قرأت منذ أيام عن «نحمده» أو «أم أحمد»، تلك المرأة المكافحة التى اضطرتها ظروف الحياة الصعبة ومتطلبات أطفالها إلى العمل فى أكثر من محل، حتى وصلت بها الحال إلى العمل سائقة تاكسى فى شوارع القاهرة. ظروف صعبة ساهمت فيها سنوات متعاقبة من ضغط اللى فوق على رقبة اللى تحت، ومن نهب اللى فوق لقوت اللى تحت. ولكن إذا نحينا مسؤولية الدولة ومسؤوليها جانبا باعتبارها رقما أساسيا فى هذه المعادلة الحزينة، فهل رحم الناس البسطاء المشتركون فى الظروف المهببة «أم أحمد» وجنبوها عنصريتهم البغيضة وكلامهم الجارح وتلميحاتهم المسفة؟ بالطبع لا. تتعرض «أم أحمد» لكثير من المواقف التى تعرى ما وصل إليه هذا الشعب، ينهبها بعض الركاب فى الحساب لأنه يعرف أنها امرأة لن تستطيع الجرى خلفه، يرفض البعض الآخر الركوب مع امرأة سائقة، لأنه يرفض أن تقوده واحدة ست، وكرامته لا تسمح، رغم أن كرامته من الممكن أن تهان فى نفس اللحظة من أى أمين شرطة يمارس بلطجته على خلق الله، تتعرض لمئات المعاكسات والتلميحات والغمز واللمز. هل هذه المواقف سببتها الحكومة؟ بل نحن للأسف. أعطونى أمارة واحدة على أننا شعب متدين بطبعه كما يقولون، الرحمة لم تعد تحتل جزءا من قلوبنا، أصبحت رائحة عنصريتنا وتجبّرنا على خلق الله البسطاء الباحثين عن لقمة العيش تزكم الأنوف، أصبحتُ مقتنعا أن هذا الخنوع الذى أراه أحيانا من الناس أمام اللى فوق ليس لأنهم طيبون مسامحون، بل لأنهم لا يملكون سلطة، فإذا ملكوها سيدوس بعضهم على رقاب بعض. «أم أحمد» لم ترحمها ظروف بلدها المنهوب على مر الأجيال من الناس اللى فوق، فعلى الأقل اجعلوها تتلمس العطف والاحترام والعون من شركائها المقهورين المكبوتين الغلابة، الناس اللى تحت.