فى أدبيات علم السياسة هناك نوعان من نظام الأغلبية، الأغلبية البسيطة وتعنى النصف+1 (50٪+1)، والأغلبية المشروطة (الثلثان أو ثلاثة أرباع (2/3، 3/4).. إلخ. ونذكِّر الذين لا يعرفون بأن الأغلبيات البسيطة تُستخدم عادة فى الانتخابات العامة، بينما الأغلبيات المشروطة تُستخدم فى إقرار الأمور القومية والمهمة والكبيرة، وفى مقدمة ذلك إقرار الدساتير وتعديلاتها. وقد رأى المستشار طارق البشرى فى حديث له على صفحات جريدة الشروق 19/12/2012، أن 50+1 (الأغلبية البسيطة) قد تُستخدم فى تمرير التعديلات الدستورية بينما لا يجوز تمرير دستور كامل وجديد بهذه الأغلبية البسيطة مطلقا. وقد ثبت أن تمرير أى دستور جديد بالأغلبية البسيطة يسقِطه الشعب كما حدث فى فرنسا، حيث تم إقرار دستور عقب الحرب العالمية الثانية عام 1946 بنسة 53٪، فأسقطه الشعب فى عام 1958 وأقر الدستور الجديد بنسبة 83٪ لأن التوافق بين القوى السياسية المتنافسة على قيادة البلاد هو شرط أساسى لترويج الدستور لدى المواطنين. حيث تتراجع النسب المؤيدة للدستور بل والمشارِكة أيضا، حال عدم التوافق، والثابت فى الدراسات السياسية أن دستور الغابة أو الإرهاب أو القوة أو الغَلَبة، الذى يتم تمريره دون أغلبية مشروطة تتجاوز الثلثين دائما من عدد الناخبين ومثلهما بالموافقة على الأقل، هو دستور فى مهبّ الريح، ومصيره سلة القمامة بلا شك. فالحجج واهية لتمرير الدستور الحالى فى مصر باستعجال غير مبرر على الإطلاق، فتارة يروّجون للاستعجال بتحقيق الاستقرار، وتارة لتحريك العجلة، وتارة لإنقاذ مصر من الأزمات الاقتصادية وغيرها، وقد ثبت كذب هذه المبررات والدعاوى وأولها ما كان يتم الترويج له عند تمرير التعديلات الدستورية فى 19 مارس 2011م. فالمشكلات تفاقمت، والفساد ارتفع وزاد، واقتلاع جذوره فشل حتى الآن، كما أن اقتلاع رموز النظام السابق فشل أيضا، واختُزلت فى استبدال ببعض وجوه مبارك، وجوه مرسى والإخوان!! ومن ثم فهناك استحالة فى مصر الآن بعد هذه الثورة وكذب دعاوى ومبررات الربط بين «الاستعجال والاستقرار»، لتمرير دستور العار بالقوة وبالأغلبية البسيطة، الأمر الذى يتعارض مع التقاليد والأعراف المستقرة فى العالم فى تمرير الدساتير الكاملة على وجه الخصوص. وقد لفت نظرى مقال مهم للأستاذ الدكتور صلاح الدين فوزى (رئيس قسم القانون العام بحقوق المنصورة) فى الأهرام فى 20 ديسمبر 2012م، أوضح فيه كيفية الحساب الدستورى لنتائج الاستفتاء، الأمر الذى قادنى إلى تجديد رأيى فى استحالة تمرير دستور مرسى والإخوان. وقد توافق رأيه مع رأيى تماما وأعتقد فى صوابه تماما، حيث أشار إلى النص الوارد فى المادة 60 من الإعلان الدستورى الصادر فى 30/3/2011، التى نصت على أن «يُعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه فى الاستفتاء». وأن المقصود بالشعب إذن هيئة الناخبين الذين تنطبق عليهم الشروط القانونية للمشاركة بالتصويت فى الانتخابات (سن 18سنة، وسلامة موقفه القانونى.. إلخ) وقد تبين أن عدد الناخبين فى مصر عند الدعوة للاستفتاء الأخير فى 30/11/2012 نحو 52 مليون ناخب. وباعتبار أن النص يشير إلى موافقة الشعب عليه دون إشارة إلى نوع الأغلبية التى يجب أن تتوفر لتمرير هذا الدستور. فلو أخذنا بالنص، لقلنا إن الشعب كله لا بد أن يوافق بنسبة 100٪، ولو أخذنا بالأغلبية البسيطة (50٪+1)، لكان من الضرورى موافقة أغلبية الناخبين أى (26 مليونا+1)، ولو أخذنا بالأغلبية المشروطة (الثلثين) مثلا، لتطلب الأمر موافقة نحو 35 مليونا! ولا يستطيع أحد أن يدّعى أن تمرير الدستور يأتى من خلال الأغلبية البسيطة من الحاضرين مطلقا! فهل لو حضر 5 ملايين بنسبة 10٪ من إجمالى الناخبين ووافق 2٫5 مليون+1 منهم على الدستور، يمكن تمرير الدستور؟! هذا غير معقول وغير ثابت، فضلا عن أن النص واضح ولا يحتاج إلى تأويل أو تحريف فى المادة 60 التى تقرّ موافقة «الشعب» لا أغلبية الحاضرين. فلو كان المشرّع قد قصد ذلك لأوضحه، ولكنه وضع ذلك لتقديره الفعلى لمكانة الدستور وآلية تمريره ومن ثم فإن قاعدة حساب نتائج تمرير الدستور تستند إلى أغلبية الناخبين المسجلين رسميا فى الجداول، والاجتهاد يصبح حول نسبة هذه الأغلبية سواء بسيطة أو مشروطة، ولو طبقنا هذه القاعدة الحسابية طبقا لمعطيات المرحلة الأولى للاستفتاء التى أُجريت فى يوم 15/12/2012، لاتّضح أن نسبة الذين حضروا من إجمالى عدد الناخبين فى هذه المرحلة نحو 31٪، وقد بلغ عدد ناخبى هذه المرحلة نحو 26 مليونا أى أن الذين شاركوا فى التصويت نحو 8 ملايين ناخب فقط بينما كان المطلوب وفقا لقاعدة الحساب بالأغلبية البسيطة هو 13 مليونا، أى النصف، وهو ما لم يحدث. ومن ثم فإن مقاطعة الشعب بنسبة 70٪ تقريبا تصبّ فى خانة استحالة تمرير الدستور. وأخيرا أقول، إن شرط إقرار أى تعديلات دستورية وآخرها قبل سقوط مبارك، تعديلات 2007م، هو توافر نسبة موافقة ثلثى أعضاء مجلسى الشعب، فما بالكم بإقرار دستور بعد ثورة 25 يناير وبالكامل؟ ألا يشترط ويتطلب موافقة الثلثين من الشعب، وهو الهيئة الناخبة البالغ عددها 52 مليونا.. أم أن المسألة هى استمرار مسلسل الخطف والاستحواذ على الدستور كما سبق أن تم اختطاف الثورة والسلطة؟! إلا أن الشعب صاحب الثورة يقف بالمرصاد لهؤلاء ويقول لهم: الثورة مستمرة، وإنا لمنتصرون بإذن الله، ولا يزال الحوار متصلا.