فى مقابلة تليفزيونية للسيسى قبل انتخابه قال: «لو انتخبت الشعب مش هينام ولا أنا كمان»، وكان طبيعيا أن تؤدى وزارة المهندس إبراهيم محلب اليمين الدستورية أمام الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسى الساعة السابعة صباح الثلاثاء 17 يونيو الماضى، الاستيقاظ المبكر كان من شروط «الرئاسة» فى اختيار الوزراء، فبدأت معظم الوزارات فى تغيير مواعيد الحضور لموظفيها، لتصبح 7 أو 8 صباحًا على الأكثر، وطلب وزير التنمية المحلية عادل لبيب من المحافظين الجدد فى فبراير الماضى بأن يكونوا فى مكاتبهم فى نفس الموعد. المؤشرات تدل على أهمية الاستيقاظ المبكر عند الرئيس، وهذه أول رسالة، لكنها رسالة منقوصة وغامضة، فما معنى أن يأتى الوزير وموظفو وزارته مبكرين، ثم لا يقدمون شيئًا، فالاستيقاظ المبكر ليس هدفا فى حد ذاته، لكن وسيلة لتحسين وتجويد الأداء على ما أعتقد. الوزراء الستة المقالون من وزراء 7 الصبح فما الذى حدث؟ فيمَ كان الخلاف إذن؟ لم نسمع أن أحدهم خالف أو تمرد كما حدث مع وزير الاقتصاد الفرنسى أرنو مونتبور فى أغسطس من العام الماضى، حين انتقد على الملأ، وبشدة، الخيارات الاقتصادية التى قام بها الرئيس الفرنسى، واتهمه بأنه يزيد من انكماش الاقتصاد، مما أدى إلى تقديم رئيس الوزراء مانويل فالس استقالة حكومته وبعدها كلفه أولاند بتشكيل حكومة جديدة منسجمة مع توجهاته الاقتصادية والسياسية. الرئيس إذن هو الذى يحدد لحكومته توجهاته وسياسته وعلى الوزراء التنفيذ، ثم يتم تقييم أدائهم طبقًا لذلك، فالوزير الذى يتقاعس عن تنفيذ هذه الرؤية بسبب فشله الإدارى أو نقص خبرته أو جهله ليس له مكان فى فريق الرئيس، الأمور واضحة ولكن سياسة الرئيس غامضة! لا أتصور أن أيًّا من الوزراء الست الذين استبعدوا كان لديه تصور واضح عما يريده الرئيس، وعلى رأسهم وزير الداخلية، فالرئيس يردد مقولة: على المسؤول أن يبذل قصارى جهده، وهم فعلوا، ولكنهم كانوا يحرثون البحر. رسائل السيسى الغامضة ليست فقط من نصيب الوزراء والمعاونين، ولكن أيضًا للشعب، فهو يكرر دائمًا مصر أم الدنيا وهتبقى أد الدنيا كيف للشباب أن يستقبلها؟ وكيف له أن ينفذها؟ ما الأدوات والوسائل التى تمكنهم من تحويل ذلك إلى واقع يخفف عنهم وطأة الإحساس بالفشل الذى يعانون منه؟ الغريب أن هذه الرسالة التى تستدعى كرامة المصرى وتاريخه الحضارى عبر الزمن يقابلها تصريح الرئيس فى عديد من المناسبات بامتنانه الشديد للمساعدات الخليجية التى لولاها ما استطاعت مصر أن تتجاوز محنتها، وأن مصر لا تعتدى ولا تسعى لدور خارج حدودها. ماذا يريد القائد بهذه الرسائل؟ أن نحمد ونشكر أصحاب الفضل ونفكر كيف نرد الجميل؟ أن لا نحلم بنفوذ مصرى يتعدى الحدود ليحمى الحدود؟ ما زالت رسائل الرئيس غامضة، وهو ما يؤدى إلى التشوش الذى نعيشه ويظهر فى تصريحات الوزراء والمسؤولين، وفى الإعلام الذى يريد أن يرضى السيسى، ولكنه لا يعرف ماذا يريد الرئيس! إدارة دولة كبيرة مثل مصر فى هذه الظروف تحتاج إلى الوضوح والإعلان الصريح عن رؤية الرئيس وسياسته تجاه: الأمن والاقتصاد والتعليم وتحديد النسل والثقافة والسياحة... إلخ، فالوضع لا يحتمل المزيد من الرسائل الغامضة.