كتب - حمادة عبدالوهاب { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَب رِيحكُمْ }... هذه الأية ربما لم يستوعبها جيدًا القوى المتصارعة في حزب نداء تونس، فالحزب يشهد صراع أجنحة قوي يعصف الآن به، الحزب الذي حقق معجزة على المستويين السياسي والحزبي، فيما بعد ثورة الياسمين والربيع العربي، حيث تمكن من الفوز في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تونس بعد أقل من عامين من تأسيس الحزب على يد الباجي قايد السبسي الرئيس الحالي لتونس، لمواجهة هيمنة حركة النهضة الإسلامية، على الحياة السياسية في تونس ما بعد زين العابدين بن علي. الصراع الذي يضرب الحزب الآن، لربما يكون له توجه أيدلوجي بين "التجمعيين" الذين ينتمون في الأصل إلى حزب التجمع الديمقراطي، الذي كان يحكم تونس في أثناء حكم بن علي، والجانب الآخر هم النقابيون واليساريون، الذين يخشون توريث الحزب لحافظ السبسي نجل الرئيس، ودرات بينمها سجلات إعلامية ، ووصلت بعضها إلى ساحات القضاء . وتأسس الحزب في يونيو عام 2012 برئاسة الباجي قايد السبسي لمنع هيمنة حزب حركة النهضة الاسلامية على المشهد السياسي في البلاد إثر فوزه الساحق في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عقب ثورة الياسمين عام 2011. وتهدد الخلافات بين أجنحة الحزب الذي يقود الحكومة الائتلافية بحدوث انقسامات من شأنها أن تضع المشروع السياسي الذي تقدم به في انتخابات 2014 على المحك. منهجية الحزب ونجح نداء تونس عبر خليط من القياديات اليسارية والنقابية ومن أعضاء الحزب الحاكم للنظام السابق التجمع الدستوري المنحل بحكم قضائي، في اكتساح أول انتخابات يخوضها وقيادة حكومة ائتلافية. ويقدم الحزب نفسه على انه حامي النموذج المجتمعي في تونس والذي تأسس منذ بناء دولة الاستقلال في منتصف القرن الماضي. لكن المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي قال ان الأزمة الحالية داخل النداء تهدد بانهيار المشروع السياسي والمجتمعي برمته. صراع الأجنحة وبدأت بوادر الخلاف مع تعطل انتخابات المكتب السياسي للحزب والذي كان مقررا منذ يوم 8 مارس الجاري ولكنها في نفس الوقت تخفي صراعا على المناصب والمشاركة في القرار. وترتبط الخلافات أيضا بتركيبة المكتب السياسي وتمثيلية الهياكل فيه بين الهيئة التأسيسية والمكتب التنفيذي والكتلة البرلمانية والمنسقين الجهويين للحزب. وتعمقت الخلافات مع تواتر اتهامات متبادلة بين شقين متنافسين داخل الحزب، اذ اتهم القيادي لزهر العكرمي، الشق المناصر لحافظ قايد السبسي نجل الرئيس المستقيل للحزب ورئيس الدولة الباجي قايد السبسي، بالهيمنة على الحزب ونزعته الى التوريث. ويطالب العكرمي وقياديون آخرون بعقد مؤتمر عاجل لانتخاب المكتب السياسي وقطع الطريق عن نزعة الهيمنة والتوريث. وعقد الشق المعارض الذي يتزعمه حافظ قايد السبسي مؤتمره الوطني بدعوى تصحيح مسار الحزب والبحث عن حلول للأزمة التي تعصف بالنداء وسط حضور المئات من الأعضاء والمنخرطين. ويأتي الاجتماع رغم تحذير الهيئة التأسيسية الحالية والتي يترأسها بالنيابة رئيس البرلمان محمد الناصر وأمين عام الحزب الطيب البكوش من ان أي مؤتمر يدعو له الشق المعارض هو غير قانوني. رد الهيئة التأسيسة وقالت الهيئة التأسيسية ، في بيان لها ، إن المؤتمر يعتبر عملا موازيا خارجا عن القرار الحزبي الشرعي وخطيرا على وحدة الحركة ودعت اعضاء الحزب ومنخرطيه الى تغليب مصلحة الحزب المرتبطة بمصلحة البلاد. وفي محاولة لرأب الصدع قالت الهيئة التأسيسية في بيانها اليوم انها ستستجيب لطلبات توسيع المشاركة في القرار داخل الحزب والإسراع بعقد مؤتمر تأسيسي وضمان التوازن داخل المؤسسات من خلال مجلس وطني يعقد في 19 ابريل المقبل. وتعتبر الأزمة الحالية الأخطر التي يواجهها الحزب منذ فوزه المزدوج بالانتخابات التشريعية والرئاسية في 2014. أيادي خارجية وقال أمين عام الحزب الطيب البكوش إن أطرافا خارجية تدفع نحو تأجيج الأزمة داخل نداء تونس خدمة لأجندات محددة ومعلومة. وكان 64 نائبا من بين الكتلة النيابية للحزب وهي الأكبر في البرلمان وتحتل 86 مقعدا قد أصدروا بيانا اعلنوا فيه عن مقاطعتهم لقرارات الهيئة التأسيسية الحالية كما طالبوها بحل نفسها لعجزها عن إدارة الأزمة الخطيرة التي تردى فيها الحزب. الوصول إلى ساحات القضاء ووصلت حدة الخلافات داخل حزب نداء تونس إلى ساحة القضاء، حيث قرّر قيادات بالحزب الحاكم اللجوء للقضاء الاستعجالي ، لوقف أعمال الاجتماع الانتخابي للحزب، وإبطال قرار الهيئة التأسيسية. واشترط قرار الهيئة التأسيسية للحزب اعتذار كل من أساء للحزب أو أحد قياداته كتابيًا للترشح في انتخابات المكتب السياسي. واعتبر عضو الهيئة التأسيسية، عبدالستار المسعودي، هدف القرار تجميد عضوية بعض القيادات التي وجهت انتقادات لمتخذي القرار. وانتقد المسعودي سيطرة من سمّاهم جماعة قصر قرطاج على قرارات نداء تونس فى إشارة إلي عضو الهيئة التأسيسية لحركة نداء تونس حافظ قائد السبسي . خلاف منتظر وبحسب المراقبين للحياة الحزبية في تونس، فإن ما حدث ويحدث في حزب "نداء تونس" كان منتظراً لأن هذا الحزب يضم أربعة روافد متنافرة. وفي هذا السياق، أكد نجم الدين العكاري، رئيس تحرير مجلة "الأنوار" التونسية الأسبوعية، أن "هذا الحزب الذي تأسس قبل سنتين، حول شخصية رئيسه الباجي قايد السبسي، من أجل الحد أو وقف سيطرة حزب النهضة الإسلامي، تراجع حضوره السياسي، بمجرد الفوز في الانتخابات البرلمانية، ووصول زعيمه السبسي للرئاسة". ورأى العكاري أن "هذا الحزب بدأ يعرف تناقضات في الروافد المكونة له، التي لم يكن يجمع بينها غير العداوة للإسلاميين"، حسب تعبيره. كما اشتدت التباينات داخل الحزب بسبب ما سماه العكاري ب"التنافس حول غنيمة السلطة"، وعلى قيادة الحزب بعد استقالة عدد من قادته الذين التحقوا بمؤسسة الرئاسة أو بالحكومة. وشدد العكاري على أن هذه الأزمة التي تضرب الحزب الأكبر في البلاد، والذي يتولى مقاليد الحكم، من شأنها أن تنعكس سلبا على الاستقرار السياسي العام وعلى أداء الحكومة. تجدر الإشارة إلى أن التنازع على الصلاحيات وشرعية قيادة الحزب وتسييره قائم بين "الهيئة التأسيسية"، أي العناصر المؤسسة، و"الكتلة البرلمانية" (التي تضم نواب الحزب في البرلمان) و"مستشاري الرئيس". وهو تنازع مرده لكون الحزب لم ينجح إلى حد الآن في عقد مؤتمره التأسيسي، وإفراز قيادات شرعية ومنتخبة. اتهام الهيئة التأسيسة فشل حزب نداء تونس الحاكم في تشكيل هيئة سياسية، الأحد، الماضي بسبب خلافات حول تركيبة الهيئة، وتبادل مسؤولون في الحزب اتهامات في وسائل إعلام تحولت إلى مسرح لحرب كلامية بينهم.واعتبر خميس قسيلة عضو الحزب واحد منتقدي هيئته التأسيسية أن "نداء تونس يعيش أزمة حقيقية لم يعد مقبولا إخفاؤها". وقال قسيلة الاحد إن الحزب يشهد "أزمة قيادية متفجرة" منذ استقالة مؤسسه ورئيسه قائد السبسي إثر انتخابه رئيسا، وتولي "غالبية" أعضاء هيئته التأسيسية مسؤوليات في رئاسة الجمهورية والحكومة. وبحسب قسيلة فإن أكثر من 60 من إجمالي 86 نائبا للحزب "قرروا مقاطعة الهيئة التأسيسية نهائيا وعدم احترام قراراتها" ودعوها الى "المبادرة لحل نفسها" من أجل "انقاذ" الحزب. وبحسب مجلة "ليدرز" التونسية الناطقة بالفرنسية فإن "الطموحات الشخصية، وغياب الهيكليات المنتخبة، والفراغ العميق الذي تركته مغادرة الباجي قائد السبسي (للحزب) هي أسباب الأزمة" الحالية داخله. تدخل الرئاسة فيما أعلنت رئاسة الجمهورية في بيان نشرته على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن الباجي قائد السبسي بحث خلال لقائه بوجمعة الرميلي المدير التنفيذي لنداء تونس "التجاذبات التي يعيشها الحزب والتي ظهرت عبر وسائل الإعلام وانعكست سلبا على صورته".