آخر كلماته قبل الوفاة «عليه العوض فيكى يا مصر» كتبت- فايزة هنداوى: وفاة عمار الشريعى أضافت إلى الأجواء فى مصر حزنا فوق حزن، الرجل فارق الحياة فى الثانية عشرة من ظهر أمس (الجمعة)، فى أحد مراكز غسيل الكلى بمنطقة وسط البلد. الشريعى كان يعانى من عدة مشكلات صحية فى الفترة الأخيرة، حيث نُقل إلى مستشفى الصفا فى المهندسين على إثر إصابته بنوبة قلبية، ثم تطور الأمر، إلى حدوث غرغرينة بالرئة نتيجة وجود فشل كلوى مما كان يضطره إلى عمل غسيل كلوى بأحد المراكز، ليغيب عن عالمنا عن عمر 64 عاما وسط أسرته التى كانت ترافقه دوما. وقال طارق مرتضى، المتحدث الرسمى باسم نقابة الموسيقيين، إن النقابة تدرس إقامة حفل تأبين كبير يليق بمكانة المبدع الراحل، حيث سيتلقى العزاء فيه كل من الدكتور رضا رجب القائم بأعمال نقيب الموسيقيين، ومصطفى كامل وكيل النقابة، اللذان يدرسان حاليا موعد العزاء ومكانه، خصوصا فى ظل الأحداث التى تمر بها مصر، وقال مرتضى إن الشريعى فى آخر اتصال هاتفى معه أكد حزنه الشديد على الشهداء الذين ماتوا فى صراعهم ضد الاستبداد. بينما أكد إيمان البحر درويش، نقيب الموسيقيين، أن أسرة عمار الشريعى هى التى ستقيم عزاء عمار الشريعى بعد دفنه فى مدافن الأسرة بالمنيا، حيث ينتمى الشريعى إلى أسرة عريقة لا تحتاج النقابة فى شىء -حسب كلام النقيب- مشيرا إلى أنه من العيب أن نستغل وفاة الموسيقار الكبير فى عمل دعاية لبعض أعضاء النقابة .وهنا أكد رضا رجب أن الشريعى لم يتم علاجه على نفقة الدولة رغم معرفة رئيس الجمهورية بحالة الشريعى الصحية التى كانت تحتاج إلى زرع كلى، وزرع قلب، حيث أثرت حالة قلبه على الكلى مما أصابه بفشل كلوى نقل على إثره إلى أحد مراكز الكلى بشارع شامبليون بوسط البلد حيث كان يحتاج إلى غسيل كلوى يومى، ثم توفى هناك، مشيرا إلى أن آخر مرة شاهده فيها كانت يوم الثلاثاء، وأكد أنه كان متابعا جيدا لكل ما يحدث على الساحة، وأبدى حزنه الشديد وقال عبارة: «عليه العوض فيكى يا مصر». وأضاف رجب أن أسرة الفقيد ستقوم بدفنه فى العاشرة من صباح اليوم (السبت) بمدافن الأسرة فى سمالوط بالمنيا مسقط رأس الراحل.
عمار الشريعى.. أحب الحياة والنغم وكان يتندر حتى على نفسه كتبت- حميدة أبو هميلة: مراد أصبح وحيدا، الصبى الذى بالكاد تجاوز الرابعة عشرة سوف يكمل دنياه بلا ابتسامة هذا الأب الذى ترك الموسيقى وحدها يتيمة أيضا. ستبحث الموسيقى المصرية كثيرا حتى تجد رجلا يستحق أن يحمل لقب موسيقار. عمار الشريعى أحب الحياة بما يكفى فرحل قبل أن يرى مصر أكثر سوادا، وأحب النغم بما يكفى حتى صنع لنفسه اسما كبيرا فى وقتا قياسيا وقدم مئات الأعمال التى لا يمكن تمسيتها أبدا عادية، ثم مات وهو فقط فى الرابعة والستين من عمره، الرجل المولود فى الرابع عشر من أبريل عام 1948، فى مدينة سمالوط بمحافظة المنيا، درس فى بدايته بمدرسة لرعاية المكفوفين ثم حصل على ليسانس آداب قسم اللغة الإنجليزية بجامعة عين شمس، لم يكتف بموهبته أبدا، بل تعلم التأليف الموسيقى بمدرسة هادلى سكول الأمريكية عن طريق المراسلة، ثم التحق بالأكاديمة الملكية البريطانية للموسيقى. الموسيقى الكبير الذى صنع علامات لا تتسع السطور لاستيعابها، لم يكن لأحد أن يستطيع مقاومة موسيقاه التى حتى وإن انبعثت من على بُعد، فالأذن تجرى وراءها وتستمع بذلك الذى صنع بصمة فى النغم المصرى يفخر بها العرب جميعا، لم يكن أيضا لأحد أن يستطيع مقاومة حديثه الضاحك دوما، المسترسل فى الحكى دوما حتى لو كان يتندر على نفسه باعتباره من أؤلئك الذين اختبرهم الله بأن أخذ منه بصره، وأعطاه فائضا من الموهبة والمحبة، كان موسيقارا ومؤديا، وحكّاءا، ومذيعا لبقا، ينتظره الجميع ليتابعه وهو يدندن بعوده مع ضيوفه فى برنامجه «غواص فى بحر النغم»، الذى قدمه فى نسختين. الأولى للإذاعة المصرية والثانية على شاشة إحدى الفضائيات الخاصة.. ربما مصر لم تعد تتسع لصاحب القلب الرقيق ففارقنا.
موسيقى خالدة ل«الغوَّاص» كتبت- رضوى الشاذلى: 150 مسلسلا و50 فيلما وضع لها الموسيقى التصويرية، و20 عملا إذاعيا، وأكثر من عشر مسرحيات، وأكثر من مئة أغنية. اكتفى العمّار بهذا الكم من الإبداع واختتم رحلته الموسيقية البديعة والقصيرة أيضا، بدأ عمار الشريعى مسيرته فى عام 1970، وتحفل سيرته بقائمة كبيرة تضم أهم الأعمال السينمائية والتلفزيونية والمسرحية. بدأ عمار مسيرته بعد تخرجه فى كلية الآداب، فعمل عازفا على آلة الأكورديون، أول ألحانه كان «امسكوا الخشب» لمها صبرى عام 1975، وفى عام 1980 كوّن فرقة «الأصدقاء»، لم يحرم الشريعى أطفال هذا الوطن من فنه الدافئ، بل شارك على مدار 12 عاما فى احتفالات عيد الطفولة كذلك شارك على مدار 13 عاما فى احتفالات أكتوبر، وبخلاف الأغنيات التى قدمها لكبار المطربين، لا يمكن أن ينسى أحد تترات مسلسلاته، ومنها «الشهد والدموع» و«دموع فى عيون وقحة« و«أرابيسك» و«رأفت الهجان» وفى السينما «البرىء» و«حب فى الزنزانة». وآخر ألحانه موسيقى مسلسل «أهل الهوى» الذى سيعرض قريباً.
الأبنودى يحكى تفاصيل المكالمة الأخيرة بينهما كتب - محمد عبد الكريم: لكل صاحب رحلة صحبة ترافقه منذ بداية الطريق، ولعمار الشريعى صديقَا كفاح شاركاه الرحلة منذ بدايتها، هما الشاعران الكبيران عبد الرحمن الأبنودى وسيد حجاب، والأخير دخل فى نوبة بكاء طويلة منذ سماعه الخبر، وكان شبه منهار، وقال: «لم أصدق حتى الآن أنه مات.. البقاء لله». أما الأبنودى فاختار أن يحكى لنا تفاصيل المكالمة الأخيرة بينه وبين الموسيقار الراحل، حيث استرسل فى الحديث قائلا: (فاجأنى بضحكته الرائعة منذ يومين فى منتصف الليل بمكالمة طويلة لم أعتد أن يقوم بها منذ سنوات، حدثنى فيها عن ذكريات طفولته وعن والدته التى كان يحبها كثيرا، ثم استرجع معى كل ذكريات أعمالنا معا بداية من مسلسل «النديم»، حتى «الرحايا وشيخ العرب همام»). وأضاف رفيق الرحلة: «طمأننى على صحته وأخبرنى أنه أصبح الآن فى غاية الراحة، وأنه أرسل التحاليل الخاصة به للمستشفى الأمريكى وينتظر ردا»، ثم قال لى «إن ياسر على المتحدث باسم رئاسة الجمهورية زاره مرة واحدة وطالبه بعدم القلق، لأن الرئيس أمر بعلاجه على نفقة الدولة، ثم ضحك وقال إنه من يومها لم يحدث شىء، ولم يتحدث معه أحد عن العلاج مرة أخرى، ولم تكن هناك أى جدية فى فكرة العلاج من يومها، إلا أنه مع ذلك كان فى غاية الراحة». الأبنودى أكد أنه ظل وقتا طويلا يتحدث معه، حيث واصل: «أكمل حديثه معى ضاحكا كعادته حتى تثاءب، وقال لى تصبح على خير يا أبنودى، ثم أغلق الهاتف، ولم أكن أعلم أنها مكالمة وداع طويلة بيننا.. رحمه الله». «فلم أكن أتخيل أن أسمع هذا الخبر يوما. فخطؤنا الوحيد أننا استبعدنا تماما فكرة الموت عن هذه الشخصية العنيدة والقامة الموسيقية والإنسانية غير العادية الذى هزم غياب البصر، وجعل من نفسه عالما موسيقيا تخطى كل العوائق ليصبح نجم نجومنا، وأن يكون صديقنا الوفى دائما «الونيس» لكل من عاصروه وتعايشوا أو عملوا معه، الذى لم ييأس يوما على الرغم من معاناته من المرض فى الفترة الأخيرة».