جلست منبهرة، لم أغادر مقعدى طوال مدة العرض العسكرى الروسى فى عيد النصر، الذى بلغ نحو 80 دقيقة، العرض أقيم فى الساحة الحمراء بموسكو بمناسبة الذكرى السبعين لانتصار الجيش الأحمر على الجيش الألمانى النازى عام 1945. العرض كان مبهرًا ضخمًا وفخمًا، تم نقله تليفزيونيا بحرفية بالغة زادت من روعته، ضم 16 ألف عسكرى و200 قطعة من المعدات الحربية و150 طائرة. هذا العام الوضع مختلف، بوتين لديه رسائل يريد أن تصل إلى جيرانه فى القارة العجوز وعبر المحيط وللعالم كله، الرسالة الأهم أن روسيا تغيرت واستعادت مجدها ودورها كلاعب رئيسى فى النظام العام. الاستعراض شاركت فيه 10 دول بتشكيلات عسكرية رمزية، عدد من دول الاتحاد السوفييتى السابق، بالإضافة إلى فرقة من جيش الصين والهند وصربيا ومنغوليا. وجود فرقة من الجيش الصينى والهندى له دلالات، فالجيش الصينى هو الأول عالميا من حيث العدد، والثالث من حيث القدرة القتالية وميزانية وزارة الدفاع الصينية تأتى فى المرتبة الثانية بعد أمريكا برقم يقدر ب145 مليار دولار، فى حين تأتى ميزانية وزارة الدفاع الروسى فى المرتبة الثالثة برقم تقريبى 72 مليار دولار، ويحتل الجيش الهندى المرتبة الرابعة من حيث القدرة القتالية والثالثة من حيث العدد، وهو ما يجعل من تحالف روسياوالصين والهند قوة لا يستهان بها عسكريا، كما تشترك الدول الثلاث فى منظمة «بريكس» الاقتصادية، الدول الثلاث لها مصالح اقتصادية مشتركة ورؤية متقاربة فى الكثير من الملفات الدولية، وهم مؤهلون للعب دور أكبر فى النظام العالمى الجديد الذى أوشك على التبلور. يأتى احتفال النصر الروسى هذا العام والأزمة الأوكرانية متأججة، والعقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا سارية بسبب ضم إقليم القرم، وانخفاض نمو الاقتصاد الروسى وقيمة الروبل، بسبب تدهور أسعار النفط. بوتين أرسل إلى العالم الغربى بصفة خاصة عدة رسائل، أولاها: أن التاريخ سيذكر للاتحاد السوفييتى السابق دوره فى تحقيق النصر على ألمانيا النازية. الرسالة الثانية: إشارة بوتين إلى أن العقود القليلة الماضية شهدت تجاهلاً لمبادئ التعاون الدولى التى تبلورت خلال الحرب العالمية الثانية، وشكلت حجر الأساس للنظام العالمى بعد الحرب، والذى كان يتمثل فى الحفاظ على السِّلم والاستقرار الدولى. الرسالة الثالثة: ظهور الرئيس الصينى شى جين بينج بجوار بوتين طوال العرض، وتوقيع اتفاقيات بقيمة 25 مليار دولار فى أثناء زيارة الزعيم الصينىلموسكو دليل على مساندة الصينلروسيا اقتصاديا وسياسيا، وفى المقابل تحتاج الصين إلى الدعم الروسى فى مطالبتها بحقوقها التاريخية فى بحر الصين الجنوبى التى تثير قلق اليابان وكوريا الجنوبية حلفاء أمريكا التقليديين، التحالف الصينى الروسى سيجبر أمريكا والغرب على تغيير كثير من خططهم ومخططاتهم. أما رسائل السيسى فأولاها: حرصه على حضور الاحتفال بعيد النصر فى موسكو الذى لم يحضره من الزعماء العرب سواه والرئيس الفلسطينى أبو مازن، والمعنى أن مصر لا تنسى من يساندها فى أوقات الضيق، ثانيتها: تبعية مصر لأمريكا والغرب انتهت بغير رجعة، فسياسة مصر الخارجية تحددها مصالحها وضرورات أمنها القومى، ثالثتها: علاقتنا الاستراتيجية القوية والدائمة مع دول الخليج لن تكون على حساب استقلال القرار المصرى، وحرصها على الانفتاح على العالم، والأخذ فى الاعتبار بتوازنات القوى والحيادية، فموقف روسيا من الحرب فى اليمن تراه دول الخليج غير مساند للتحالف السعودى. رسائل مهمة.. لكن الأهم أن يدرك المرسل إليه أبعادها.