فى 27 فبراير عام 1942 نشرت مجلة «المصور» بحجم غلافها الخارجى كله، صورة حالمة للأميرة فوزية ابنة الملك فؤاد الأول، وشقيقة الملك فاروق، وتحت الصورة كتب المحرر «صاحبة الجلالة الإمبراطورة فوزية»، ثم «تهز مشاعر الوطن بعودتها لأول مرة بعد زواجها، وجلالتها فى حلها وترحالها تثير أعمق العواطف، أحاطها الله بالسلامة فى الحل والترحال». كانت الأميرة فوزية قد تزوجت من محمد رضا بهلوى عام 1939، ولى عهد إيران، والذى أصبح حاكما للبلاد فى ما بعد، وحصلت فوزية على لقب الإمبراطورة فى أثناء زواجها منه. وجدير بالذكر أن الملك فاروق لم يكن موافقا فى البداية على هذه الزيجة، وذلك لاختلاف مذهب الشيعة الذى يعتنقه الإيرانيون، عن مذهب السُّنة الذى يعتنقه المصريون، وهذا ما روَّجه البعض آنذاك، ولكن الأمر كان أكثر تعقيدا، إذ إنه لم يكن بهذه البساطة فقط، وإن كان عامل اختلاف المذهبين كان عنصرا لتشدد فاروق فى عدم الموافقة فى بداية الأمر. ولكن انحياز القيادة الإيرانية فى ذلك الوقت إلى دول المحور -الخطر الأول على بريطانيا فى المستعمرات التابعة لها- دفع بجحافل من القلق فى صدور القيادة الإنجليزية، التى كانت تدير الحياة السياسية فى مصر، بعيدا عن كل الأفكار التى روَّجها بعض حواريى الملك فاروق بأنه العدو الأول للاحتلال الإنجليزى فى مصر، وأن الإنجليز فرضوا عليه وأجبروه على تنصيب مصطفى النحاس باشا رئيسا للحكومة فى حادثة 4 فبراير الشهيرة عام 1942، ولكن الملك فاروق كان حريصا بكل الأشكال على إرضاء السيد الإنجليزى على حساب الوطن المصرى بكل فئاته وطبقاته وأحزابه السياسية. ولكن الزواج قد تم تحت ظروف وضغوط كثيرة، وأقيمت الأفراح والليالى الملاح فى القاهرة، على شاكلة ليالى ألف ليلة وليلة الخيالية، وبعد سفرها إلى طهران تم زفافها مرة أخرى هناك، وأنجبت منه ابنتهما الوحيدة الأميرة شاهيناز بهلوى، وذلك فى العام التالى من الزواج مباشرة 1940. ولم تكن هذه الزيارة الأولى سوى التمهيد الأوّلى للطلاق الذى حدث فى القاهرة عام 1945، وتم تأكيد هذا الطلاق فى طهران عام 1948، وإن تم تصوير هذه الزيارة على أنها زيارة مباركة وميمونة وعظيمة، إذ جاء فى الصفحة الثالثة من مجلة المصور ، وتحت عنوان الزيارة العظيمة : تعطَّرت مجتمعات المجتمع السياسى بالحديث العاطفى الفياض حول زيارة الإمبراطورة فوزية والأميرة شقيقة الإمبراطور، ولم تكن الزيارة رسمية، ولهذا كان استقبال الزائرة العظيمة استقبالا عائليا بحتا فى مطار ألماظة اقتصر على جلالة الملك، وجلالتى الملكتين، والأميرات الشقيقات، ومدام قطاوى، وكان السرادق المعدّ لذلك لا يحتوى أكثر من سبعة كراسى، ويقال إن الزائرتين الكريمتين ستمضيان أربعة أسابيع فى الوطن المصرى الجميل . ونلاحظ أن المحرر -العارف ببواطن الأمور- حاول أن يجمّل الخبر بكل طاقاته ومواهبه الصحفية فى صياغة الأخبار، محاولةً منه على تغطية الشائعات التى انتشرت وقتذاك، حول الخلافات العميقة التى تفاقمت بين كل أطراف المقام الملكى المصرى والمقام الإمبراطورى الإيرانى، ولذلك سنلاحظ أن تأكيد الخبر أن الزيارة عائلية بشكل بحت، ووجود شقيقة إمبراطور إيران، كلها متبلات لتسويق أن الأمور تمام، وكل شىء على ما يرام بين الأسرة الملكية المصرية، والأسرة الإمبراطورية الإيرانية. وفى صفحتى المنتصف المهمتين بمجلة المصور ، تمت متابعة الزيارة صحفيا، من خلال نشر وأخبار الزيارة العظيمة، يقول الخبر الأول: استقبلت الأسرة المصرية المالكة ضيفة عزيزة، وملكة محبوبة هى صاحبة الجلالة إمبراطورة إيران، وقد وفدت جلالتها بالطائرة هذا الأسبوع فى زيارة عائلية ملكية، وهذه هى الزيارة الأولى لجلالتها بعد قرانها بإمبراطور إيران الحالى، وسفرها إلى طهران فى أبريل 1939 . وتحت عنوان جلالتها فى قصرها الهمايونى ، جاء ما يلى: وقد أقامت جلالتها منذ سافرت إلى طهران مع جلالة الإمبراطور فى قصر بُنى خصيصا لها بعد زواجها يدعى (كاخ والا حضرت همايونى) أى (قصر سمو الأميرة)، وقد سمّى كذلك فى عهد جلالة الشاه السابق، وما زال يطلق عليه هذا الاسم بعد اعتلائها العرش تذكارا لقرانهما السعيد، ويقوم فى أجمل شوارع طهران . ويصف المحرر الحياة التى تعيشها جلالة الإمبراطورة المصرية فى إيران، وكيف تأكل وتشرب، إذ يقول وتعيش جلالتها فى طهران عيشة إيرانية صرفة، وقد أصبحت تتكلم الإيرانية بطلاقة، وتتقنها قراءةً وكتابةً، وجميع وصيفاتها إيرانيات، كما أن جميع خدمها من الإيرانيات والإيرانيين ما عدا (القلفة)، فهى المصرية الوحيدة التى بقيت مع جلالتها فى إيران، وكانت (قلفتها) فى مصر، واسمها بهية سرور، وأصلها من السودان . ويصرّ المحرر على تأكيد عائلية الزيارة وخصوصيتها وابتعادها تماما عن أى شكليات ورسميات سياسية، لذلك كانت زيارة الإمبراطورة فوزية، والأميرة أشرف شقيقة محمد رضا بهلوى، زيارة ليس لها أى برنامج خاص، وستقام لها حفلات عائلية صرفة داخل القصور الملكية، وقد صرحت الإمبراطورة ب إننى أحب مصر كما أحب إيران، وقد عشت بين الإيرانيين، فأحببتهم وأحبونى، وأصبحوا عشيرتى وشعبى، وأنا أعود اليوم إلى وطنى الأول -وطن أهلى وأسرتى- وشعب آبائى وأجدادى . ولكن كل هذه المودات لم تمنع من تزايد الخلافات والصراعات، حتى حدث الطلاق بالفعل، لتتزوج الأميرة فوزية من الضابط إسماعيل شيرين، الذى أصبح آخر وزير للحربية المصرية فى العهد الملكى قبل ثورة 1952، وتنجب منه ولدا هو حسين عام 1955، وبنتا هى نادية عام 1950، وقد تزوجت من الفنان يوسف شعبان، ولم يستمر هذا وقد حدث الطلاق بينهما. عاشت الأميرة فوزية واحدا وتسعين عاما، وتوفّيت 2 يوليو 2013، وكانت جنازتها فى القاهرة فى اليوم التالى لرحيلها، وتمت الصلاة عليها فى مسجد السيدة نفيسة، لتُدفن بجوار زوجها إسماعيل شيرين.