فى السياسة لا يوجد حليف دائم ولا عداء مستمر، فالقوى التقليدية المتنافسة فى أوروبا: فرنسا وبريطانيا وألمانيا، تحالفوا تحت مظلة الاتحاد الأوروبى، فحربان عالميتان أوروبيتان جعلتا القارة العجوز تعى الدرس، فهل يمكن للعرب أن يعوا الدرس هم أيضًا؟ أحاديث كثيرة تدور الآن حول زيارة أردوغان للسعودية والتغيرات فى سياسة المملكة وأولوياتها بعد وفاة الملك عبد الله، ووصول الملك سلمان إلى سدة الحكم، وتساؤل حول التقارب السعودى التركى وتأثيره على العلاقة مع مصر؟ العلاقات السعودية التركية ظلت باردة على مدى سنوات طويلة، بعد موقف أتاتورك واختياره العلمانية والتوجه صوب أوروبا، وبعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم استبشر العرب خيرًا والسعودية منهم، واستطاع أردوغان أن يقدم نفسه للعالم بصورة الإسلامى المعتدل الذى يمكن للغرب أن يثقوا به والعرب والمسلمين أن يعجبوا به. وقام الملك عبد الله، رحمه الله، بزيارة لتركيا عام 2006 كانت الأولى لعاهل سعودى منذ 40 عامًا، وكانت نقطة تحول فى العلاقة بين البلدين السنيين، بعدها أبرمت المملكة مع الأتراك صفقة أسلحة ضخمة، ثم جاءت زيارة الملك سالمان حين كان وليًّا للعهد ووزيرًا للدفاع لأنقرة فى مايو 2013 لتدشين عهد جديد من العلاقات بين البلدين، مع الوعى بضرورة توحيد القوى والعمل المشترك، وبخاصة فى ما يتعلق بالملفين السورى والإيرانى، ولكن الأمور تعقدت بعد الموقف التركى من ثورة يونيو المصرية، ففى حين أيدت وساندت السعودية ثورة الشعب المصرى على حكم الإخوان كان موقف أردوغان معاديًا وما زال. الآن تعيش المنطقة أزمة حقيقية، الموقف السورى يمر بتعقيدات بالغة، وبخاصة بعد وجود "داعش"، توسعت رقعة الصراع مع التمدد الإيرانى فى لبنانوسوريا والعراق، وسيطرة الحوثيين على اليمن، والتقارب الأمريكى الإيرانى فى الملف النووى وتوابع ذلك، فكان لزامًا على السعودية أن تبدأ فى وضع استراتيجية جديدة، وبخاصة أنها الدولة الأكبر فى مجلس التعاون الخليجى، ووزنها السياسى ودورها الإقليمى يتطلبان منها مسؤوليات كبيرة تجاه أمن الخليج واستقراره. ولذا تسعى السعودية لإيجاد حلفاء جدد فى الصراع الذى كسبت فيه إيران أرضًا جديدة، وليس هناك أفضل من تركيا لما لها من دور إقليمى، خصوصًا إذا ما أبرمت إيران اتفاقًا نوويًّا مع الغرب، فإن تركيا ستصبح قطبًا ضروريِّا يمكن أن يعمل مع الأقطاب الرئيسية الأخرى لبناء حلف يوازن ويمنع التمدد الإيرانى فى المنطقة، والذى يؤثر بشكل مباشر أيضًا على أمن واستقرار تركيا، كما أن تركيا لها تأثير كبير فى سوريا، ولا يمكن إيجاد حل سورى دونها. ومن جهة أخرى فإن مصر دولة محورية ولها وزنها الإقليمى أيضًا، وفى حديث السيسى لجريدة "الشرق الأوسط" قال إن زيارته للرياض تهدف إلى مناقشة كل ما يتعلق بالمنطقة العربية والتحديات التى تحيط بها، والتطورات فى اليمن، وكيفية حماية الملاحة البحرية عبر باب المندب، كما أكد أن علاقته بالخليج علاقة أمن قومى مصرى، ومصر ملتزمة بأمن الخليج، وتسعى لإنشاء قوة عربية مشتركة لحماية الدول العربية وأمنها القومى، وبالنسبة إلى ملف الإرهاب قال إن العمل يجب أن يكون جماعيا وعلى جميع الأصعدة، وأضاف نقطة مهمة جدا هى أن مصر لا تبحث عن "دور" وإنما عن "حالة" عربية قوية لمواجهة المخاطر والتحديات. الدور التركى الذى يمكن للسعودية أن تطلبه من أردوغان لا يتعارض مع ما ينشده السيسى، بل يكمل بعضهما البعض، وليس من مصلحة تركيا معاداة مصر، وعلى قادتها أن يعيدوا قراءتهم للوضع الإقليمى، فمصر ودول الخليج والأردن تشترك مع تركيا فى الكثير من المصالح والأهداف الكبيرة، ويمكن أن يكون هناك تحالف بينهم، ولكن تفعيل هذا التحالف يتوقف على فهم تركيا لموقعها وتقديرها لدور مصر فى محيطها العربى والإقليمى والدولى.