انشغلنا جميعا الأيام القليلة المنصرمة بمتابعة خطابات مرسى قبل انتخابه ووعوده على شاشات القنوات المتعددة ومتابعة مواقفه بعد انتخابه. فقد نجح مرسى وحصل على هذه الأصوات الضئيلة، لكن الفارقة فى سباق الرئاسة بأصوات الرافضين لشفيق والعودة إلى قمع النظام السابق، المتمثل فى شفيق، الذى اعتبرناه جميعا امتدادا لهذا النظام. لقد صوتت الأغلبية لصالح الثورة التى تعهّد مرسى فى أكثر من موضع بالحفاظ عليها والعمل على تحقيق أهدافها المعلنة والضمنية. يمكن تلخيص هذا العهد الذى قطعه مرسى على نفسه وقبله الثوار والمتحالفون مع مرسى رغم المعارضة القوية لتياره الذى يمثله، فى نقاطٍ محددة. لقد قبل عاصرو الليمون، كما أطلقوا على أنفسهم، أن يضعوا فى سدة السلطة خصمًا سياسيًّا ونقيضا أيديولوجيا شريطة الالتزام بمبادئ ومتطلبات الثورة، وهو ما تعهد به مرسى فى أكثر من موضع بالصوت والصورة والتوقيعات على أوراق تحالفات سياسية وانتخابية. يُحسَب لعاصرى الليمون هذا الموقف أيديولوجيا، لكنه يُحسَب عليهم سياسيًّا. فقد التزموا أجندتهم الأيديولوجية بمناصرة من وقف معهم فى الميدان ضد من كان فى السلطة ضد الميدان بغض النظر عن الخصومة والمنافسة السياسية. سياسيًّا، كان التحالف مع شفيق ومحاولة الحصول على ضمانات علنية منه مثل تعيين رئيس وزراء بصلاحيات واسعة من مجموعة شخصيات ثورية محددة، أو غيره من الضمانات التى قد يرتضيها السياسيون. فقد قبلوا التحالف مع مرسى فى مقابل وعود بلا ضمانات وهذا من الحماقة السياسية بمكان وإن كان دليلا على نقاء ثورى وإيمان أعمى بالثورة، وقد نسوا شيئا مهما أن الثورات لا تعرف الانتخابات ولا صندوقها. هذه لعبة وتلك لعبة أخرى. وبمراجعة عهود مرسى سريعا وتلخيصها، فقد وعد مرسى بما يلى: أولا- تشكيل حكومة وفاق وطنى تضم كل أطياف الساحة السياسية، والعمل على إنشاء مؤسسة رئاسية تبنى توافقا وطنيا من أجل إعادة البناء. وكان فعْل مرسى هو تعيين عدد هائل من المستشارين عديمى الفائدة والنفوذ ممن ظن فيهم قابلية للحصول على كرسى والسكوت. حيّد مرسى مؤسسة الرئاسة تمامًا واستحوذت جماعة الإخوان المسلمين على آذان الرئيس الذى تربَّى على السمع والطاعة لمرشد الجماعة. ثانيا- حلَّ الجمعية التأسيسية للدستور وتشكيل أخرى أو تعديل الحالية وجعلها أكثر تمثيلا لأطياف الشعب المصرى وإلغاء الغلبة الإسلامية عليها. وكان فعل مرسى أن كرّس لهذا الاستقطاب، ومكّن تأسيسية الدستور من البقاء، وحارب القضاء وهدمه فى محاولته للحفاظ عليها كما هى. واندفع بجنون وحمق فى عملية أشبه بالانتحار السياسى دفاعًا عن منتج مشوه أنتجته هذه الجمعية. ثالثا- وعد مرسى بأن يكون رئيسًا لكل المصريين، وأعلن استقالته من مكتب الإرشاد وظهر فى تمثيلية سمجة وهزلية، والمرشد يعفيه من بيعته وقسمه على السمع والطاعة. وكان الواقع أنه ما زال يسمع ويطيع، وبدا المشهد السياسى مضحكًا عندما يخرج خيرت الشاطر أو المرشد يتحدثان من موقف قوة، وكأن رجلهما المطيع فى قصر الاتحادية لن يعترض حتى على ما يقولان، وهو لم يعترض. رابعا- وعد مرسى بالقصاص من قتلة الشهداء وإصلاح الداخلية وتطهيرها من الفساد والحصول على الأدلة اللازمة لإعادة محاكمة قتلة الثوار. فكان فعله أن تصالح مع الداخلية واشترى ولاءهم له ولجماعته بصمته عن تجاوزاتها حتى عادت كما كانت أيام مبارك وخرجت تطلق النار على المتظاهرين السلميين قاتلين، جيكا الذى صوَّت لمرسى كى لا يحدث هذا، فكانت مفارقة القدر، أن يقابل جيكا الموت على الطريق الذى أخذه كى يتفاداه. فقد صوّت لمرسى حتى يستطيع أن يتظاهر دون الخوف من شرطة شفيق التى تطلق النار على المتظاهرين، فقتلته شرطة مرسى لنفس السبب، الدفاع عن الاستبداد. وبما أن الاتفاق الذى اتفقنا مع مرسى عليه، قد تم تمزيقه وإلقاؤه فى سلة القمامة من قبل الرئيس، فلم يجب على الشعب وعلى عاصرى الليمون، أن يلتزموا به. إن التزامنا تجاه نتيجة الصندوق مرتبطة باحترام الرئيس وعوده الانتخابية، والتزامه بأدائها أو حتى العمل على ذلك، والنجاح والفشل محل تحليل وتقييم. لكن من الواضح أن مرسى قال لنا ببساطة فى أفعاله، لقد ضحكت عليكم. قابلونى بعد أربع سنوات. هذا فضلا عن كون مرسى منتخبا وفقا للإعلان الدستورى المكمل الذى نص على كون الرئيس انتقاليا ولمدة سنة واحدة لا أربع سنوات. وبإلغاء مرسى هذا الإعلان من الأول، ما يفض العهد بيننا وبينه، لكن الرغبة العامة فى الاستقرار جعلت الناس تقبل إلغاء هذا الإعلان رغم أنه واحد من مسوغات ومقومات انتخاب مرسى رئيسًا وبسقوطه تسقط نتيجة الانتخابات. إن الخروج على مرسى وإسقاطه أصبح هو مطلب الشرعية الدستورية، قبل أن يكون مطلبًا للشرعية الثورية. مرسى ساقط من يوم ما ألغى الإعلان الدستورى المكمل، واستمر فى خسران شرعيته يوما بعد يوم بتنكره التام لوعوده الانتخابية التى بدت مجرد أكاذيب تخرج من أفواه الإخوان عندما يحتاجون إلى الثورة ومساندتها وبعدها تلحس وكأنها لم تكن. لقد سقطت شرعية مرسى، ومن يحاول إخراجه من قصر الاتحادية هو من يقيم القانون، ومن يحاول منعه من ذلك هو بالطبيعة يخرق القانون. من يجلسون فى قصر الاتحادية مغتصبون للسلطة حصلوا عليها بوعود لم ينفذوها. ولو أننا سكتنا عنهم، لأسسنا فكرًا سياسيًّا فاشلًا مبنيًّا على وعود انتخابية تُلحس بعد النجاح فى الحصور على الكراسى. خلْع مرسى اليوم يعنى لكل رئيس وصاحب منصب أن عليه أن لا يَعِد بما لا يستطيع، وأن يتقبل المحاسبة على أفعاله آنيًّا لا كل 4 سنوات. هذه هى إرادة الشعب اليقظ الذى أعطى مرسى فرصة فانتخبه، ثم أعطاه فرصة لتجميع السلطات، ثم أعطاه فرصة من الوقت لنرى ما سيفعل بهذه السلطات. ورأينا. رأينا أنك يا مرسى تعمل كمندوب لجماعة صغيرة وضعيفة وهزيلة وغير منظمة، فى قصر الرئاسة لتحوِّل مصر إلى لقمة سائغة تبتلعها جماعة الإخوان المسلمين وتلقى بفتاتها لبقية المتأسلمين المتعطشين للسلطة والمال. لم يعد لك من شرعية شىء. أنت مغتصب كرسى الحكم، ومن يسكت عنك هو آثم فى حق الثورة وفى حق الوطن. والشعب يريد إسقاط النظام.