ظهرت فى فترة ما بعد 30 يونيو 2013 ملامح لتقارب واسع النطاق، بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجى، خصوصا المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة الكويت، ومملكة البحرين، أولًا: يمكن تحديد عدد من الملامح والسمات للتحالف الخليجى المصرى خلال عام من حكم السيسى كما يلى: 1- عدم وجود سياسة خليجية موحدة تجاه التحالف مع مصر، ففى الوقت الذى توجد فيه مصر كدولة واحدة، لا يوجد خليج واحد، بل هناك ثلاث رؤى خليجية وثلاثة مواقف خليجية تجاه مصر نفسها. فالعلاقات المصرية القطرية تختلف عن العلاقات المصرية السعودية، التى تختلف بدورها عن العلاقات المصرية العمانية، وهكذا، لاعتبار خاص بمحورية «الطرف الثالث» فى العلاقات الخليجية المصرية، وهو الإخوان المسلمين، بعد ثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، فلا يمكن التعامل مع المخاوف الخليجية من الصعود أو الهبوط الإخوانى فى مصر، باعتبار أن دول الخليج «كتلة واحدة»، إذ توجد تمايزات بينها. 2- أعاد حكم الرئيس السيسى مسألة التحالفات أو «المحاور» مرة أخرى على الساحة الإقليمية، لكنها تحالفات مرنة وليست جامدة، فلم تعد الصيغ التقليدية «الاعتدال والممانعة» «المع والضد»، صالحة لفهم التفاعلات الحالية فى الإقليم، فمن الواضح أن حالة الاصطفاف ليست جامدة، وترتبط بقضايا محددة، دون أن تنسحب على باقى القضايا الإقليمية، ومن أبرزها الصراع فى سوريا التى يختلف الموقف المصرى عن الموقف الخليجى خصوصا السعودى، فى آليات الحل. ثانيا: تتعدد المصالح المشتركة الخليجية والمصرية خلال العام الأول لحكم السيسى، ويمكن إيجازها فى النقاط التالية: 1- التوازن فى سياق العلاقات الإقليمية، خصوصا فى إطار النظام الإقليمى الخليجى الذى يضم دول مجلس التعاون الخليجى الست والعراقوإيران، إذ إن دول الخليج تتطلع -استنادا إلى خبرة العقود الثلاثة الماضية- إلى مصر كأهم حليف عربى لهم ضد ما يسمى «التهديد الإيرانى للمصالح الخليجية». 2- تحجيم النفوذ القطرى فى المنطقة، حيث سعت الدوحة خصوصا بعد تحولات 2011 وصعود الإخوان المسلمين فى دول الثورات العربية، فقد تحولت الدوحة من مجرد وسيط محايد بين الأطراف المتصارعة إلى «طرف إقليمى شريك» فى النزاعات فى المنطقة العربية، بحيث تشارك بصيغ مختلفة فى إدارة ملفات المراحل الانتقالية فى شكل ثالوث مع واشنطن والحركات الإسلامية البازغة إلى سدة الحكم. 3- الضمان الأمنى، هناك عديد من التحديات الأمنية المشتركة بين تلك الدول، سواء على مستوى التهديدات الأمنية الداخلية فى مواجهة الإرهاب والجماعات المتطرفة المنتشرة بقوة فى دول المنطقة أو فى مواجهة التدخلات الإقليمية من جانب إيران وبعض دول الإقليم، الأمر الذى حدا ببعض الفاعلين الإقليميين، دولا وجماعات، لاستغلال حالة الاضطراب الإقليمى لتحقيق منافع آنية، وهذا يتطلب رفع مستوى التنسيق الأمنى بين تلك الدول على جميع المستويات المعلوماتية والاستخباراتية والتدريب الأمنى والعسكرى المشترك، لخلق درع مانعة فى مواجهة مجمل التحديات الأمنية، وهذا ما يتم الآن من محاولات لإنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة. ورغم تعدد المصالح المشتركة المصرية الخليجية فهناك تباينات فى الرؤى السياسية بين الجانبين «المصرى- الخليجى»، تجاه الأزمتين السورية والليبية، فبينما تفضل مصر الحل السلمى فى سوريا، دعمت دول الخليج خصوصا المملكة العربية السعودية وقطر التدخل العسكرى وتسليح المعارضة السورية، وعلى العكس فى الأزمة الليبية، بينما تميل مصر إلى الحل العسكرى تفضل المملكة العربية السعودية وقطر الحل السياسى. وفى ما يتعلق بالملف النووى الإيرانى، خصوصا اتفاق لوزان الأخير، تتبع مصر «استراتيجية الصمت» على الرغم من المخاوف الخليجية إزاء هذا الاتفاق. ثالثا: العلاقات «المصرية- الإيرانية» كان التوتر هو السمة الغالبة على العلاقات المصرية الإيرانية -خلال فترة العقود الثلاثة الأخيرة- منذ سقوط نظام الشاه، وتوقيع مصر لمعاهدة السلام مع «إسرائيل» فى عام 1979، ووقوف مصر إلى جانب العراق فى حربها ضد إيران فى عهد مبارك. ولكن خلال حكم مرسى شهدت العلاقات بين البلدين انفراجة، تجلت بوادرها فى الزيارات الرسمية على المستوى الرئاسى بين البلدين، والتى كانت لأول مرة منذ الثورة الإسلامية، فضلا عن تشجيع السياحة الإيرانية فى مصر. وخلال حكم السيسى، عادت العلاقات إلى طبيعتها بعض الشىء -كما كانت فى الماضى- قبل حكم مرسى، وإن كانت ليست بنفس الدرجة. فمن ناحية الجانب المصرى، وجهت مصر دعوة إلى الجانب الإيرانى لحضور تنصيب السيسى رئيسا لمصر، وكأن القاهرة تميل إلى عدم الدخول فى صدام ومواجهة مع طهران، بل وعلى استعداد لفتح قنوات اتصال وخاصة بشأن الأزمة السورية باعتبار إيران رقما صعبا فى المعادلة. رابعا: السيناريوهات المستقبلية للعلاقات المصرية الخليجية والإيرانية إن العلاقات المصرية الخليجية فى الوقت الراهن تعد من الثوابت بالنسبة إلى نظام حكم السيسى، ولكن هل ستستمر تلك العلاقات على نفس المسار؟ وما تأثير ذلك على العلاقات المصرية الإيرانية؟ هناك سيناريوهان محتملا الحدوث فى مسار العلاقات المصرية الخليجية- الإيرانية، كما يلى: السيناريو الأول: وهو السيناريو الأرجح حدوثا، ويتمثل فى بقاء الوضع كما هو عليه، أى استمرار العلاقات الاستراتيجية المصرية الخليجية والاتفاق حول بعض قضايا المنطقة، وتفضيل عدم المواجهة المباشرة مع طهران، وإمكانية فتح الحوار مع طهران حول الأزمة السورية، لأنها أصبحت فى الوقت الحالى، على وجه الخصوص، فاعلا مهما فى المنطقة، لمصالحها فى اليمن مع الحوثيين، وسوريا مع نظام الأسد، والعراق، ولبنان. السيناريو الثانى: ويتمثل فى المواجهة والصدام ضد طهران إلى جانب الخليج، أو لجوء دول الخليج إلى استراتيجية الضغط -بورقة الدعم والاستثمارات- لتبنى القاهرة موقف المواجهة والصدام مع طهران. ويبقى التساؤل الأهم هل ستنتصر استراتيجية الصمت أم سياسة مسافة السكة خلال العام الثانى من حكم السيسى؟