لا مفر من تسمية الأشياء بأسمائها، فما يحدث الآن فى المنطقة حرب إقليمية حقيقية فى طريقها إلى أن تتحوَّل إلى حرب الجميع ضد الجميع، وهو ما يجب أن تدركه القيادة المصرية فى مواجهتها الأخيرة ضد الإرهاب. فما يحدث لا يجب اختزاله فى انتشار بعض الميليشيات على الحدود لنواجهها ببعض الهجمات الجوية البطولية، لعلّ وعسى نقضى عليها. فهذه الحرب تحتاج إلى استراتيجية متكاملة للفوز بها، ومن أهم محاورها على المستوى القريب ما يلى: أول محور هو التحرُّك العسكرى السليم الذى يحتم على الجميع مساندته حاليًّا حتى لو كان هناك بعض التحفظات حول غياب المعلومات وتضاربها. فلا يمكن الانتصار فى أى حرب دون وجود ذراع عسكرية قادرة على الإنجاز، وللأسف صدق الشاعر حينما قال: الحرب فى حق لديك شريعة/ومن السموم الناقعات دواء. ثانى محور هو إصلاح الجبهة الداخلية، فقلما انتصرت دولة على عدو خارجى دون وجود استقرار سياسى داخلى، ولذلك فالصرخات الإعلامية ليل نهار التى تدعو إلى تسويف التحوّل الديمقراطى وتجاهل حقوق الإنسان، حتى ننتصر على العدو، لن تؤدّى إلا إلى الهزيمة، لا قدّر الله. فالتحول الديمقراطى ليس رفاهية، بل أداة لتقوية الشرعية والبنية الأساسية للدولة، وتساعدها على الانتصار فى الحرب الحالية. وإصلاح الجبهة الداخلية يعتمد إلى حد كبير على كيفية إدارة عملية انتخابات البرلمان القادم، وتعديل قوانين مثل قانون التظاهر وحرية التنظيم، والكف عن التنكيل بالمعارضين فى الإعلام، وتفعيل ما نصّ عليه الدستور من حقوق وحريات، والبدء فى تطوير الجهاز الأمنى الداخلى، بالإضافة إلى تنفيذ برنامج للعدالة الانتقالية. ثالث محور هو أن الانتصار فى الحرب الحالية يتطلَّب رؤية وحلًّا شاملًا للقضايا المعلقة فى المنطقة، ولذلك فعلى الدولة المصرية التحرُّك فى عدة اتجاهات مختلفة، مثل المفاواضات الإيرانية ومجموعة الخمسة+1، وتوضيح الموقف المصرى إزاء الحرب فى سوريا، وإعادة جهود السلام فى الملف الفلسطينى، وعدم التجاهل التام لما يحدث فى اليمن. رابع محور هو التحرُّك السريع فى بناء تحالف إقليمى رسمى لمواجهة الإرهاب، له رؤية وأهداف وخطط واضحة. ولن نستطيع الاعتماد على جامعة الدول العربية فى بناء هذا التحالف أو ننتظر ما تسفر عنه اجتماعات مجلس التعاون الخليجى. كما أنه لا تبنى التحالفات الإقليمية من خلال علاقة شخصية بين قادة دولتين مثلما كان الحال مع الملك عبد الله خادم الحرمين. خامس محور هو الاستثمار فى دراسات شاملة حول أسباب انتشار الإرهاب وجذبه عديدا من الشباب. فحتى الآن كل التحليلات تتمحور حول أسباب نظرية أو شخصية، مثل مشكلات فى نص التفسير الدينى أو بسبب الفقر أو نتيجة الجهل، ولكنها تبقى اجتهادات تحتاج إلى سند علمى، لتأكيدها من خلال دراسات سيكولوجية ونفسية واجتماعية وسياسية. الانتصار فى الحرب الحالية لن يحدث بالبروباجندا الإعلامية والأغانى الوطنية، بل بالعمل على تلك المحاور الاستراتيجية. تلك مجرد خطوط عريضة للمحاور العامة، ولكن على أجهزة الدولة تحويلها إلى استراتيجية متكاملة من خلال حوار وطنى جاد. وإن كنا نساند العمليات التى تقوم بها القوات المسلحة حاليًّا، فإننا نؤكِّد أن هذا الجهد وحده لن يمنع تكرار مشهد مؤلم كالذى شاهدناه فى ليبيا الأسبوع الماضى.