أجمع العديد من خبراء الاقتصاد على أن قانون الاستثمار الجديد سلاح ذو حدين، ورغم أنه يعد أحد أهم الوسائل لتهيئة المناخ الاستثماري في مصر، وتجهيز التربة الخصبة لجذب المزيد من الاستثمارات، خاصة أن القانون بمثابة ضمانة للمستثمر، إلّا أنه_بحسب تأكيدات الخبراء، يحوي ثغرات اقتصادية كبرى، اعتبروها بأنها كارثية. جاء القانون ليمنح المستثمر الأجنبي حق شراء مساحات من أراضي الدولة، دون أي قيود أو النظر في جنسية هذا المستثمر، كما أنه جاء خصيصًا لتوسيع سلطات رئيس الوزراء، ووزير الاستثمار، والأخطر أنه يفتح الباب أمام رجال الأعمال للقيام بأعمال مخالفة للقانون . الخبير الاقتصادي، الدكتور جودة عبدالخالق، انتقد مواد قانون الاستثمار الجديد، قائلًا: هل من الممكن إعطاء المستثمر كل شىء لمجرد إرضاء رجال الأعمال العرب والأجانب على حساب الدولة ومنحهم مزايا وإعفاءات تصل إلى 5 سنوات، مؤكدًا أن الحوافز الضريبية بالقانون مبالَغ فيها؛ فعلى سبيل المثال تحديد شريحة الرسوم الجمركية على الآلات المستورَدة والأجهزة اللازمة للتوسّعات أو الإنشاءات أو عمليات الإحلال للمشروعات السياحية والخدمية بنسبة 5% فقط، يفتح ثغرة كانت ولا تزال قائمة في قانون الضرائب على الدخل منذ عام 2005؛ بل إن المشروع الجديد خفض هذا الوعاء الضريبي إلى نصف ما كانت عليه من قبل، وأثبتت التجربة طوال الأعوام السابقة أن هذه الثغرة كانت بمثابة المدخل لعمليات تلاعب واسعة النطاق من جانب رجال المال والأعمال، للتهرّب وإدخال معدات وأجهزة يجرى التصرّف فيها بعد ذلك بطريقة مخالفة للقانون، بالإضافة إلى أنه أعفى أرباح شركات الأموال والمنشآت والشركات، وحصص الشركاء فيها من الضرائب لمدة 5 سنوات. أضاف عبدالخالق، أن كل ذلك يعيد الدائرة إلى الخلف مرة أخرى؛ حيث يحمّل الطبقات الفقيرة والمتوسطة الأعباء الضريبية الأعظم، مشيرًا إلى أن هناك طرقًا قانونية متعدّدة توفر الأراضي للمستثمر، بما يحفظ حقوق الدولة والمستثمر فى آنٍ واحد، مثل حق الانتفاع لمدد تتراوح بين 35 و99 عامًا، بدلًا من البيع المباشر، لكن القانون الجديد سيرسخ لمبدأ جديد وخطير في المادة 53؛ حيث يتيح لرئيس الوزراء ومجلس الوزراء تخصيص الأراضي المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة للمنشآت والمشروعات دون مقابل، كما أن المادة الخاصة بعدم تحويل الأرباح من قبل المستثمرين إلّا بعد الحصول على موافقة من الهيئة العامة للاستثمار، ليست من شأن هيئة الاستثمار، وتنظم من قبل البنك المركزي، وتعد عائقًا في نفس الوقت أمام المشروعات الجديدة. بينما حاول الدكتور صلاح جودة، الخبير الاقتصادي العالمي، تسليط الضوء على أبرز ثغرات قانون الاستثمار الجديد، متسألًا: كيف يخرج علينا قانون جديد يوجد به عدة ثغرات كارثية وعليه كثير من المآخذ والمشاكل التي لم يقدم على حلها بصورة جادة، كما جاء به كثير من المواد التي تحمل علامات الاستفهام، وأهمها التوسع في سلطات رئيس الوزراء ووزير الاستثمار". أوضح جودة، أنه يحق الرئيس مجلس الوزراء، تخصيص الأراضي بالمجان، دون مقابل، وكذكل إعطاء مزايا وحزم تحفيزية لبعض المستثمرين دون غيرهم، ودون التقيّد بشروط واضحة وشفافة، منتقدًا جودة القانون، خاصة أنه يتضمن عدم التدخل في تسعير منتجات الشركات والمنشآت أو تحديد أرباحها، لافتًا في الوقت ذاته إلى أن هذة المادة تثير كثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام، ووجودها يفتح الباب أمام بعض التجار والجشعيين من زيادة الاسعار دون التقيد بهوامش أرباح مناسبة، ويعطّل دور الغرف التجارية في مسآلة أعضائها على زيادة الأسعار دون مبرر، لا سيما في ظل عدم وجود المنافسة الحقيقية في السوق المصري، كما تكبل يد الدولة في التدخل لضبط الأسواق . أشار جودة، إلى أن تشكيل مجلس إدارة الهيئة لا يتضمن رئيس هيئة الرقابة المالية، ولا رئيس هيئة التمويل العقاري، في حين أن وظيفة المجلس تيسير إجراءات دخول الاستثمارات وربطها بحاجة البلاد، موضحًا أن نظام الشباك الموحد الذي تم إعلانه ضمن مواد القانون، لم يتضمن ذكر المدة الزمنية لإنهاء الإجراءات الخاصة بتراخيص الشركات . فيما أكد السفير جمال بيومي، الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب، أن قانون الاستثمار الجديد يحمل مزايا وعيوب كثيرة، ومن أهم مميزاته أنه يعزز نظام "الشباك الواحد" الذي يزود فرص الاستثمار في مصر، ويوفر الوقت والجهد على المستثمر، ويؤدي إلى اختزال الجهات التي يتعامل معها، للحصول على التراخيص، كما أنه يقضي على البيروقراطية في قوانين الاستثمار، فقد اختصر الحصول على التراخيص من 78 إجراء إلى 8 إجراءات لا غير، ثم تختزل إلى إجراء واحد في شباك واحد، تابع للهيئة العامة للاستثمار، وهو ما يعني أن المستثمر لن يتعامل سوى مع هيئة الاستثمار وبعض الوزارات الأخرى فقط. أمّا فيما يخص العيوب، أضاف بيومي: " يعاني المستثمر من عيوب لعل أهمها باب الإعفاءات الضريبية التي كانت موجودة في قانون الاستثمار رقم 8 لسنة 97؛ فهي إعفاءات محدودة جدًا تتمثل في ضريبة الدمغة وضريبة المبيعات والرسوم الجمركية" مشيرًا إلى وجود عوامل أخرى للجذب الاستثماري، أهم بكثير من الإعفاءات الضريبية كان يجب توافرها في الوقت الحالي؛ كاستقرار سعر العملة وتوافر المواد الخام والنظام الضريبي العادل والعمالة المدربة المحلية والعامل الأمني وغيرها من العوامل التي تكاد تكون غائبة في مصر، خاصة أنه لو توافرت هذه العوامل لما كانت الإعفاءات الضريبية ذات أهمية في هذا التوقيت، لكن غيابها مجتمعة يجعلنا مرحليًا أن نبقي على الإعفاءات الضريبية، لتحفيز المستثمر الذي سيفتقد كل عوامل الجذب. بينما كشف المستشار هشام رجب، نائب رئيس هيئة التشريعات الاقتصادية، بلجنة الإصلاح التشريعي، إنه تم إرسال مشروع قانون الاستثمار الجديد إلى مختلف الجهات المعنية لاستطلاع آرائها فيه، وأن الأمانة الفنية للجنة كلّفت بإعداده، بعدما رفضت اللجنة مشروع قانون تطوير منظومة الاستثمار المقدّم من وزارة الاستثمار لأسباب فنية، وعدم تحديد أهدافه ونطاق تطبيق أحكامه، بالإضافة إلى اكتشاف العديد من أوجه عدم الدستورية فيه. قال رجب، إن اللجة أعدت دراسة تنص على أن مشروع وزارة الاستثمار لم يتبع فلسفة معينة بقصر نطاق تطبيق أحكامه على استثمار رؤوس الأموال الأجنبية، أو إتاحة الاستثمار للجميع مع قصرها على بعض المجالات، وفقًا لخريطة الاستثمار المستقبلية للدولة، كما لم يحدد الحد الأدنى للمال المستثمر عكس المتبع في الدول التي ترغب في جذب الاستثمارات الكبرى. تضمن المشروع المرفوض نصوصًا خاصة بالإعفاءات الضريبية صيغت دون مشاروة وزارة المالية بالمخالفة لقانون المحاسبة الحكومية، ما أسفر عن عدم تدرج الإعفاءات حسب نوع النشاط الاستثماري، وتضمن أيضًا بعض النصوص ذات الصلة الوثيقة بقانوني العمل والتأمينات الاجتماعية، دون مشاورة الجهات المعنية بإنفاذ القانونين. وأكدت أن المشروع لم يأت بجديد كما تم الترويج له؛ بل جاءت غالبية نصوصه كترديد حرفي لأحكام قانون ضمانات وحوافز الاستثمار الحالي، بما لا يعطي للمستثمر دليلًا على وجود تغير أو نقلة نوعية في جذب الاستثمارات، وعدم تبني المشروع إصلاحات جادة وحقيقية، وإقراره رسومًا دون تحديد نوع الخدمة المقابلة لها، وعدم تحديد حد أقصى لها بالمخالفة لمبادئ المحكمة الدستورية العليا. وتبين أيضًا أن المشروع لم يوحد موقفه من الشركات والمشروعات القائمة الخاضعة للقانون الحالي، فتراوحت مواده بين إلزامها بتوفيق أوضاعها وبين عدم سريان أحكامه إلاّ على الشركات التي تؤسس بعد إصداره، كما لم يحدد نظامًا واضحًا لتخصيص أراضي المشروعات، ما قد يؤدي لسريان نصوص قانون المناقصات والمزايدات باعتباره الشريعة العامة على هذه التصرفات، رغم عدم ملاءمة الإجراءات الواردة فيه لمجال الاستمار. اشتمل كذلك على بعض شبهات عدم الدستورية فيما يتعلق بالإخلال بمبدأ المساواة بين الشركات والمنشآت المتماثلة في المراكز القانونية بتقرير إعفاءات ضريبية على بعضها دون الأخرى، وكذلك فيما يخص استثناء المستثمر من الالتزام بأحكام واجبات العمال وتأديبهم لإخلاله بنص المادة 13 من الدستور، ومصادرته حق العامل في ضمانات تأديبية تحميه من الفصل التعسفي، بالإضافة إلى ما تضمنه من إحالة تحديد رسم مزاولة مهنة في المنطقة الحرة إلى لائحة القانون؛ حيث لا يجوز فرض رسم بأداة تشريعية أدنى من القانون.