وسط الجدل المتفجر حول قبول الشاب محمد سلطان التنازل عن الجنسية المصرية مقابل ترحيله إلى الولاياتالمتحدة التى يحمل جنسيتها، وفق قانون ترحيل المتهمين الأجانب، لا يمكن أن تحكم على هذه الخطوة حكما صحيحا إلا إن كنت مكانه، وأمامك مقايضة واضحة، السجن بالجنسية المصرية، أو الحرية من دونها. لا يكفى الكلام الجميل الوطنى حول عدم بيع الجنسية المصرية ولو كان الثمن العمر كله، من أناس لم يمروا بذات التجربة، ولم تتوافر لهم ذات الظروف، بوجود جنسية ثانية، ووجود اتهام ترى من الصعوبة الخروج منه دون سنوات فى السجن، ووسط حالة من عدم الثقة فى الإجراءات والمحاكمات واتهامات بتسييسها كما يعتقد سلطان ورفاق سجنه. الشاب سلطان إخوانى، هكذا يقولون، ويقولون إن الإخوان لا يكترثون للوطن، وليس له محل من الإعراب فى فكرهم، وهذا ما سهل عليه التنازل عن الجنسية، وهو قول يغفل 500 يوم فى السجن ومعاناتها، ويتناسى أن الصحفى «الكندى» محمد فهمى ليس إخوانيا لكنه أيضا قبل المقايضة تحت ضغط ظروف السجن، ويسعى حاليا لاستعادة جنسيته المصرية بعد تنازله عنها. دون دفاع أو هجوم فهذا قرار شخصى، لا يمكن فهمه إلا إذا كنت فى ذات الظروف، والمقارنات بين سلطان وغيره من الشباب المحبوس من غير حاملى الجنسيات الأجنبية ليست مقارنات صحيحة، وعلى الأقل سهامها لا يجب أن توجه إلى سلطان، وإنما إلى الدولة التى منحت الأجانب ميزات استثنائية تجعل المصرى فقط يُعاقب على جريمة حتى لو ارتكبها مع شريك أجنبى، لأن المراكز القانونية بينهما لم تعد متساوية. هذا هو ما يهمنا فى هذه القضية تحديدا، وما يهمنا أكثر أن يكون الخطاب الرسمى حولها واضحا وشجاعا، لكن الحاصل أنه خطاب يستخف بعقول المصريين منذ أن صدر القانون 140 لعام 2014 الخاص بترحيل المتهمين الأجانب. فالبيان الرسمى يتحدث عن استكمال المتهم محمد سلطان عقوبته فى الولاياتالمتحدة، ونص القانون ذاته يتحدث عن منح الرئيس حق الموافقة على تسليم المتهمين الأجانب ونقل المحكوم عليهم إلى دولهم لمحاكمتهم أو تنفيذ العقوبة المقضى بها. فهل تعتقد أن تحقيقا سيُستكمل مع محمد سلطان أو عقوبة ستنفذ فى الولاياتالمتحدة؟ قطعا لن يحدث، ببساطة تستطيع أن تنظر إلى مصير من سبقوه وخرجوا وفق ذات القانون، أى متهم أجنبى خرج وعاد إلى بلاده وتم استكمال التحقيق معه أو نفذ عقوبة ما؟ الصحفى الأسترالى بيتر جريستى، الذى كان محكوما عليه بسبعة أعوام فى قضية «خلية الماريوت» ليس محتجزا فى بلاده، ولم يُحقق معه، ولم يستكمل يوما واحدا من عقوبته، بالعكس، يتحرك فى كل منتدى ومؤتمر يخص الصحافة والصحفيين فى العالم ليحكى تجربته فى السجون المصرية ومع القضاء المصرى بكل ما فيها من جوانب سلبية تضر بصورة مصر دوليا، والصحفى الكندى محمد فهمى، المحكوم عليه بعشر سنوات، يقضى فى مصر أكثر مما يقضى فى كندا، دون ملاحقات أو تحقيقات. لماذا صدر القانون إذن؟ لشرعنة إطلاق سراح متهمين بعينهم، قضاياهم تمثل ضغطا سياسيا على الدولة من قبل حكومات غربية، فإذا كنت فى جميع الأحوال ستذعن للضغوط، فلماذا لم تبادر بنفسك بالعفو، وهو التسمية الصحيحة لما جرى، لأية أسباب صحية أو قانونية؟ هل تعتقد أنك انتصرت بدفعه أو إجباره أو مقايضته على التنازل عن جنسيته؟ ربما كان هذا صحيحا إذا كان ذهنك ما زال لا يخاطب سوى الشارع فى مصر وبعض وسائل الإعلام فيه، لكن حدثنى عن صورتك فى العالم، أيهما كان أنسب: عنوان يقول: «مصر تعفو عن محمد سلطان»، أم «مصر تدفع سلطان إلى التنازل عن جنسيته لنيل حريته»؟ ما دامت النتيجة فى جميع الأحوال أن الشاب سيكون حرا. لكن لا أحد ممن أداروا هذا الملف يكترث لهذا الفارق، والأرجح أنه لا يستوعبه، ويرضيه فقط صورة سلطان وهو يسجد فى مطار نيويورك، يتلقفها بفرح ويكلف إعلامه بالتركيز عليها لإثبات أن ولاء الشاب «الخائن بالفطرة» لأمريكا وليس لمصر، والحقيقة أن هذه الصورة فى وعى الرأى العام الدولى مفهومها مختلف تماما عن سجين سياسى نال حريته بكل تأثيرها الدعائى المضاد. هزمتم محمد سلطان فى ملعبكم.. لكنه هزمكم فى كل ملاعب العالم، وأنتم تصرون على اللعب المحلى الذى لا يكفى لإعلان انتصار.