وجه أسمر بشوش، وأيدي خشنة، ملابس رثة، ولسان حالها شكر المولى على نعمته، اختارت مسح الأحذية نشاطًا لها من أجل كسب الرزق، فبالرغم من وصول أبنائها لكليات القمة إلا أنها لا تبالي من مسح الأحذية ونظرات المارة التي تشوبها شىء من الاستياء والسخرية. تنادى ب"أم حسن"، واسمها الحقيقي "آمال حسن محمود"، واحدة من مئات الأمهات اللاتي اخترن الطريق الصعب والوصول للنجاح من العمل على الأرصفة. الساعه تدق الخامسة فجرًا، تُحضر "أم حسن" الفطار لأولادها، ثم تمسد صندوقها الخشبي بقبضة يدها وتمشي مترجلة من إمبابة لمزلقان أرض اللواء.. هكذا يبدأ يوم ماسحة الأحذية التي تقول، "جوزي لما مات من 16 سنه سابلي أربع عيال، وساعتها مش عارفة كنت أعمل ايه خاصة إن ولادي كلهم كانوا في المدارس". "أحمد فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ووفاء في كلية التمريض، وأمير خريج كلية الهندسة، ومحمد في كلية السياحة والفنادق، وآخر العنقود يزيد طالب بالمرحلة الثانوية"، بفخر شديد تقولها صاحبة الوجه الباسم، مشيرة إلى أنه في بداية عملها على الرصيف كان المارة يلقونها بنظرات من الإزدراء والتحقير لقيامها بعمل ذو طابع رجالي، حينها تتساقط دموعها حسرة على حالها، وبعد دقائق معدودة تفيق، "ربنا هيكرمني علشان بجرى على يتامى وعاوزة أضمن مستقبلهم". وعن شعورها بعد التحاق أبنائها بكليات القمة، تعبى مرحش هدر، أولادي لا يشعروني بهذه المأساة، فالتحقوا بكليات القمة وسط زملائهم أبناء الطبقة المرفهة". وتابعت بعيون محتقنة بالدموع: "كنت بحس إن ولادي عاوزين يقولولي إنهم محتاجين فلوس بس مكسوفين، ساعتها بحس إن الدنيا كلها مسودة في وشي علشان مش قادرة أسعدهم". واستطردت قائلة، "وأنا صغيرة كان نفسى أبقى زى باقي البنات أتعلم وأصرف وأحب، بس الفقر كان بيجبرني إني يبقى هدفي الأول أكل العيش، بس خلاص الحمد لله دلوقتي أنا طالبة في كلية خدمة اجتماعية بحلوان، وبإذن الله مش هسكت إلا لما أخد الدكتوراة".