كتب - محمد شعبان: خرج من منزله كالعادة، مودعًا أسرته وكأنه لن يعود مرة أخرى، وفور وصوله لمكتبه، يعقد اجتماع موسع مع قيادات مباحث شرق الجيزة، لمناقشة خطة العمل خلال هذا المساء، ليقرر بعدها الخروج بصحبة قوة أمنية لتفقد الحالة الأمنية بنطاق القطاع. الأجواء مستقرة، هدوء حذر يسيطر على الشوارع، كل هذا يدعو للتفاؤل بأنها ستكون ليلة خالية من الجريمة، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن... يتلقى بلاغًا عبر جهاز اللاسلكي بعملية سطو مسلح على سيارة نقل أموال في طريقها إلى أسيوط عبر الطريق الدولي، ليقرر على الفور التوجه لمكان البلاغ، ومطاردة الجناة، ومنع وقوع تلك الواقعة. إطلاق كثيف من أعيرة نارية وخرطوش تجاه القوات من كل حدب وصوب، الأمر الذي دفع قوات الشرطة بتبادل إطلاق النار مع العناصر المسلحة، وبصوت ملئ بالحماسة والتضحية التي عرف بها يصرخ في جنوده وضباطه: "يالا يا رجالة.. مش لازم يفلتوا.. مش هنرجع إلا بعد ما نخلص عليهم".. كانت هذه آخر كلمات الشهيد العميد عاطف الإسلامبولي، مفتش مباحث شرق الجيزة، الذي أصيب بثلاث طلقات أودت بحياته في الحال، ليواصل رجال الشرطة الأوفياء تقديم أرواحهم فداءً للوطن واحدًا تلو الآخر، ومن منا لا يتذكر حادث استشهاد اللواء نبيل فراج في عملية تطهير كرداسة من قبضة العناصرالمسلحة. البداية تلقى العميد عاطف الإسلامبولي، مفتش مباحث شرق الجيزة، بلاغًا بقيام مجهولين بالسطو على سيارة نقل أموال متجهة من القاهرة إلى محافظة أسيوط، وتقل مبلغ مالي 5 مليون جنيه، وانتقل الشهيد إلى موقع البلاغ بصحبة قوة أمنية من شرطة مباحث شرق الجيزة. وشهد موقع الحادث تبادل كثيف لإطلاق النار بين الجانبين، أسفر عنه إصابة العميد الإسلامبولي بثلاث طلقات، وتوفى في الحال، فيما لاذ الجناة بالفرار، دون السطو على السيارة. ملاحقة الجناة قال مصدر أمني بمباحث الجيزة، إن قوة من إدارة العمليات الخاصة انتقلت إلى مكان حادث استشهاد العميد عاطف الإسلامبولي، لمطاردة المتهمين بإطلاق الرصاص عليه، بعد قرارهم إلى المنطقة الجبلية بالطريق الدولي، وانتقل اللواء طارق نصر، مساعد وزير الداخلية لأمن الجيزة إلى مكان الحادث، يرافقه اللواء محمود فاروق، مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، وعدد من القيادات الأمنية، وتم نشر عدة أكمنة بمحيط المنطقة التي شهدت الحادث لضبط الجناة. ورجحت التحريات الأولية أن تكون هذه العصابة هى نفسها من قامت بالاستيلاء على السلاح الميري لضابط بقطاع الأمن المركزي منذ أيام، مؤكدًا أن قوات الأمن تلاحق المتهمين بعد فرارهم إلى المنطقة الجبلية بالصف. النيابة تعاين موقع الحادث انتقل في الساعات الأولى من صباح اليوم، فريق من نيابة العياط برئاسة المستشار أحمد خلاف؛ لمعاينة موقع الهجوم على قوة أمنية لمباحث الجيزة بالطريق الدولي، والذي أسفر عن استشهاد العميد عاطف الإسلامبولي مفتش مباحث شرق الجيزة. وقال مصدر أمني، إن جثمان الشهيد سيتم نقله إلى مستشفى الشرطة بالعجوزة، على أن تجرى صلاة الجنازة عليه، الخميس، عقب صلاة الظهر، ثم يُشيع إلى مثواه الأخير. تاريخ مشرف من العطاء تخرج الشهيد العميد عاطف الإسلامبولي من كلية الشرطة عام 1990، تقلد خلالها العديد من المناصب الشرطية الهامة في مجال المباحث، حيث كانت البداية ضابط بنقطة شرطة القطوري بمركز العياط إلى معاون مباحث مركز شرطة العياط، ثم رئيسا للمباحث، وتنقل بعدها بين عدد من الأقسام، وبعد أن تم إنهاء خدمته عاد إلى العمل مرة أخرى بعد حصوله على حكم قضائي بذلك، ليتم تعيينه مفتشًا لمباحث شرق الجيزة منذ عدة أشهر. قضى "الإسلامبولي" 25 سنة من عمره في خدمة الشعب، من خلال عمله بجهاز الشرطة، نجح خلالها في ضبط أخطر التنظيمات المسلحة وإحباط مخططاتهم الإرهابية، ونجح في اليقاع بالعديد من التشكيلات العصابية في مختلف الأنشطة ( مخدرات - سلاح - سطو مسلح - سرقة بالإكراه). يُشار إلى أن الشهيد عاد لعمله كمفتشًا لمباحث شرق الجيزة، واستطاع خلال هذه الأشهر إعادة السيطرة الأمنية لمناطق الصف وأطفيح التي تشتهر بالعناصر الخطرة من تجار السلاح والمواد المخدرة، والقضاء على أعمال البلطجة، وضبط العديد من العصابات المسلحة التي تُروع المواطنين.