زيارتان، واحدة من خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى القاهرة، والأخرى من الرئيس الإيرانى حسن روحانى إلى أنقرة! زيارتان تحويان كثيراً من الدلالات السياسية والمتغيرات الإقليمية، كل واحدة تؤسس لتحالف مضاد فى منطقة تموج بمتغيرات كثيرة. زيارة خادم الحرمين الشريفين لمصر بغض النظر عن ظروفها وطبيعتها وبروتوكولاتها ترسل إشارات عديدة، لعل أهمها هو تأكيد تأسيس الحلف الجديد الذى ولد بعد 3 يوليو ويتكون من مصر والسعودية ومعهما دول الخليج باستثناء قطر، إشارات كثيرة وصلت إلى الواقفين فى الجانب الآخر لمصر. حسن روحانى فى اليوم الثانى لتولى «السيسى» رئاسة مصر يتحرك إلى تركيا فى زيارة هى الأولى لرئيس إيرانى منذ عام 96، وهنا أسئلة كثيرة عن دلالة التوقيت، وأسئلة أخرى عن الغاية والهدف؟ ليست مصادفة إطلاقاً أن يكون توقيت الزيارة فى اليوم الأول لولاية السيسى، فبلغة السياسة، لا شىء مصادفة حتى لو كان كذلك. ثم ما الذى يجعل الخصوم أصدقاء؟ معروف أن إيران تناصب تركيا العداء بسبب موقف أردوغان والقيادة التركية المعادى لبشار الذى تدعمه إيران باعتباره القدم الإيرانية فى المنطقة؟ ما الذى تغير؟ الذى تغير هو أن مصر عادت إلى دورها الحقيقى لتكون حجر الأساس فى تركيبة الشرق الأوسط بعد أن أهانها مبارك وأجلسها على دكة الاحتياط، مصر تعود هذه المرة ليست عودة منفردة بل تعود فى تحالف عربى ملحوظ، تحالف يؤسس لتكتل عربى حقيقى، تكتل يقوم على الندية والوعى بمتغيرات المرحلة. التكتل الذى أقصده بداً ثنائياً عبر مصر والسعودية وتعمق بزيارة خادم الحرمين إلى القاهرة، كما يسعى حسن روحانى ومعه أردوغان ليبدآ تكتلاً ثنائياً مواجهاً فى الطرف الآخر. أردوغان منذ اندلاع الثورة السورية كانت مواقفه متطابقة مع الموقف العربى والخليجى، خصوصاً السعودى الداعم للثورة السورية والمندد بأفعال بشار الجزار، ظل الأمر هكذا حتى قامت ثورة 30 يونيو المصرية، وسقط مرسى حليف أردوغان ومعه الإخوان، وقتها اختلف موقف أردوغان معتبراً أن المملكة ستفضل الصمت مقابل أن تضمن موقف أردوغان الداعم لها فى الموقف السورى لكن لم يلبث الأمر أن تغير تماماً، بالعكس شكلت المملكة رأس حربة الدفاع عن الموقف المصرى فى مواجهة الاتحاد الأوروبى. ثم بعدها بدأت ملامح الحلف الجديد فى التشكل، فجاءت المناورة العسكرية المشتركة بين مصر والإمارات، ثم مع البحرين لتؤكد تأسيساً حقيقياً لشراكة ليست اقتصادية فقط، وإنما تصل لأن تكون عسكرية، والدليل تأكيدات «السيسى» على أن تحرك الجنود المصريين تجاه الخليج لن يتطلب سوى مسافة السكة «حسب تعبيره» وهذا فى سياق حديثه عن أن أمن مصر من أمن الخليج، والذى يعرف طبيعة الملف الخليجى يجد أن التهديد الحقيقى يأتى من الشاطئ الآخر للخليج العربى، من إيران. إذن، رسالة السيسى وصلت إلى حسن روحانى وهكذا وصل موقف السعودية ومعها دول الخليج باستثناء قطر إلى أردوغان. أردوغان فى يناير الماضى، قام بزيارة إلى طهران وصفت وقتها بأنها زيارة اقتصادية، لكنها كانت استشرافاً حقيقياً من سياسى داهية لتغيرات قد تحدث فى المنطقة، أهمها أن يقود مصر رجل بحجم «السيسى»، لأن شخصية «السيسى» ستخلق التفافاً عربياً حقيقياً وهذا ما حدث بالفعل. ليست مصادفة أيضاً أن يعلن «عبداللهيان» مساعد وزير الخارجية الإيرانى هنا فى القاهرة خلال المؤتمر الصحفى الذى عُقد بمقر بعثة خدمة المصالح الإيرانية أنه لا مانع إطلاقاً من حضور إيران لقمة رباعية تجمع مصر، والسعودية، وتركياوإيران»، فى الوقت الذى يعلن فيه حسن روحانى من أنقرة وبجواره أردوغان عن تعاون يسعى لخدمة المنطقة، هى إذن جزرة يلوح بها «عبداللهيان» فى القاهرة، وعصا يلوح بها روحانى وأردوغان فى أنقرة.