجد للإخوان مسجد أو اثنان أو أكثر, وهكذا في دول عديدة, وقد كنت الأسبوع الماضي في ماليزيا ومن قبله في تركيا, وبعد أيام قليلة سوف أذهب إلي سويسرا, وهذا الكلام ليس من قبيل الاستعراض أو التفاخر ولكنه لكي يعرف الناس أننا كنا نعمل ومازلنا من أجل توحد المسلمين. عندما يتكلم الدكتور أسامة الغزالي حرب ويطلب من الأخوان الفصل بين الجماعة والحزب, بمعني أن تصبح الجماعة دعوية معنية بنشر مفاهيم الأسلام فماذا تقول له ؟ ياأخي ماشأن أسامة الغزالي حرب بجماعة الأخوان المسلمين.. هل هو عضو يعمل فيها لكي يفكر لها, هذه الجماعة لها, مؤسسات ومكاتب إرشاد ومجلس شوري وتتخذ قراراتها بعد الدراسة بالاجماع... أما من يقولون ذلك فهم ناس فاضية وعندهم وقت فراغ وقد فقدوا تواجدهم في الشارع وقاعدين يهبلوا بكلام فارغ. .. ود. رفعت السعيد يرد في هجوم شرس: الإخوان سيفعلون بنا مثلما فعل هتلر بشعبه
برغم أن الدكتور رفعت السعيد, اليساري القديم, ورئيس حزب التجمع يمارس السياسة منذ عقود طويلة وبرغم أنه محلل وباحث متعمق في التاريخ المصري والتيارات الإسلامية, إلا أنه دأب علي مهاجمة جماعة الاخوان المسلمين واصفا إياها بالمتاجرين بالدين والمتحدثين باسم السماء, كاشفا تصرفاتهم ومؤكدا أنهم خبراء في ممارسة الألاعيب السياسية. رفعت السعيد يعتبر نفسه صديقا للمرشد العام السابق( مهدي عاكف) ولبعض القيادات الاخوانية, وبرغم ذلك يحذر الشعب المصري من الاخوان والسلفيين, مشيرا إلي أنهم سوف يجلبون الخراب لمصر وانهم متأسلمون ويريدون إسلاما علي مقاس إمامهم حسن البنا. وبرغم عجز حركة اليسار عن الانخراط في الشارع فإن السعيد رفض الاعتراف بذلك مروجا أن الحركة اليسارية سوف تعود الي الازدهار ولكنها تمر الآن بكبوة.. وتفاصيل أخري تكشفها السطور المقبلة. د. رفعت السعيد.. بداية كيف تقيم الآن وضع التيار اليساري في الشارع المصري مقارنة بالتيار الإسلامي ؟ أولا, دعني أؤكد أن مصر الآن لا يمكن تقسيمها إلي يسار ويمين بالمعني الدقيق وإنما اعادة تقسيم القوي السياسية إلي قوي ليبرالية ووطنية تقدمية في كفة وهذه الكفة تضم اليسار, وقوي ثانية إخوانية سلفية تريد أن تقيم حكمها الذي رأينا بوادره من أن البعض يكفر الليبراليين ويطالب بتغطية النساء, ويتطلع حول مايوهات السياحة وغير ذلك... مع العلم بأن القوي الليبرالية والتقدمية ترغب في إقامة دولة مدنية ديمقرطية تقوم علي المساواة الكاملة بين كل أبناء الشعب مسلمين واقباطا رجالا ونساء فقراء واغنياء... أما القوي الاسلامية فهي تريد الذهاب بمصر إلي متاهة لا يعلم حدودها إلا الله خاصة أنهم يلعبون علي وتر الفقر والدين, ويخوضون معركتهم بطريقة كلها خداع للشعب معتمدين علي وضع ديكور وغلاف ديني لكل تصرفاتهم, وهذا الديكور لا يصلح قطعا لحل مشكلات هذا الشعب. هل معني كلامك أن الحركة اليسارية تتراجع أمام التيارات الليبرالية والإسلامية ؟ أنا طول عمري غارق في الحركة اليسارية وأري بوضوح خطر الإخوان واعتقد أنهم يحاولون الزعم دائما بأنهم رسل السماء لكن الله لا يحب من يتاجرون باسمه سبحانه وتعالي.. وأنا لا أحب من يتاجر بالدين وباسم الله. بوضوح هل تعترف بفشل اليسار الآن ؟ لا طبعا.. لكنني أقول إن مصر يعاد تشكيلها سياسيا علي أساس الوضع الراهن والسبب في ذلك المجلس العسكري الذي أتي بالمستشار طارق البشري ليفصل دستورا علي مقاس الاخوان وأتي بالمحامي الاخواني صبحي صالح وكذلك الدكتور عاطف البنا المنتمي شكلا إلي الوفد وحقيقة إلي الاسلاميين, وكان أجدر بالمجلس العسكري أن يأتي معهم بمحامي يساري أو تجمعي أو ليبرالي, ولذلك فأنا أرسل لهم ما قاله الشاعر إذا جئت فابعث طرف عينيك نحونا.. لكي يعرفوا ان الهوي حيث تنظر ولذلك فقد بعثوا بطرف عينهم نحو الإخوان والسلفيين, فكان الهوي كله إخوانا لدرجة أن قاتل السادات خرج ليصبح بطلا ويحتفي به في الاعلام المصري كله في حين أنه قاتل ويجب أن يواري سوأته. دعنا نعد إلي اليسار الذي قال لي مهدي عاكف إنه بلا وجود وليس له جمهور الآن ؟ الأخ مهدي عاكف يقول ما يريد.. وأنا أقول له لقد قيل إن الإخوان انقرضوا في فترة سابقة وأن التيارات السلفية لا وجود لها. كما قالت أمن الدولة والاعلام بأنه جري القضاء علي الجماعات الاسلامية.. وهكذا, ولكن شيئا من ذلك لم يحدث ومن هنا أقول بأن الحركة اليسارية المصرية ليست في قوتها كما كانت في اوقات سابقة لكنها سوف تستعيد قوتها. كيف ولماذا ؟ لأن النظام الرأسمالي يعاني الفشل الذريع وأصبح علي وشك الأنهيار الكامل ولنرجع إلي ما حدث في اليونان وايطاليا وأسبانيا والبرتغال وغيرهم. عفوا بعيدا عن التنظير السياسي.. هل يمكن أن تحدثني عن حجم تنظيماتك ووجود تيارك في الشارع الآن ؟ أنا أتكلم عن الفكرة اليسارية في العالم كله ومصر ضمن هذا العالم فهي تستعيد الآن نفوذها. اسمح لي أن أختلف معك وأقول لك العالم كله الآن يتحدث عن التيارات الاسلامية التي تستعيد نفوذها وليس الشيوعيين ؟ لكن يجب أن تعرف أن الإسلام أنواع وإذا تصور البعض حصول الإسلاميين علي أغلبية أو حتي تشكيلهم للحكومة في مصر فهذا ليس معناه أن مصر سوف تصبح مثل تركيا أو تونس ومن يتصور عكس ذلك منهم فهو علي خطأ لأن مصر ليس فيها أتاتورك والجيش المصري ليس علمانيا كما أن رجب طيب أردوجان المتيم به الاخوان لم يغير من أي بناء اقتصادي ولا ثقافي ولا إجتماعي في المجتمع التركي, وقد اكتفي بحاجة بسيطة جدا هي السماح للمحجبات بدخول الجامعات والدواوين الحكومية, كما أن زوجته يصمم لها الحجاب مصمم أزياء نمساوي. وما العيب في ذلك, ولماذا لاتعترف بأنه اقام نظاما تعليميا رائعا, وأحدث ثورة تصديرية لمنتجات بلاده؟. هذا ليس عيبا, ولكنه يكشف عن تأسلم شكلي, والأمر الآخر أن هناك في تركيا قاعدة أمريكية, وبرغم خلافهم مع إسرائيل إلا فإن هناك تنسيقا عسكريا مع اسرائيل, وعندما وصل الزعيم الإسلامي إلي السلطة سافر إلي أمريكا ليحصل علي جائزة من المنظمة الصهيونية العالمية. أنا اكشف لك هذا النموذج التركي, لأن الاخوان علي علاقة تاريخية وثيقة به, وقد التقي بهم أردوغان عندما جاء إلي مصر وبارك لهم تحركاتهم نحو الدولة الاسلامية, أيضا الاتراك يرغبون في الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي.. وعندما نقيس هذا النموذج علي مصر فالوضع مختلف جدا, وأتصور أن الإخوان المسلمين يحتاجون إلي مزيد من التشدد وسوف يمارسونه. هل لديك أسباب منطقية تقول بأنهم سوف يتشددون أكثر؟. السبب الأول أن حديقتهم الخلفية فيها حركة حماس, وهم يريدون أن تحمي حماس ظهرهم, والدليل علي ذلك الاستعراض الشهير الذي فعلوه في جامعة الازهر منذ عدة سنوات بملابس حركة حماس. قاطعته: لكن الإخوان الآن ليسوا بحاجة إلي حماس ولاغيرها؟ أنت شخص واهم ومخدوع.. أكتب بأنك واهم مثل كل مصري, ودعني أكمل لك السبب الثاني, أن أي تيار متشدد عندما يصل إلي السلطة أو يقترب منها يحاول كسب جماهير القوي الأخري, وهذا ماكان يحدث حتي في الأحزاب اليسارية, فمثلا عندما كان يظهر جناح جيفاري أو تروتسكي شديد التطرف تجده يمارس مزيدا من القمع والاخوان الآن يبذلون كل الجهد لكي تحدث أسلمة للشعب المصري كله, ويكسبون بالاتجار, وينافسوهم في ذلك السلفيون, وكلما رفع السلفيون سقف الشعارات, رفع الاخوان شعارات أخري. هل تتوقع أن يتوافق الاخوان والسلفيون معا من أجل حكم مصر؟ مؤكد باليقين, وأنا مستعد للرهان علي ذلك, لأنهم جميعا يريدون أن يقدموا أنفسهم في شكل إسلامي جديد, يتماشي مع السياسة والمكاسب البرلمانية وغيرها, وهذا الشكل يتمثل في ظهور بعض الشخصيات التي كانت ليبرالية والتي كانت تدعي التقدم, ثم وجدت نفسها مستريحة تحت مظلة التأسلم, وهم الآن يضعون هذه الشخصيات علي قوائم الانتخابات, وبعد أن يتشكل البرلمان سوف تتشكل مجموعة إسلامية أنا سوف أسميها من الآن المجموعة المتأسلمة وهذه المجموعة سوف تتحكم في كل شيء ويكون لها صولات وجولات. دائما تستعمل لفظ التأسلم, ولك ثلاثة كتب في هذا المجال, فهل يعني أنه لايوجد بينهم مسلمون حقيقيون؟ التأسلم لايعني الخروج عن نطاق الإسلام, ولكن يعني أن ما يقوله هو شخصيا هو صحيح الاسلام, وهذا غير صحيح, لأنه لا يوجد إنسان له الحق في ذلك.. والرسول عليه الصلاة والسلام, له قصة شهيرة مع بوريدة قال له: إذا نزلت علي قوم وطالبوك بأن تحكم فيهم باسم الله, فلا تحكم فيهم باسم الله, وإنما أحكم فيهم برأيك أنت لأنك لاتدري إن كنت أتصيب أم تخطيء في الحكم باسم الله. هذا مانصح به الرسول, لكن الإخوان ماضون ومستمرون علي أول برنامج وضعه لهم حسن البنا وعلمهم إياه عندما قال: هذا المنهاج كله من الاسلام, وكل نقص من الاسلام ذاته كله من الاسلام, هذا كلام البنا, وإتحدي بديع وعاكف واخوانهما أن يعترف واحد منهم بحرف خطأ في كلام البنا..... ومن هنا فهم لديهم زعم غريب باحتكار الاسلام. دعني أسلم بما تقوله, لكن لماذا ظل الاخوان هم الأقوي والأكثر تنظيما في الشارع باعترافك أنت؟ أن تكون قويا في الشارع ليس دليلا بأنك علي صواب, وأضرب لك مثالا بهتلر الذي كان قويا جدا في الشارع الألماني, لكنه ذهب بألمانيا في ستين داهية, وأظن أن الأخوان سوف يفعلون بنا مثلما فعل هتلر بشعبه. أتريد أن تقول سوف يصبحون النازيين الجدد؟ لا أقول ذلك, ولا أعتبرهم نازيين, لكنهم سوف يجلبون الخراب علي مصر. ممكن أعرف سبب كرهك وعدائك الشديد للاخوان؟ أكتب بأن الحاج محمد السعيد والدي ترك لي ميراثا لم ينازعني عليه الإخوان, وإنما عدائي نابع من خلافي الفكري معهم وكوني أفهم أهدافهم, وأحذر من الاعيبهم باسم الاسلام. حدثنا عن الإسلام الذي يريد رفعت السعيد ؟ أنا أطلب الإسلام المقدس الذي نزل من السماء ولا يزعم أحد أنه يمتلك ثوابته وحججه. لا أظن أن أحدا علي الأرض يستطيع أن يمتلك الدين لأن الدين يغلب الجميع ؟ قل أنت ذلك, فهم يعتبرون أن البنا قديس ويقولون الإمام الشهيد الروحاني الرباني, ولكي نتجاوز هذه النقطة أعطيك مثالين الأول... أن البنا يبدو وديعا, ولكنه سرعان ما أسس الجهاز السري الذي استخدمه الاخوان في الارهاب, والمثال الثاني أن سيد قطب تشدد ووصل إلي مرحلة تكفير الحاكم والمحكوم, ومن الأهرام أتحدي الإخوان.. أتحداهم.. أن يخرج أي مسئول منهم ويقول لقد أخطأ حسن البنا والجماعة تصحح هذا الخطأ. لكن مهدي عاكف اعترف لي بأن لديه عناصر فاسدة ومنحرفة ؟ عاكف يتحدث عن الاتباع والاعضاء العاديين, لكنني أتحدي أن يرفض عاكف أفكار سيد قطب حول تكفير الحاكم والمحكوم, خاصة أنه آخر رجال التنظيم الخاص الذي مازال علي قيد الحياة. ألست معي أن رفعت السعيد وحركة اليسار المصري يعيشون دائما في الماضي والاخوان ينطلقون إلي المستقبل. الاخوان يريدون أن يعودوا بمصر إلي الماضي.. تلك هي القضية.. وهم لا ينتقدون انفسهم ولا يخطئون أبدا, والأخطر من ذلك أنهم يعتبرون كل كارثة تحل عليهم أنها محنة, وأن كل ما هم فيه إمتحان من الله, وليس يرجع لخطأ ارتكبه التنظيم أو عناصره, وعندما يجدون أنفسهم في أزمة يقولون لك الضرورات تبيح المحظورات وهذه خدعة سياسية رديئة. علي ذكر اسمك هل تتوقع ماذا قال مهدي عاكف ؟ أكيد امتعض وأبدي ضيقه.. ومع ذلك فأنا اعتبره صديقي. برغم كل الاختلاف ولأننا كنا رفقاء السجن. أنت تقول صديقي وهو يقول حبيبي وأنا لا أصدق, فهل ذهبت لتناول العشاء معه, وهل تحرص علي مقابلته في المناسبات مثل د. مصطفي الفقي صديقه وصديقك انت ؟ لقد ذهبت لهم عند افتتاح المقر وقد جاءوا إلي لتقديم واجب العزاء في وفاة شقيقي. علمت أنك عندما ذهبت اليهم أثناء افتتاح المقر كان بعض شباب ورجال الاخوان غير راغبين في وجودك ؟ ضحك وقال.. عندما ذهبت جلست في مكان متطرف ثم جاء إلي خيرت الشاطر وأخذني وأجلسني بين المرشدين الحالي والسابق, ثم جاء الدكتور مصطفي اسماعيل الوزير السوداني وقال بلغة سودانية: والله يا جماعة أنا مندهش من المصريين. رغم الخلاف الشديد بينهما سياسيا إلا أنهم يجلسون بمودة, فقلت له أنا سوف أذهب إلي مؤتمر بعد عشر دقائق وسوف أشتم الإخوان, وكان هذا الكلام امام بديع وعاكف فضحك أحدهما وصمت الآخر.. وفعلا ذهبت إلي المؤتمر, وقلت موجها كلامي للاخوان أيها النمل ادخلوا مساكنكم ليحطمنكم سليمان وجنوده يعني الاخوان من وجهة نظرك مجرد نمل شارد نعم أعني ذلك. بماذا ترد علي عاكف الذي قال ان الشعب كره اليسار بسبب رفعت السعيد وبسبب ما يمارسه ضد الدين ؟ أقول له أنا أحمي الشعب من تضليل الإخوان المسلمين, ولست ضد الاسلام الصحيح بتقديرك لماذا أنت متهم بأنك كنت عميلا دائما للنظام ولصفوت الشريف ومبارك ؟ غير صحيح, لأنني كنت أكثر واحد يهاجم مبارك وقلت بأنه خالف القانون عندما أعلن خطاب ترشيحه الأول من المساعي المشكورة, ورفضت أن أكون كومبارس في الانتخابات الرئاسية التي قبل دخولها نعمان جمعة. لكنك لا تنكر أنك كنت تلتقي مبارك ورجاله سرا, لم أقابل مبارك سوي ثلاث مرات ولم أطلب مقابلته, وكان نفسي أقابله, واقول له مصر في خطر عظيم. هل تعرف بأن هناك من يطالب بمحاكمتك بتهمة الافساد السياسي مثل فلول الوطني ؟ المحاكمة بتهمة الافسادالسياسي يجب ان يستتبعها فساد مالي, وأتحدي أن يتهم أحد رفعت السيد بأي شئ. أخيرا كم سوف يحصل حزبك في الانتخابات المقبلة.. ؟ لا أعرف ولا يمكن لأحد أن يعرف ذلك, ولا حتي الاسلاميين يمكنهم الآن التكهن بما سوف يحصلون عليه. تتوقع حصول الاسلاميين علي أغلبية ؟ لا أظن أنهم قادرون علي تحقيق أغلبية في البرلمان, لكنهم سوف يسعون بضم شخصيات أخري مستقلة, والسبب في ذلك أن خريطة مصر الآن تدور في ثلاثة محاور, الأول إسلامي سلفي اخواني, والثاني ليبرالي واشتراكي ومسيحي وعلماني, والثالث فلول حزب وطني.. وبين هؤلاء الثلاثة سوف يكون هناك عنف جديد, وإرهاب, فضلا عن المال والانفاق الجنوني.