هى دعوة إلى السفر عبر الزمان والمكان، نزور خلالها واحدًا من أهم المواقع الأثرية فى مصر والعالم، على الرغم من أنه لا يحظى بالاهتمام الكافى من البرامج السياحية، سواء للمصريين أو الأجانب على حد سواء، حيث يعد موقع «كوم أوشيم» تجسيدًا حيًّا ومتحفًا مفتوحًا لمدينة كاملة من العصر البطلمى والرومانى، يستطيع المرء وهو يتجول ما بين منازلها وطرقاتها أن يستشعر همس الماضى، وهو يروى له قصة من قصص تاريخ مصر العريق. ففى العصر الفرعونى اهتم ملوك مصر القديمة بإقليم الفيوم اهتمامًا بالغًا، وجعلوه بمثابة دلتا جديدة للنيل، حيث شيّد فراعنة الدولة الوسطى سد اللاهون على ترعة بحر يوسف التى تصل نهر النيل ببحيرة قارون، وقاموا بشق شبكة من القنوات الرئيسية لتروى حقول المنخفض بأكمله إلى يومنا هذا. ومع العصر البطلمى شهدت الفيوم نهضة زراعية جديدة، وتقع قرية كوم أوشيم، والتى عرفت فى النصوص اليونانية باسم كرانيس أى مدينة الإله فى منخفض الفيوم على مسافة 60 كم جنوب غرب القاهرة، ويعتقد أن الملك بطليموس الثانى قد أنشأها فى القرن الثالث ق.م لجنوده المرتزقة من اليونان وأسرهم، حيث بلغ عددهم نحو 3000 نسمة. حيث كانت تقع على حافة بحيرة الفيوم، واليوم، ونتيجة لجفاف البحيرة، أصبحت كرانيس تبعد عنها نحو 3 كم، بعد أن تقلص حجم البحيرة إلى ثلث مساحتها الأصلية، ونظرًا إلى موقع كرانيس المميز على طرق القوافل ما بين الدلتا والإسكندرية والصعيد، فقد تمتعت بقدر كبير من الرخاء الاقتصادى الذى انعكس على القرية وسكانها طيلة سبعة قرون من الزمان هى عمر القرية، فعندما كشف عن أطلال هذه القرية عام 1895 كانت ذات مساحة كبيرة نسبيا، وتقسمها الشوارع طولا وعرضا إلى مجموعة من المربعات تتوزع عليها منازل القرية المشيدة من الطوب اللبن، والتى بلغ ارتفاع بعضها أربعة طوابق، ويقع المبنى الإدارى فى وسط القرية بالقرب من صوامع القمح الضخمة التى كانت تمد روما بحاجتها من القمح المصرى، واحتوت المدينة على معبدين كبيرين للإله سوبك، رب الفيوم، على هيئة التمساح، وخلال العصر الرومانى احترف سكان القرية صناعة النسيج، حيث عثر بها على 3500 قطعة نسيج، وكانوا يدفعونه كضريبة للإمبراطور الرومانى، كما برعوا فى صناعة النبيذ والزيت، حيث عم الثراء على القرية، فقد عثر فى مقر الخزانة بالقرية على 26 ألف قطعة من العملة، وعلى الرغم من ذلك فلم تسلم القرية من ضربات القدر، حيث أصابها الطاعون عام 165م، فأهلك عددًا كبيرًا من سكانها، ثم نتيجة لإهمال الرومان مشاريع الزراعة حول بحيرة قارون، تراجع منسوب البحيرة بدرجة كبيرة، مما أدى إلى جفاف حقول القرية وانعدام الأمن فيها، وهو ما دفع سكانها إلى الهجرة منها خلال القرن السادس الميلادى، حيث طمرت الرمال منازلها وشوارعها، حتى الكشف عنها مرة أخرى، لتروى فصلًا جديدًا فى تاريخ مصر المجيد.