الإنسان مسير فى بعض الحالات، مخير فى بعض الحالات الأخرى، ذلك لأن الإنسان كائن يمتاز عن بقية الكائنات بالعقل والفكر وهو مناط الاختيار بين البدائل، وعليه فإن الشىء الذى لا بديل له، لا فكر ولا اختيار فيه، لأن العقل هو مناط اختيار البدائل والشىء الذى لا بديل له لا اختيار فيه. فما معنى الفكر؟ الفكر هو المقياس الذى يميز به بين البدائل والأمور الاختيارية، من الممكن أن تفعلها، أو لا تفعلها، وما دام البديل موجودا وعقلك حاضرا، فلك أن تفعل أو لا تفعل. ومحل التخيير وانتقاء البدائل منوط بالعقل، لذلك فإن فاقد العقل لا يكلف من الله، وكذلك المجنون والمعتوه (إذ التكليف والحرج مرفوع عنه لأنه لا محل ولا موجب له). لقد خلق الله الإنسان ولا حيلة له فى خلق نفسه ويميته أيضا ولا حيلة له فى موته، لأن هذا قدر الله، وذاك قدر الله أيضا، ولا ينفصل قدر عن قدر، وإنما جعل الله الإيمان اختياريا. ذلك لأن الله سبحانه وتعالى يحب أن يحبه عبده، ويقبل عليه مختارا غير مجبر، ويتمنى الحق تبارك وتعالى أن يحبه عبده ويتعلق به، وهو قادر على عصيانه، والابتعاد عن جادته. الإنسان مخير ومسير، أما كونه مخيرا فلأن الله سبحانه أعطاه عقلا وسمعا وبصرا وإرادة فهو يعرف بذلك الخير من الشر، والنافع من الضار ويختار ما يناسبه، وبذلك تعلقت به التكاليف من الأمر والنهى، واستحق الثواب على طاعة الله ورسوله، والعقاب على معصية الله ورسوله . وأما كونه مسيرا فلأنه لا يخرج بأفعاله وأقواله عن قدر الله ومشيئته، كما قال سبحانه: ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِى كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) وقال سبحانه: ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) ، ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) ، وقال سبحانه: ( هُوَ الَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) . وفي الباب آيات كثيرة وأحاديث صحيحة كلها تدل على ما ذكرنا لمن تأمل الكتاب والسنة . وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.