صديقة عزيزة زارت المتحف المصرى الموجود فى قلب ميدان التحرير بصحبة ضيف أجنبى وهناك رصدت بعض المشاهدات والانطباعات. تاليًا سوف أنقل الرسالة كما هى وأعود بعدها لتعليق قصير جدًا. لا تزال زيارة المتحف المصرى بميدان التحرير تجربة ذات طابع خاص، مهما تغيّرت خريطة العرض المتحفى فى مصر، ومهما سُلط الضوء على المتحف المصرى الكبير بعد افتتاحه ونقل عدد كبير من القطع الأثرية الفريدة إليه. فالمتحف العريق، الذى افتُتح عام 1902، لم يكن مجرد مبنى يضم آثارًا، بل كان لسنوات طويلة القلب النابض لعلم المصريات وواجهة مصر الحضارية أمام العالم. ذهبت ظهر يوم الاثنين قبل الماضى مع ضيف أجنبى للمتحف المصرى لقربه من الفندق الذى يقيم فيه ولضيق مدة زيارته للقاهرة التى حالت دون زيارته للمتحف الكبير. عند مدخل المتحف المصرى بالتحرير لم أجد تلك الصفوف الطويلة التى كانت من قبل، كما خلت قاعات المتحف من الزوار إلا قليلا. وغنى عن الذكر أن كثيرًا من الكنوز التى ارتبط اسم المتحف المصرى بالتحرير بها، قد انتقلت إلى مقرها الجديد فى المتحف الكبير فى الجيزة، وعلى رأسها مجموعة مقبرة الملك توت عنخ آمون بكامل مفرداتها تقريبًا، بعد أن كانت أيقونة المتحف المصرى لعقود. هذا الانتقال، رغم أهميته العلمية والتنظيمية فى المتحف الجديد، ترك فراغًا ملحوظًا داخل قاعات المتحف القديم، فراغًا ليس فقط على مستوى القطع المعروضة، بل على مستوى الإحساس العام بالحيوية والاكتفاء البصرى. ورغم وجود قطع جديدة أضيفت إلى العرض، بل ووجود بعض المقابر الكاملة التى تعكس جوانب مهمة من الحياة الجنائزية فى مصر القديمة، فإن الزائر يلاحظ أن العديد من خزانات العرض ما زالت فارغة، فى مشهد يثير التساؤلات أكثر مما يثير الإعجاب. كما أن غياب اللوحات التعريفية عن عدد كبير من المعروضات يحرم الزائر، سواء كان سائحًا أو مصريًا، من فهم السياق التاريخى والفنى للقطعة، ويقلل من القيمة التعليمية للمتحف. ولا تتوقف الملاحظات عند حدود العرض فقط، إذ تعانى الإضاءة فى أغلب القاعات من ضعف واضح، يجعل تفاصيل التماثيل والنقوش شبه غائبة، ويضفى على المكان شعورًا بالكآبة بدلًا من الإبهار. كما أن حالة بعض أجزاء المتحف باتت مثار قلق، حيث يظهر تكسير واضح فى الأرضيات، خاصة فى الدور الثانى، إضافة إلى الشرفة المطلة على الدور الأرضى، التى كانت تمثل نقطة جذب رئيسية للسائحين لالتقاط صورة بانورامية شهيرة توثق عظمة القاعة الرئيسية. ورغم هذه الملاحظات، يبقى المتحف المصرى بالتحرير شاهدًا، لا يمكن تجاهله، على مرحلة مفصلية من تاريخ مصر الحديث، وعلى بدايات علم الآثار المصرى وتطوره. وبالتالى فإن الحفاظ على هذا المتحف ليس ترفًا ثقافيًا، بل هو واجب وطنى، يتطلب رؤية واضحة لإعادة تأهيله، وتطوير أساليب العرض فيه، وتحسين بنيته التحتية، ليظل حيًا فى الذاكرة وفاعلًا فى المشهد الثقافى والسياحى ومقصدًا للزائرين المتواجدين فى منطقة وسط البلد. أخيرا فالمتحف المصرى القديم ليس منافسًا للمتحف الجديد، بل شريك له فى رواية قصة حضارة استثنائية، تستحق أن تُروى كاملة، فى كل مواقعها، وبأفضل صورة ممكنة. هذه هى الرسالة نقلتها كما هى وأتمنى أن تقوم الجهات المختصة بدراستها وفحصها وتقييمها حتى تتلافى السلبيات إذا كانت موجودة ويعود المتحف المصرى متألقا كما كان.