«يا بلادى يا بلادى/ باحبك يا بلادى/ يا مصر باحبك/ باحبك يا مصر باحبك وقلبى/ مرفرف فى جنبى/ فى لحظة ما اقولك/ باحبك يا مصر باحبك وحبك/ يخضّر ربيعى/ يفرّح دموعى/ باحبك يا مصر ولو خيّرونى/ أقول يحرمونى/ و لو نور عيونى/ واحبك يا مصر ولو عشت أفدى/ بكل اللى عندى/ ما اوفّى بوعدى/ فى حبك يا مصر فى عمرى اللى باقى/ واشوفك فى شدة/ أكون الفدائى/ فى حبك يا مصر يا بلادى يا بلادى/ باحبك يا بلادى/ يا مصر باحبك/ باحبك يا مصر باحبك يا بلادى». نقطة ومن أول السطر.. من بين الأغانى الوطنية تبكينى هذه الأغنية البسيطة التى كتبها العزيز الراحل محسن الخياط، وغنتها فايزة أحمد بإحساس صادق للوطن، الذى اختارها كما اختارته، حتى إننى لم أعرف أنها سورية ومولودة فى لبنان إلا بعد سنوات طويلة، وعندما عرفت نسيت ما عرفته، ولم أصدق غير انتمائها إلى هذا البلد الساحر الذى نغضب منه ونلعنه كثيرا، ثم نخاف عليه ونذوب فى حبه وثراه، ونردد مع فايزة أحمد: «ولو خيرونى/ أقول يحرمونى/ و لو نور عيونى/ واحبك يا مصر.. باحبك يا مصر.. باحبك يا بلادى». أو نتذكر كلمات صلاح جاهين التى تفوق أى كلام فى حب مصر: «باحبها وهى مالكة الأرض شرق وغرب/ وباحبها وهى مرمية جريحة حرب/ على إسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء/ وانا مصر عندى أحب وأجمل الأشياء». كبرت فى حب الوطن، فلم أعد أطمع فى ثروة أو شهرة أو مجد شخصى، عشت حياتى كلها معارضا عنيدا على رصيف السلطة، عندما كانت السلطة مغنما، تملك ذهب المعز فى يدها اليمنى، وسيفه فى يدها اليسرى. لم يغرِنى الذهب، ولم يرهبنى السيف، ظللت أحلم بدولة عدل تنصر الفقراء، وتحترم العمال والفلاحين، وتصون الكرامة، وتسعى إلى المجد. ولما استشرى الفساد، وهانت أمور العباد، وضاع ما ضاع، ووصلنا إلى القاع، لم أيأس، ظللت قابضًا على حلمى، باحثًا عن العدل والخير والعمل والكرامة، لكن الأحلام كانت تبتعد أكثر، الأمل يبهت، الاستقلال يتحول إلى تبعية، الكرامة تتحول إلى سلعة تحت شعار «معاك قرش تساوى قرش»، العقل يترنح تحت ضربات العبث والغيبيات والخزعبلات، المستقبل ينسحق تحت صراخ اللحظة العشوائية المتعجلة، والوطن يغيب.. يغييييب! رغم هذا ظللت أكثر إصرارا على «العيش والحرية والكرامة الإنسانية»، ولما تولى الإخوان حكم مصر وشاهدت سحل السفير يحيى نجم وتعرية المواطن القبطى وتعذيبه على الهواء مباشرة، وربط المتظاهرين كالمواشى فى بوابة القصر الرئاسى، أدركت أن الوطن هو الذى يتم سحله وتعذيبه وتقييده فى بوابة الحاكم. حينها شعرت بحاجة شديدة إلى البحث عن بلدى لأحلم لها وفيها، فكيف أحقق أحلامى للوطن والوطن ليس هنا؟ غنيت مرة أخرى مع محسن الخياط: «جيت لك وانا ضامم جراح الأمس/ حالف لارجعلك عيون الشمس/ يا بلدى/ بكل حبى للحياة ولبلدى/ بكل بسمة فوق شفايف ولدى/ جيش الظلام فى يوم ما هاجم فجرنا/ جرح السلام زرع الآلام فى أرضنا/ وقلوبنا داست على الجراح/ وحلفنا ما نسيب السلاح/ إلا إن رجعنا بشمسنا/ وضحك لينا تانى الصباح/ وإحنا جنودك يا بلدنا وحبنا/ ماشيين على طول الطريق اللى رسمناه كلنا/ ماشيين.. ماشيين.. ماشيين». باحبك يا مصر.. باحبك يا بلادى.