فى كل رمضان ومع الأيام الأولى دائمًا ما تتحرَّك داخل الدولة جهة فى دائرة الفنانين والمثقفين، وعلى طريقة «وشهد شاهد من أهلها»، لتُصدر بيانا ضد الأعمال الفنية المعروضة، وفى نفس الوقت تمهد الدولة لكى تُشهر أسلحتها الرقابية بعد أن تم توفير غطاء من نقابة أو مجلس منوط به حماية الفن، ليصبح دوره اختراق أى حماية وضربها فى مقتل. لعب المجلس الأعلى للثقافة، بقيادة وزير الثقافة السابق د.جابر عصفور، هذا الدور بعد أسابيع قليلة من تعيينه، حيث جاء بيان المجلس مباشرا فى ضرورة تقييم المسلسلات الدرامية بمعايير أخلاقية، بينما هذا العام مجلس نقابة المهن التمثيلية، برئاسة أشرف زكى، الذى لم يمضِ على انتخابه سوى بضعة أيام قدم رسالة ولاء للدولة، تؤكد «نحن هنا وعلى الخط»، واتهم الدراما بأنها وقحة. لا يمكن تصور أن الأمر مجرد اجتهاد يخطئ ويصيب، لكنه عربون المحبة بين الدولة والمسؤول، سواء أكان مسؤولا رسميا مثل وزير الثقافة، أو مسؤولا شعبيا مثل نقيب الممثلين. ربما تقولون مثلا إن هذه هى قناعاتهم، ومن حقهم إعلانها إلا أن الحقيقة تُكذب ذلك، جابر عصفور مثلا حرص بعد إعلان البيان فى رمضان الماضى على تسريب معلومات تفيد بأنه لم يكن مرحبا بإصداره، لكنها إرادة أغلب أعضاء المجلس الذين استجابوا لدعوة الشاعر فاروق جويدة بضرورة تطبيق أحكام أخلاقية مباشرة على ما تعرضه الشاشة، بينما الوزير السابق فى أحاديثه يرى أن الجهة الوحيدة التى تحاسب الفنان هى الحركة النقدية وليست الدولة. على الجانب الآخر، ولو تذكّرت آخر مسلسل شارك فى بطولته أشرف زكى وزوجته روجينا «كلام على ورق» فى رمضان الماضى ستكتشف أنه أكثر مسلسل نالته انتقادات، لأنه كان يقدم ضمن أحداثه عالم فتيات الليل، بل الأكثر من ذلك فإن هذا المسلسل رفضت عرضه لأسباب أخلاقية الرقابة المصرية بقرار من الرقيب عبد الستار فتحى، لكنه عُرض رغما منها، كما أن روجينا تحتلّ المركز الثانى بعد علا غانم فى الدراما التليفزيونية استخداما للألفاظ الجريئة فى الأعمال الدرامية. من حقّ الأزهر الشريف أن تستفزه ألفاظ أو مشاهد، ويعزلها بعيدا عن السياق، ثم ينتقدها فى بيان، أتفهّم هذا المعيار الدينى بصرامته، وهو ما ينطبق أيضا على المجلس القومى للأمومة والطفولة أو مراكز مكافحة الإدمان بمعيارها الاجتماعى الصارم، لأن الرؤية هنا بطبعها انتقائية، لكن أن تُصدر نقابة ممثلين هذا البيان، وتنتقى ألفاظا أو مشاهد لنجد أنفسنا بصدد إعلان حرب شعواء على الدراما، وكأن النقابة تسكب بنزينا على نيران مشتعلة. نعم، أجد إسرافا تجاريا فى عدد من الأعمال الدرامية، وأكثر من بيت دعارة مزروع فى المسلسلات، لكن لا يعنى ذلك أبدا أن نطالب الجهات الرقابية بأن تتدخل بالحذف، وهى أصلا تتلكك لمنع كل شىء، رقابة التليفزيون المصرى كانت لا تتوقّف عن الحذف من مسلسل «سجن النساء»، وهو أفضل مسلسلات العام الماضى بحجة حماية الأخلاق، هذا العام تم حذف مشهد به اتهام لضابط شرطة فى مسلسل «ظرف أسود»، وبالطبع لو كان طبيبا أو مهندسا ما تحرَّك التليفزيون، كما أن مشهدا آخر للتعاطى تم حذفه فى مسلسل «تحت السيطرة»، لأنه يقدِّم مدمنا يحصل على جرعة، رغم أن المسلسل فى الأساس يواجه تعاطى المخدرات. دور النقابة أن تدافع عن حقوق أعضائها التى كثيرا ما تُضرب فى مقتل، هل تجرؤ نقابة الممثلين مثلا أن تسأل عن مصير مسلسل «أهل إسكندرية» الممنوع عرضه منذ العام الماضى للانتقام من نجميه عمرو واكد وبسمة وكاتبه بلال فضل، بسبب آرائهم السياسية، هذا هو الدور الذى ينبغى أن تلعبه النقابة لحماية الفن، بدلا من أن تتحوّل إلى عسكرى شرطة وسجن كبير للتأديب والتهذيب والإصلاح.