هبت رياح رمضان هذا العام طيبة على الأتراك وعاصفة على العثمانين الجدد، حيث جاء فى جو ملبد بالغيوم بين أوساط الساسة الأتراك (العثمانين الجدد) بعد أن فشلو فى تغيير نظام الحكم من شبه برلمانى إلى رئاسى، وتفصيل نظام حكم يتوافق مع القصر الأبيض، الذى يرقد فيه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وسط احلام بعودة الباب العالى وانتشار الممالك المحيطة باسطنبول. وبشكل مغاير عن الأعوام السابقة، دبت الروح في الحياة السياسية التركية مرة أخرى، بعد خسارة حزب العدالة والتنمية للأغلبية البرلمانية، واضطراره لتشكيل حكومة ائتلافية مع أحد أحزاب المعارضة، وبالتالي ضياع حلم "السلطان العثماني" الذي سعى إلية الرئيس أردوغان. رمضان في العهد العثماني وقد ورد في (وثيقة تنبيهات رمضان) لدى الدولة العثمانية، أن السلطان ذاته هو مَن كان يقوم باختبار واختيار نوعية القمح الذي سيُصنع منه الخبز في شهر رمضان المبارك، وكذلك هو مَن كان يقوم بتحديد وزنه وكمية الملح التي تضاف إليه. حتى إنه كان يختار نوع الحطب الذي يتم حرقه في طهي هذا الخبز، وإذا نال هذا الخبز إعجاب السلطان وأهل الخبرة في القصر، تبدأ الأفران بخبزه وبيعه إلى الأهالي والصائمين. وقبل حلول شهر رمضان المبارك الذي تبدأ التحضيرات له قبل خمسة عشر يوما، يأمر السلطان بتشكيل هيئة لمراقبة الأغذية في الأسواق وتنظيم أسعارها. ولعل قيام السلطان ذاته بالإشراف على أدق التفاصيل إبان هذه التحضيرات، خير دليل على اهتمامه بالرعية واعتنائه بصحتهم. طقوس عثمانية وفي رمضان يوجَّه الأهالي إلى التمسّك ببعض الضرورات والالتزام بها طيلة شهر رمضان المبارك، حيث يقوم الوعّاظ بتذكير الجماعة في المساجد، والمنادون بتنبيه الأهالي في الشوارع؛ بألا يزور أحد منزلا دون إخبار صاحبه أو دون دعوته له. كما شملت الوثيقة على ألا يقوم أحد بتناول الأطعمة أو المشارب في الشوارع، وأن يحرص الناس على الصلوات الخمس جماعة في المساجد، وأن يبذلوا كل ما بوسعهم لنيل بركات هذا الشهر المبارك وفضائله، ثم يُطلب من الأهالي أن يدعوا إلى الدولة العثمانية بالخير والفلاح، وإلى الأمة الإسلامية بالفوز والنجاح. ولابد من التذكير هنا، بأن الدولة العثمانية قامت بتقديم مكافآت كبيرة لأول مَن يرى هلال شهر رمضان المبارك ويخبر اللجنة العليا بذلك. واستمرارا لجولتنا عبر الأماكن في شهر رمضان الذي نطوف عبر نسماته الروحانية بين البلاد الإسلامية لنستقي من عادات وتراث الصائمين في هذا الشعر الفضيل. عندما تتمشى اليوم في شوارع وحارات اسطنبول عاصمة الخلافة الإسلامية في عهد العثمانيين وعهد السلاطين مع تكبيرات مسجد آيا صوفيا حيث يستقبل مسلمو تركيا رمضان بمظاهر البهجة والفرح، مثلما هو الحال عند كل الشعوب الإسلامية في أنحاء العالم الإسلامي. عادات الشهر الكريم وبما أن اسطنبول هي الرمز الإسلامي عند الأتراك بعد أن استقرّت فيها الخلافة، وكانت مقر الخلافة الإسلامية لفترة تزيد عن الخمسة قرون ولاسيما أن فيها عددا كبيرا من المساجد والمعالم الإسلامية، ناهيك عن الأمانات النبوية المقدسة التي أحضرها السلطان سليم الأول عند عودته من الشرق العربي. وتطالعنا وسائل إعلام تركية عن تراثيات وعادات الأتراك في رمضان فيعتمد المسلمون في تركيا الحسابات الفلكية في ثبوت شهر رمضان، وقل من الناس من يخرج لترصّد هلال رمضان. وتتولى هيئة الشؤون الدينية التركية الإعلان عن بدء هلال شهر رمضان المبارك. ومع بدء إعلان دخول الشهر الكريم رسميا تضاء مآذن الجوامع في أنحاء تركيا كافة عند صلاة المغرب، وتبقى كذلك حتى فجر اليوم التالي. ومن العبادات التي يُقبل عليها الأتراك في هذا الشهر قراءة القرآن بشكل يومي في قصر (توبكابي) الباب العالي سابقا، وتستمر القراءة في هذا القصر دون انقطاع في ليل أو نهار ويستمر الأمر على هذا المنوال طيلة أيام الشهر الكريم. ويعرف مظهر إنارة مآذن المساجد عند المسلمين الأتراك باسم (محيا) وهو المظهر الذي يعبّر عن فرحة هذا الشعب وبهجته بحلول الشهر المبارك. ولكل مسجد من المساجد الكبيرة هناك منارتان على الأقل، ولبعضها أربع منارات، ولبعضها الآخر ست منارات. والعادة مع دخول هذا الشهر أن تُمد حبال بين المنارات، ويُكتب عليها بالقناديل كلمات: (بسم الله، الله محمد، حسن حسين، نور على نور، يا حنّان، يا رمضان، خوش كلدي) وأمثال ذلك، وما يكتبونه يقرأ من الأماكن البعيدة لوضوحه وسعته. وتنتشر طيلة أيام الشهر الفضيل دروس دينية في المساجد وقراءة القرآن، وهي من المظاهر الرمضانية البارزة لدى الأتراك. وخاصة في مدينة اسطنبول المشتهرة بمساجدها الضخمة، ومآذنها الفخمة، والتي يأتي في مقدمتها مسجد (آيا صوفيا). ويبتدئ وقت هذه الدروس مع صلاة العصر، وتستمر إلى قرب وقت المغرب. وتُرى المساجد الشهيرة في هذا الشهر عامرة بالمصلين والواعظين والمستمعين والمتفرجين الطوافين من النساء والرجال. والعادة في تركيا أنه حينما يحين موعد أذان المغرب تُطلِق المدافع بعض الطلقات النارية، ثم يتبع ذلك الأذان في المساجد. وبعد تناول طعام الإفطار يُهرع الجميع مباشرة؛ أطفالا وشبابا، ونساء ورجالا صوب الجوامع والمساجد لتأمين مكان في مسجد يؤدون فيه صلاة العشاء وصلاة التراويح، والتأخّر عن ذلك والإبطاء في المسارعة قد يحرم المصلي من مكان في المسجد، وبالتالي يضطرّه للصلاة خارج المسجد، أو على قارعة الطريق. ويلاحظ في هذه الصلاة السرعة في أدائها، إذ لا يُقرأ فيها إلا شيء قليل من القرآن. وقليلة هي المساجد التي تلتزم قراءة ختمة كاملة في صلاة التراويح خلال هذا الشهر المبارك. زيارة الخرقة الشريفة ومن أشهر العادات عند الأتراك في رمضان زيارة جامع الخرقة الشريفة بحي الفاتح بإسطنبول لمشاهدة الخرقة الشريفة التي أهداها الرسول (ص) إلى أوس القرني وقام بنقلها السلطان سليم من الحجاز لإسطنبول أثناء حكمه الدول العثمانية وغالبًا ما يصاحب تلك العادة إقامة سوق حول الجامع لبيع الكتب والهدايا، كما يتميز الأتراك في هذا الشهر بكثرة الموالد ففي كل بيت ومسجد مولد، وقد تقام في الحي الواحد عشرات الموالد التي يمدح فيها النبي (ص).