إذا كان سكان الدولة من الرجال يقعون تحت طائلة القانون التيسى، معنى ذلك أنه من اللازم أن يتم التعامل معنا مثلما يتم مع التيوس. أولا، لا يجوز إطلاقا أن يكون التيس محبوبا أبدا. الشاذون، أولئك المجانين المهتمون جنسيا بالحيوانات، هم فقط الذين يحبون التيوس. ثانيا، لا يوجد أى احترامٍ للتيس. وفى النهاية، لا يوجد أى أسفٍ أو حزنٍ عند ذبح التيس. التيس، ليس صديق الإنسان. والتراجيديا لدى اليونانيين القدماء كانت تُسمى أغنية تيسية، وهذا يعنى أنه لن يكون هناك أى مستقبلٍ فى بلادنا. فالتيوس لا تملك مستقبلا. ومن الصعب أن نجادل فى ذلك. لكن ألا يمكن أن نشك فى الاستنتاج الأولى؟ فالسباب، ليس كنية أو اسما مستعارا. ولو حتى كنا تيوسا، فنحن تيوس بين الأقواس، أى بالمعنى المجازى حصرا. ومع ذلك، فهذا لا يعلل أو يواسى، لأن التيس المجازى كائن متعفن روحيا، الأمر الذى يعتبر أيضا فى غاية السوء. فهل من الممكن أن نبرهن بحق أننا لسنا تيوسا؟ إذن فأى براهين لدينا يمكن أن نقدمها إلى صديقاتنا وزوجاتنا على أننا لسنا تيوسا؟ مَنْ مِنَّا فى قرارة نفسه لم يسب نفسه بالتيس؟ مَنْ مِنَّا لم يجلد نفسه بسبب انتمائه التيسى؟ إن الهوية التيسية والوعى التيسى موجودان بداخلِ كلٍّ منا. وفى هذا لُبُّ القضية. فالتيسُ يريد أن يرى الجميع تيوسا، وبخلاف ذلك سيعز عليه الأمر، سيحزن ويتضايق. ما ورد أعلاه جزء من قصة بعنوان «التيوس» للكاتب الروسى فيكتور يروفييف، نشرت فى حقبة التسعينيات من القرن العشرين بعد انهيار الاتحاد السوفييتى. والكاتب من مواليد عام 1946. ومع ذلك فهو من كتاب جيل الثمانينيات لأسباب كثيرة معروفة. لكى نوضح «قيمة» كلمة التيس فى روسيا ونحاول العثور على معادل موضوعى وقيمى لها فى اللغة العربية يمكن أن نقرأ جزءا آخر: «التيس كلمة كريهة، سباب حاد، أشدُّ من كلمات السباب بالأم. ولعله أشهر سباب فى روسيا فى يومنا هذا. فهو لا يعرف أى حدود للعمر، حتى المربون فى رياض الأطفال يستخدمونه». هكذا تمكن الكاتب من توصيف مجتمعه خلال 10 سنوات كاملة عمت فيها الفوضى كل مناحى الحياة، وسيطرت فيها زمرة من المجرمين السياسيين والمشعوذين وقطاع الطرق وطواغيت المال على مقدرات الدولة. فحولت البشر إلى «تيوس»: كل ذلك، مثل الوباء، يوقظ بعض الشىء. وتكون النتيجة أننا نعيش فى دولة تيسية مطلقة، حيث يتضح أن الغالبية العظمى منا تيوس مرتين وثلاثا حينما يجمعون بين الأدوار المختلفة للتيوس. وعلى أى حال لم يكن الجميع فى الماضى تيوسا. فعلى سبيل المثال، كان هناك استثناء لرواد الفضاء. ومن المشكوك فيه أن أحدا ما قد سُمَّى جاجارين تيسا. لكن صار رواد الفضاء الآن تيوسا أيضا. والشعراءُ -أيضا تيوس. والمغنونَ المشهورون -على وجه الخصوص- تيوس. حتى الأجانب فى روسيا، أولئك الذين كانوا حتى وقت قريب يتمتعون بالامتيازات، أصبحوا أيضا تيوسا لا تقلُّ أو تزيدُ عن التيوس المحلية. من جهةٍ أخرى، فكثير من الشخصيات الروسية التاريخية التى رحلت عنا -من أمثال لينين- دخلت فى زمرة التيوس. لدينا ماضٍ تيسى. وتَشَكَّل لدينا وضعٌ تَيسى، حتى على الجبهة الجنسية. وإذا أخذنا فى اعتبارنا أن كمية غيرَ قليلةٍ من النساء الروسيات ترى أن الرجال الروس تيوس، فالوضع يصبح أشد خطرا. وبالتالى فكل ما يجرى فى روسيا- أمر بديهى. ولم ينس يروفييف أن يذكر قائمة التيوس، إذ حددها كالتالى: رؤساء العمل تيوس. المرؤوسون تيوس. الديمقراطيون تيوس. الشيوعيون تيوس. الإنتلجنسيا تيوس. الشباب تيوس. العمال تيوس. الروس الجدد تيوس. المحالون على المعاش تيوس. العلماء تيوس. الفلاحون، بالطبع، أيضا تيوس. فى الجيش كلهم تيوس، من الجنود إلى الجنرالات. ومن البديهى أن يكون الرئيس أيضا التيس الرئيسى. ويصل الكاتب إلى لحظة النور أو التنوير متسائلا: هل هناك أى مخرج من هذا الوضع الناشئ؟ نحن الشعب المؤمن، الذى يعشق تعاويذ السحرة ورقيهم، يجب أن نجمع العالم كله: الشباب ورجال الشرطة والشيوعيون والمحالون على المعاش والروس الجدد، ونشرع فى الغناء: نحن لسنا تيوسا. تيوس ليس نحن. يجب أن نكرر ذلك إلى ما لا نهاية وعلى تنويعات موسيقية مناسبة: راب... راب... أو... تم... تم. بإيقاع هادئ.. وصاخب. بسرعة وببطء. بعقل ودون عقل. لكن الرئيسى هنا هو أن يكون الجميع مبتهجين فرحين مهللين: نحن لسنا تيوسا. تيوس ليس نحن. عندئذ سيكون كل شىء على ما يرام.