تواجه الدولة المصرية، تحديات عديدة لا يمكن إنكارها، وهناك سمة دلالات تُشير إلى رغبة القيادة السياسية لاستغلال حالة الاستنفار الأمني والزخم السياسى بهدف تعطيل إجراء الانتخابات البرلمانية، أو على الأقل تأجيلها لأطول فترة تتيح للنظام الحاكم بأن ينفرد بسلطة تشريع القرارات المصيرية الكبرى مثل الحرب اليمنية أو التوقيع على وثيقة سد النهضة، ليصبح البرلمان القادم "مستأنسًا" أو أشبه ب"برلمان الديكور" لإكتمال الإطار الديمقراطى دون الإيمان بأهمية ودور البرلمان فى المراقبة والتشريع وتوجيه النقد والتعبير عن نبض المجتمع المصري. كل هذه الشواهد السلبية ليست تجنيًا أو افتقارًا لرؤية واقعية تُخفي عكس ما تشهده الساحة المصرية، بل هى معطيات ودلالات ناتجة من حالة "التسويف" الحكومي في إجراء الانتخابات البرلمانية، لعدم تحديد موعد الانتخابات البرلمانية، والتي كان من المفترض أن تُجرى العام الماضي وتأجلت 3 مرات ولم يتم الاستقرار على ميعاد محدد لها حتى الآن. تضارب التصريحات حول انعقاد البرلمان تضارب تصريحات الحكومة بشأن موعد إجراء الانتخابات، من قبل المسؤولين بمن فيهم رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، الذي تحدث عن أن الانتخابات ستكون قبل حلول شهر رمضان القادم، ليتراجع بعد ذلك بزعم صعوبة إجرائها في هذا التوقيت. ولا يمكن إغفال المشهد العبثي لجلسات الحوار المجتمعي، الذي دعا إليه رئيس الحكومة مع الأحزاب السياسية، وتخللت الجلسات العديد من المشاحنات والإهانات وتبادل الألفاظ المسيئة، ليُسفر اللقاء عن انسحاب عدد من الأحزاب ولم يتم الاتفاق بشكل محدد على تعديل المواد المعيبة بقانون الانتخابات البرلمانية التي اعتبرتها المحكمة الدستورية "غير دستورية"، وفي النهاية فوجئت الأحزاب المشاركة بصدور قوانين انتخابات جديدة لا تتضمن ما تم المطالبه به خلال جلسات الحوار، في مشهد عبثي مسرحي تحت مسمى "الحوار الوطني". برلمان غير قادر على ممارسة الرقابة كان من المفترض الانتهاء من الانتخابات البرلمانية، خلال 6 أشهر من إقرار دستور 2014، الذي تم الاستفتاء عليه في يناير 2014، إلا أن الحكومة أخذت تُماطل، بحجة إصدار قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، والذي أصدرته في فبراير الماضي، لكن قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته، أول مارس الماضي، مما تسبب في تأجيل الانتخابات التي كان مقررًا انطلاقها الأسبوع الأخير من شهر مارس الماضي، الأمر الذي دفع بعض رجال السياسة إلى التشكيك في نوايا النظام واعتبروا أن الرئيس عبدالفتاح السيسي لا يريد برلمانًا الآن، لحرصه على إصدار أكبر عدد من القوانين المهددة بعدم الدستورية، وهو ما يعد أمرًا خطيرًا للغاية، نظرًا لأن وجود رئيس يحمل السلطات التنفيذية والتشريعية بالكامل يعيق استقرار وشرعية النظام محليًا ودوليًا. المئات من التشريعات في غياب البرلمان يجمع الرئيس عبدالفتاح السيسي، في الوقت الحالي، بين السلطة التنفيذية والتشريعية لحين انتخاب برلمان جديد. ومنذ تولي السيسي، السلطة، في يونيو الماضي وحتى وقتنا الحالي، ويُعتبر السيسي أكثر رئيس استخدم سلطة التشريع منذ بداية الحياة البرلمانية في مصر، حيث قام بإصدار 310 تشريعًا ليصل إجمالي التشريعات التي صدرت منذ 30 يونيو 2013 حتى الآن إلى 350 تشريعًا، منها 40 أصدرها الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور وجميعها صدرت قرارًا بقانون، أي بعيدًا عن جهة التشريع الدستورية (البرلمان) وافقت الحكومة، الأربعاء الماضي، على القوانين التي تنظم الانتخابات البرلمانية المؤجلة لفترة طويلة، لكن هذه القوانين تعرضت لانتقادات عنيفة كالتوزيع الجغرافي للدوائر الانتخابية، وهيمنة نظام المقاعد الفردية في مواجهة نظام القائمة الحزبية، وتضمين حاملي الجنسية المزدوجة في البرلمان، وانعدام الإجراءات الجادة والفعلية لمراقبة تمويل الحملات السياسية. الجدل الدائر حول مدى دستورية هذه القوانين طرح تساؤلات حول رغبة النظام الحاكم في وجود برلمانًا حقيقيًا، قادر على رقابة السلطة التنفيذية. الرئيس ضد التعددية الحزبية دعا الرئيس السيسي أكثر من مرة الأحزاب المصرية، أن تشارك في الانتخابات بقائمة "موحدة" لتجنب الخلاف، وعلى الرغم من أن المنافسة الانتخابية سمة ديمقراطية حضارية، إلا أنه أكد أن الدولة في حاجة ماسة لاصطفاف الجميع، وهو ما اعتبره البعض تشكيك فى مدى فاعلية الأحزاب، ولولا الضغوط الدولية لعمل الرئيس على تجميد وتعطيل الحياة السياسية. الهدف الأساسي للانتخابات هى المنافسة لإفراز مجلس شعب حقيقي يعبر عن أصوات الشعب ويراقب أداء الحكومة، ويحاسبها ويدافع عن حقوق الشعب، ويضع التشريعات التي تخدمه وتحافظ على حريته وكرامته، وليس مجلسًا يبارك خطوات الحكومة، ويبدي تأييده المطلق للسلطة الحاكمة ولقرارت الحكومة بحجة الاصطفاف الوطني. مصر تخسر المليارات لغياب البرلمان تحمل الاقتصاد المصري، خسائر كبيرة تُقدر بالمليارات، لعدم وجود مجلس نواب منتخب حتى الآن. وساهم غياب البرلمان، في انخفاض مؤشرات مصر الاقتصادية العالمية، وعلى رأسها مؤشر عجز الموازنة، والدين العام، وتذبذب نظرة العالم الخارجي إلى مصر، خاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية، نظرًا لعدم استكمال الاستحقاق الثالث والأخير لخارطة الطريق، بجانب عدم وجود آلية للرقابة على الموازنة العامة للدولة أو الحساب الختامي، وانفردت السلطة التنفيذية بجميع مراحل إعداد وإقرار الموازنة في ظل عدم وجود سلطة تشريعية منتخبة تقوم بمناقشة الموازنة نيابة عن المواطنين. وتراجع ترتيب مصر في مؤشر شفافية الموازنة العامة للدولة، وحصلت على 13 من أصل 100 درجة، لتوضع مصر في مصاف أسوأ دول العالم من حيث إتاحة المعلومات الخاصة بالموازنة العامة. ولن يستطيع النظام القائم، تنفيذ أي من الصفقات الاقتصادية التي تم الاتفاق عليها في المؤتمر الاقتصادي دون موافقة البرلمان. ويحتاج النظام الحالي، لوجود برلمان، في ظل تراجع شعبية الرئيس السيسي وتوجيه انتقادات إعلامية حادة لإدارته لشئون البلاد وتشكك المعارضة حول مفهومه لمعنى الحريات، بالإضافة لتصاعد وتيرة التهديدات الأمنية والتحديات الاقتصادية. ماسبق يؤكد أن الانتهاء من خارطة الطريق، الضمان الوحيد بتحول مصر بشكل حقيقي نحو الديمقراطية، مع ضرورة وجود برلمان يتقاسم مع الرئيس بعض الانتقاد واللوم الموجه للنظام.