«حَمَلة المباخر».. إنهم هؤلاء الشيوخ الذين يلقون بأنفسهم وسط موائد السلاطين، فى كل زمان، يصنعون أدوارهم بأنفسهم. فبينما تحترق قلوب أمهات المدنيين، الذين يحاكَمون أمام المحاكم العسكرية، وتغيب الشفافية عن الجدول الزمنى الموضوع للمرحلة الانتقالية، ويزيد الغضب بسبب قانون الدوائر الانتخابية، ويظهر الإصرار على بقاء عناصر فاسدة فى الحكومة، شاركت فى تجويع، وسرطنة، وسرقة، وقتل، المصريين. يصر «مشايخ السلطان» وحدهم على رفض جمعة تصحيح المسار، فى 9 سبتمبر. الجماعة الإسلامية بدأت ما يشبه الحملة المنظمة، داخل قطارات مترو الأنفاق، حيث يخطب عدد منهم فى الركاب، يحثونهم على عدم المشاركة فى المليونية. «الذقون»، كما وصفهم أحد ركاب المترو ل«التحرير»، «يطالبوننا بعدم التظاهر ويحرّمون ذلك ويدللون على ذلك بآيات قرآنية وأحاديث، ويربطون بين (المرتدين) أيام الخليفة أبى بكر الصديق، ومن يعارضون المجلس العسكرى، ويعلنون أن (الخروج على الحاكم حتى إن كان ظالما.. حرام)».
«التحرير» حضرت إحدى خطب المترو، رجل فى الأربعين، يرتدى جلبابا قصيرا، ولحيته غير مهذبة، يحمل فى يده مصحفا صغيرا. دخل عربة المترو، وصرخ فى الجميع «أيها الناس.. اسمعوا وعوا.. إننا فى عصر الفتن.. وملعون ملعون من أيقظها وساعد على نشرها.. هناك أيادٍ علمانية يريدون الوقيعة بيننا وبين الجيش الذى حمى البلاد بعدما انسحبت الشرطة.. والحديث الشريف يقول (لا يشكر الله من لا يشكر الناس)، وإننا لجاحدون إن أنكرنا فضل الجيش فى حمايتنا وحماية بيوتنا، ومصالحنا».
الرجل ساق عددا آخر من الأحاديث والآيات القرآنية التى تنص على عدم التظاهر، وعندما قال أحد الركاب إن «خير جهاد كلمة حق عند سلطان جائر»، رد عليه الخطيب بأن هذا يكون فى بلاط الحاكم لا فى الشوارع، وينوب عن الجميع فيها شخص يكلفه الناس بأن ينقل شكاواهم، لا أن تخرج المظاهرات التى يختلط فيها الشباب بالفتيات، وتمارس كل المحرمات من ارتفاع أصوات النساء، وسب للحاكم، وتخريب للممتلكات العامة.
الخطيب أنهى خطبته، ونزل ليستقل عربة أخرى، ليبدأ خطبته من جديد، ولكنه ترك وراءه حالة لم تنته من الجدل بين الركاب، الذين انقسموا بين مؤيد لكلامه ومعارض له.