تحقيق: مها البديني .. إذن هى الدماء والأحداث بزمانها ومكانها.. نتحدث عن الوقائع الدموية المميتة التى يُقتل بسببها أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم يَعبرون من اتجاه إلى آخر، أو من اليمين إلى اليسار، لا علاقة لهم بما يحدث إلا أنهم يسيرون فى الطريق بسلام وأمان لتنفجر فى وجوههم قنبلة مميتة مصنوعة بيد إرهابى يريد بها أن ينتقم من كل من أمامه، يضع القنبلة فى المكان المستهدف، سواء عسكريا أو مدنيا، يتركها ويذهب بعيدًا، ينتظر ما قرر أن يقوم به من عملية إجرامية.. انفجار، دماء، صريخ، عويل، ولكن قبل كل ذلك، خطوات لجمع تلك المادة المميتة من السوق المحلية والرقيب غافل أو متغافل، والقوانين تنتظر من يطبقها بصرامة حتى لا يسقط هؤلاء الضحايا الذين لا حول لهم ولا قوة. يسقط أحمد غارقًا فى دمائه أمام دار القضاء العالى فى أثناء مروره وهو معبأ بالحياة والذكريات، يتوقف سيره فجأة، إذ انفجرت قنبلة كتمت صوته إلى الأبد. أما الطفلة نانسى 5 أشهر، فيُحرق جسدها بالكامل هى ووالدها فى أثناء عبوره حاملاً إياها، إذ انفجرت عبوة ناسفة خلف قسم منتزه ثان فى سلسلة التفجيرات التى ضربت مدينة الإسكندرية منذ ثلاثة أشهر. الذى يقوم بتصنيع القنابل يظن أنه يحارب من أجل مبدأ، ولكن كل ما يتعلق به باطل. رواية أخرى تقص نفسها بعد أن سمع أهالى مركز إدفو بمحافظة أسوان دوىّ انفجار فى شارع المركز منتصف المدينة الهادئة بعد صلاة المغرب يوم الاثنين 12 فبراير، يذهب الأهل ليشاهدوا ما يحدث، فإذا بمحمود ملقًى على الأرض غارقًا فى دمائه ورقبته مفصولة عن جسده، وبجواره آثار القنبلة التى قام بتصنيعها، بعد إلقائه عبوتين ناسفتين أمام مركز الشرطة وأخرى أمام المجلس المحلى. نيتروجلسرين وحامض البكريك والأسيتون والبارود الأسود ونترات الأمونيوم والأمونيا.. أشهر المواد المستخدمة فى القنابل اليدوية محتويات المواد المتفجرة تجمَّع من العتبة والموسكى وزارة الداخلية تمنع تداول 75 مادة تُستخدم فى المفرقعات.. والرقابة معدومة على المواد الكيميائية وفقًا لما توصلت إليه «التحرير»، فإن القنابل التى تودى بحياة الأبرياء بسبب العمليات الإرهابية والاستهدافية للجهات الشرطية، تُصنع من المواد الكيميائية الخطرة المزدوجة والتى تسمى ب«المتفجرات الشعبية»، وهى متوفرة ولا توجد رقابة عليها، كما أنها مواد حارقة يتم خلطها لتفرز مادة ثالثة شديدة الانفجار، ويتم صناعتها بواسطة وجود كيميائى متخصص أو مهندس ميكانيكا، بعض المواد الكيميائية التى تتداخل فى صناعة القنبلة تتوفر فى الأسمدة الزراعية، أو يتم صرفها كأدوية للمرضى فى الصيدليات، ولأن الرقابة غائبة فقد أصبح من الطبيعى التداول والمزج بين تلك المواد، وذلك كما حدث عندما اكتشفت الجهات الأمنية فى 19 مايو الماضى، شقة مستأجرة فى منطقة دار السلام بها معمل لصناعة المواد المتفجرة. قنابل فى الصيدليات.. مرهم الحروق والجلسرين والفزلين من أنواع المواد الكيميائية المتداولة، والتى يتم استخدامها فى صناعة القنابل والمتوفرة فى الصيدليات المعروف ب«حامض البكريك» ويستخدم كمرهم لعلاج الحروق من الدرجة الثالثة، وكلوريد البوتاسيوم ويباع لمرضى ارتفاع الضغط الدموى «Potassium chloride KCl»، وكذا الأسيتون الذى يستخدم فى إزالة طلاء الأظافر وهى مادة حارقة ومشتعلة، ومرطب البشرة «الجلسرين» أو الفزلين، وماء النار أو حمض النيتريك وهى مادة حارقة للجلد، والسبرتو أو الكحول أو مطهر الجروح الذى يحتوى جزء منه على مادة حامض البكريك، وأصباغ الشعر، والألعاب النارية التى تحتوى على البارود الأسود، كلها مواد تستخدم فى صناعة القنابل والمواد المتفجرة. أما شركات الأسمدة الزراعية فإنها تبيع كل ما يساعد على تخصيب النباتات ويتم استخدامه كمفرقعات «Ammonium nitrate» مثل الأمونيا ونترات الأمونيوم والمعروف ب«السماد الأزوتى». بتلك المواد التى يسهل جمعها من السوق والأسمدة الزراعية والصيدليات ويُنشَّط بعضها ببعض (TNT) يتم تصنيع قنبلة شديدة الانفجار. أما الألعاب النارية فممنوع تداولها وفقًا للقرار رقم «7330» الصادر من وزارة الداخلية لسنة 1994 والموازى لقانون منع تداول الأسلحة والمواد فى حكم المفرقعات، والتى إذا ما تم وضعها بكميات كبيرة مع بعض المواد الكيميائية الأخرى فإنها تسهم فى تصنيع ما يسمى البارود الأسود، الذى يتسبب انفجاره فى حريق هائل. أخطر 7 مواد من المفرقعات تكشف «التحرير» وجود 7 مواد خطرة وغير مصرح بتداولها من قبل وزارة الداخلية وتعتبر من المفرقعات، وهى مواد يتم استعمال مستخلصاتها فى إنتاج القنابل المصنوعة يدويًّا، وهى كالآتى: «نيتروجلسرين، حامض البكريك، الأسيتون، البارود الأسود والموجود فى المخاليط النارية أو الألعاب النارية، ونترات الأمونيوم والأمونيا»، ويلزم لتداولها تصريح من وزارة الصناعة ووزارة البيئة ووزارة الداخلية حسب القرار الصادر من رئاسة الوزراء رقم 338 لسنة 1995، والذى ينص على ضرورة اتخاذ إجراءات منح التراخيص بتداول مواد ونفايات خطرة مع تقديم كل البيانات عن المنشأة وأسباب استجلاب المواد الكيميائية لبيان سبب استعمالها مع تحديد اسم المنشأة وصاحبها، ولكن بعض تلك المواد يتم تهريبها من الخارج مثل الألعاب النارية أو يتم بيعها فى السوق السوداء، وبعض المنتجات يتم بيعها لاستخدامات أخرى مثل الأسيتون أو مزيل طلاء الأظافر وأصباغ الشعر والجلسرين ومطهر الجروح وماء النار، ورغم وجود ترخيص لبعضها فإنه لا توجد رقابة على طريقة تداولها، كصرف الأدوية دون «روشتات»، وصرف الأسمدة الزراعية دون حيازة أرض أو صورة بطاقة الرقم القومى، وعلى الرغم من وجود ترخيص باستجلاب الأسمدة الزراعية فإن بعض الأسمدة الزراعية قد يضيع جزء منها فى أثناء النقل أو تتم سرقته بغرض تصنيع العبوات الناسفة. الإنترنت.. طريقك لتصنيع قنبلة يمتد غياب الرقابة عن السوق، إلى عالم الإنترنت، فبمجرد كتابة جملة «كيف تصنع قنبلة؟» على محرك البحث، تظهر لك آلاف المواقع والفيديوهات التى تساعدك على تصنيع القنبلة تفصيلاً، وقد تحصلت «التحرير» على شرح مفصل بالمعادلات الكيميائية لكيفية صناعة قنبلة يدوية. طرق صناعة المتفجرات متوفرة بالصوت والصورة على محركات البحث، بالإضافة إلى مئات المواد المنشورة عن طريق المتخصصين من الكيميائيين، ونذكر منها بحث «المتفجرات الشعبية» للكيميائى طارق إسماعيل كاخيا، إذ شرح فيه طرق استخدام المواد المتفجرة والقنابل عن طريق الخلطات الكيميائية المزدوجة بالجرامات المحددة ومزج المواد الأخرى لصنع متفجرات خاصة للجهاديين، كما ذكر فى بحثه. وينشر المركز الأمريكى المحلى الكيميائى «سانديا» بحثًا مفصلًا بعنوان «الأمن الكيميائى والمواد الكيميائية ذات الاستخدام المزدوج»، ووصفات لصناعة المتفجرات، ذكر فيها خطورة النترات وحامض النيتريك وحامض الكبريتيك وحامض البكريك، كما يقتبس من «كتيب الإرهابيين» طرق الحصول على المواد الكيميائية بشكل غير قانونى عن طريق سرقة تلك المواد الكيميائية من الكليات والجامعات. مواد كيميائية خطرة بموافقة الشرطة «مستحيل يتم تمرير هذه المواد دون موافقة وزارة الداخلية» هكذا يقول د.خالد عمر محمد، الدكتور فى كلية الصيدلة جامعة القاهرة، إذ يؤكد وجود إخطار من الشرطة قبل جلب تلك المواد إلى الكلية، إذ يتم استعمالها فى بعض المعامل، وأضاف عمر أن هذه المواد شديدة الخطورة وقابلة للانفجار إذا ما تم مزجها، ويتم استخدام كميات قليلة جدا من مادة كلوريد البوتاسيوم «الخطرة» لمرضى ارتفاع الضغط الدموى والرئة والقلب، وتكون بكميات نسبية وطبية محدودة جدا. «مواد خطيرة جدا وابتعدى عنها» هكذا يشدد د.محمد عبد المنعم، الدكتور بقسم الكيمياء بكلية العلوم جامعة القاهرة، إذ يشير إلى خطورة المواد وبالخصوص «نترات البوتاسيوم، ونترات الأمونيوم، والنيتروجلسرين»، كما أكد عدم دخول تلك المواد إلى الكلية إلا بعد موافقة وزارة الداخلية. ومن الجهة الجنائية والقانونية يقول نبيه الوحش المحامى فى المحاكم الجنائية، إن المشرع المصرى لديه انفصام فى الشخصية بسبب سهولة الحصول على تلك المواد المتفجرة من المحلات فى سوق العتبة والموسكى، وفى نفس الوقت تتم مصادرتها من الجمارك إذا ما تم اكتشافها، لذا يجب تشديد الرقابة، وذلك ببيع المنتجات المذكورة عن طريق بطاقة الرقم القومى لكل من يريد التحصل عليها للحد من استخدامها فى النشاط الإجرامى. ويقول الوحش إن مواد مثل البارود الأسود والألعاب النارية والمواد الكاوية مثل ماء النار أو «حامض النيتريك» يتم التحصل عليها من الأسواق دون رقيب، فهناك إهمال شديد من الجهة الرقابية والأمنية. ويعاقب قانون العقوبات كل مَن يقوم بتصنيع القنابل بالسجن المشدد، كما يتم تنفيذ قانون الإرهاب الجديد عليه، والذى تنص مادته رقم 179 على أن «على الدولة حماية الأمن والنظام العام فى مواجهة أخطار الإرهاب وينظم القانون أحكاما خاصة بإجراءات الاستدلال والتحقيق التى تقتضيها ضرورة مواجهة تلك الأخطار وذلك تحت رقابة من القضاء». وعن رأى وزارة الداخلية فى هذا الشأن فقد صرح مصدر أمنى بأن تلك القوانين هى من قوانين العقوبات فى حُكم المواد التى تستخدم كمفرقعات ويُمنع تداولها، وإذا ما ثبت وجود تلك المواد أو تداولها من قبل شخص ما يتم القبض عليه وتنفيذ القانون وتتولى النيابة التحقيق معه وفقًا للإجراءات. والمواد الممنوعة من التداول وفقًا للقرار الصادر من وزارة الداخلية برقم 7330 لسنة 1994 والمنشورة فى «الوقائع المصرية» بتاريخ 29 سبتمبر عام 1994 تضم bvo والآمن بينها: «فليمنات الزئبق- أزيد الرصاص- أزيد الفضة- أزيد البرايوم-ثلاثى أزيد السيانوريك- التترازين- الداينول- استيفانات الرصاص- هسكا ميثلين تراى بيروكسيد دا مين- النيترومانيت-كبريتيد النيتروجين- سيلينيد النيتروجين ثلاثى النيتروبنزين- كلوريد البكريل- ثلاثى نيترو طولوين- النافيت- حامض البكريك- البكراميد- بكرات الأمونيوم- حامض النيتريك المركَّز الأعلى 70% أو ماء النار- كلورات وبيركلورت البوتاسيوم- كلورات وبيركلورات الصوديوم- نترات البوتاسيوم- نترات الصوديوم». متفجرات في 6 خطوات 1- فى سوق العتبة تشترى معدة التحقيق مادة الجلسرين من أحد العطارين المنتشرين فى السوق. 2- فى الأمام قليلاً حيث الشوارع الضيقة داخل سوق الموسكى، تقف أمام أحد أكبر مخازن الألعاب النارية فى المنطقة، إذ تحصلت على كميات من «الصواريخ والألعاب النارية التى تتراوح أسعارها بين 15 و80 جنيهًا». 3- فى إحدى الصيدليات تشترى مزيل طلاء الأظافر ومطهر الجروح «البيتادين» ومرهما للحروق. 4- لماذا لا يتم تشديد الرقابة على المواد الكيميائية التى هى فى حكم المفرقعات والتى تباع فى الأسواق مثلما يتم التشديد على الباعة الجائلين؟! 5- على بُعد خطوات قليلة من مديرية أمن القاهرة فى امتداد شارع «حسن الأكبر» تشترى معدة التحقيق بعض الأسمدة الأزوتية بعد إقناع البائع بضرورة أخذ كمية معها لزراعة شجيراتها، فيؤكد عدم وجود مادة نترات البوتاسيوم لتشديد الرقابة. 6- جمعت معدة التحقيق المواد واتجهت لعمل تجربة تصنيع القنبلة المصغرة، لتحترق يداها وهى تخلطها.