يعتبره نقاد الموسيقى واحدًا من أهم الذين أضافوا للموسيقى العربية وجددوا فيها مثلما لم يفعل أحد، رغم أن أغلب الجمهور يعرفونه بأنه الشخص النحيل الجالس وراء أم كلثوم ممسكًا بالعود، إلا أنه كان واحدًا من أعظم ملحني جيله، إن لم يكن من أعظم ملحني الموسيقى العربية في تاريخها. ابن الوز.. أسطورة ولد القصبجي في 15 إبريل 1892، والده كان الملحن وعازف العود الشهر أحمد القصبجي، الذي كان من ألمع وأبرع الملحنين وقتها، لدرجة دفعت المطرب عبده الحامولي للغناء من ألحانه، وعلى عكس المتوقع، لم يرحب الوالد بحب القصبجي للموسيقى، ورفض تعليمه العود، وأصر على أن يُلحقه بالكتاب وبعده الأزهر ومن الإزهر إلى دار المعلمين، ليعمل في التدريس بعيدًا عن الموسيقى التي كان يتنفسها. إلا أن القصبجي لم يستسلم للأمر الواقع، فتمكن من تعلُّم العزف خلال دراسته من وراء والده، واستمر في شغفه حتى لحَّن أولى أغانيه، وكان مطلعها "ماليش مليك في القلب غيرك"، وغناها واحد من أشهر مطربي تلك الفترة "زكي مراد"، والد قيثارة الفن ليلى مراد، والمبدع العبقري منير مراد. وبعد فترة قليلة ذاع صيت القصبجي ملحنًا فذًّا ومختلفًا، ولحن القصبجي عدد من المونولجات والطقاطيق، أشهرها التي غنتها منيرة المهدية، طقطوقة "بعد العشا"، وطقطوقة "شال الحمام حط الحمام"، إلى أن صادف في أحد أيام عام 1923 صوت الفتاة التي جاءت من المنصورة لتنشد الأغاني الدينية، فأخذه جمال صوتها، ليقرر التلحين لها طقطوقة "قال إيه حلف ما يكلمنيش" عام 1926 من كلمات الشيخ يونس القاضي، لتبدأ مرحلة جديدة في حياته. المبدع الذي ظلمه العشق أبدع القصبجي في ألحانه لأم كلثوم، ليظل أشهرها أغنية "رق الحبيب" و"ما دام تحب بتنكر ليه؟"، ولكنه لحن لها ما يقرب من 66 أغنية طيلة مشوارهما الفني، كان أغلبها من كلمات أحمد رامي، وآخر أغانيهما "يا صباح الخير ياللي معانا" عام 1948، من كلمات بيرم التونسي، والتي غنتها في فيلم فاطمة. وعلى الرغم من استحواذ أم كلثوم على موهبة بحجم القصبجي، والتي أدت إلى الحد من انتشاره، إذ ارتضي أن يكون قائدًا وعازف العود الأساسي في فرقتها التي كونها عام 1927، والتي ضمت محمد العقاد عازف القانون، وسامي الشوا للكمان، وأضاف لها آلتي التشلو والكونترباص. إلا أنه كانت له أيادٍ بيضاء على عدد من المطربات في تلك الفترة، ربما كان أشهرهن وأسمهان التي لحن لها عددًا من الأغنيات الشهيرة، مثل "إمتى هاتعرف" و"أنا اللي أستاهل" و"يا طيور" و"ليت للبراق"، وبلغت أغاني القصبجي مع أسمهان حوالي 10، كما لحن لليلى مراد عددًا من الأغنيات أشهرها "بتبصلي كده ليه". من الحب ما قتل و"من الحب ما قتل"، هذه المقولة تنطبق حرفيًّا على ما فعله الحب بمحمد القصبجي، الذي لم يعد خفيًّا على أحد أنه كان عاشقًا لأم كلثوم، يداوي جراح عشقه بالحديث عنها مع صديقه والمتيَّم الآخر بحبها الشاعر أحمد رامي، إذ أرجع عدد من المؤرخين الموسقيين اكتفاء القصبجي بكونه عازفًا في فرقة أم كلثوم بعد توقف التعاون بينهما إلى هذا الحب، وهو ما دفعه للاستمرار في عمله في الفرقة بعدما عزلته من قيادتها، وأسندتها للموسيقار عبده صالح عازف القانون الأسطوري. وفي مثل هذا اليوم 25 مارس عام 1966، توفي الموسيقار الكبير محمد القصبجي، عن عمر يناهز 74 عامًا، ترك فيها للموسيقى العربية إرثًا عظيمًا من الألحان لا يقدر بثمن، وأضاف للموسيقى العربية ألوانًا جديدة، وأوجد استخدامًا شرقيًّا لآلات غربية، مزج خلالها ألوان الموسيقى لتخرج من أوتار عوده تحمل بصمته التي لا يمكن تقليدها.