لا يحكى الفيلم البريطانى «نظرية كل شىء» عن عالم الفيزياء الشهير «ستيفن هوكينج» بقدر ما يحكى عن الإنسان «ستيفن هوكينج» الذى عاش بالحب وبالأمل، والذى قهر عاهته ومرضه، الرجل الذى تغيرت حياته بفضل امرأة عشقته، «جين وايلد»، زوجة هوكينج السابقة وأم أولاده الثلاثة، هى التى سيحكى الفيلم من خلال عيونها عن حياة العالم الكبير. إنها صاحبة كتاب «من مذكرات السفر إلى اللا نهاية.. حياتى مع ستيفن» الذى اقتبس عنه الفيلم، كان ستيفن يطمح دومًا إلى تأليف كتاب يفسر كل شىء، وقد كتب بالفعل كتابًا مهمًّا للغاية بعنوان «التصميم العظيم» شرح فيه نظرية كونية لكل شىء، ولكن الفيلم يختصر الأمر فيقول بوضوح إن نظريات العلم قد تتغير، قد نفشل أحيانًا فى إثباتها، أما الأمر الذى لا يتغير فهو قدرة الحب والأمل على صنع المعجزات، الحب بالذات هو «نظرية كل شىء». هنا رؤية إنسانية عامة وذكية، ولذلك مر الفيلم سريعًا على نظريات هوكينج ، أخذ منها مجرد عناوين وبعض الشرح البسيط، لم يتعمق مشكلة الزمن وهى محور دراسات هوكينج ، الإحساس بالزمن دراميا كان يستحق على الأقل كتابة تواريخ على الشاشة تنقلنا من الستينيات إلى أعوام أخرى فاصلة فى حياة هوكينج ، ولكن التاريخ الوحيد الذى كتبوه هو بداية الأحداث فى العام 1963، بل إن مشاهِد الفيلم لن يفهم شيئًا تقريبًا مما يتردد عن إلحاد هوكينج ثم إيمانه بوجود إله، ثم سؤاله فى النهاية عن إلحاده مرة أخرى، فى أول لقاء مع جين وايلد ، الفتاة التى تدْرس الأدب والشعر بالفرنسية والإسبانية فى جامعة كامبريدج، يقول لها هوكينج إن علم الكون، محور دراسته، يختاره الملحدون الأذكياء ، بينما تبدو هى مؤمنة بالله، وعندما ينتهى هوكينج من كتابه الشهير موجز تاريخ الزمن ، تبدو جين سعيدة برأى هوكينج بوجود إله، وإن كان الأمر ما زال بالنسبة إليه فى دائرة الاحتمال، لن يفهم المتفرج أن هوكينج كان يربط ذلك بنظرياته، فإثبات أن الزمن له بداية كان يقربه من دائرة الإيمان بوجود إله، ولكنه قال بوضوح فى كتاب التصميم العظيم إن نظرية كل شىء التى وصلت إليه لا تستلزم وجود قوة قامت بخلق الكون، كان يجب أن يعمق الفيلم ويشرح بشكل مبسط أن هوكينج لم يكن يؤمن فى الواقع إلا بالعلم، وكان لا بد من تفسير إلحاده، ما دام أنه محور أساسى فى علاقته مع زوجته جين وايلد . يؤخذ على السيناريو أيضًا أنه قدم جين بصورة مثالية تمامًا، حتى علاقتها الملتبسة مع جوناثان ، الشاب الذى أحضرته لكى يعلم أولادها الثلاثة من ستيفن البيانو، ظلت غامضة، هناك بالتأكيد مشاعر عاطفية اختبرتها تجاه جوناثان الذى تزوجته فى ما بعد، بعد انفصالها عن هوكينج ، ولكن الفيلم يوحى بأن هذا الانفصال جاء بسبب هوكينج نفسه، أو فلنقل إن السيناريو لم يفسر بشكل كافٍ: لماذا يتململ هوكينج ؟ ولماذا أصبح يميل إلى سكرتيرته الجديدة إيلين التى تعلمه الطريقة المبتكرة لاستخدام جهاز يقوم بتحويل حركة عينيه إلى كلمات مسموعة؟ ربما تكون إحدى مشكلات الدراما فى الفيلم هى أن هوكينج يبدو كشخصية من لحم ودم، بسيط ومرح وخفيف الظل ويتمتع بشخصية مرنة ونابضة بالحياة، بينما تبدو جين شخصية مصنوعة وجافة، وأقرب إلى شخصية معلّمة الفصل التى تكاد تتوقع تصرفاتها، وردود أفعالها، فلم تكن المثالية التى رسمت بها الشخصية لصالح جين ، أتحدث هنا عن الدراما لا الواقع، فبطلا الفيلم لا بد أن يكونا على نفس الموجة، مع التسليم بأن جين وايلد الحقيقية كان لها الدور الحاسم فى نجاح هوكينج ، وحصوله على الدكتوراه من جامعة كامبريج، كما أنها أسهمت فى بقاء هوكينج على قيد الحياة، وصنعت له حياة أسرية رائعة، كان من الأفضل كثيرا دراميا أن تكون الشخصية أقل مثالية على الشاشة. فى كل الأحوال، فإن قصة حب جين و هوكينج كانت تستحق أن تروى، وقصة حرب هوكينج ضد المرض الذى أصابه بالشلل التام كانت تستحق أن تسجل من خلال أداء ممثل خطير هو إيدى ريدمان ، الذى تدرب لشهور قبل التصوير مع مدرب للحركة وآخر للصوت حتى تظهر الشخصية بكل تفاصيل مرضها الغريب، كما أن ريدمان سجل لنفسه رسومات بيانية لأداء الشخصية حتى لا تفلت منه، خصوصًا أن مُشاهد الفيلم لا يتم تصويرها بنفس ترتيبها فى السيناريو المكتوب. القصة كلها تضع الإنسان فى مواجهة الزمن، قد يتحطم الجسد تمامًا، ولكن تظل إنسانية الإنسان ممكنة ما دام احتفظ بعقله وبقلبه، هذا هو المعنى الأجمل رغم ملاحظاتى الكثيرة على السيناريو، ولذلك سيقول هوكينج فى النهاية إنه طالما كانت هناك حياة، فسيكون هناك أمل، ولذلك أيضًا سيعود شريط الذكريات إلى الوراء، لنتوقف عند لحظة لقاء جين و هوكينج الأولى التى ولد بسببها من جديد، أصرت هى على الزواج منه، رغم علمها أنه قد يموت بعد سنتين فقط، وهبته حياتها، وظلت صديقته حتى بعد انفصالهما، أصبح لديهما ثلاثة أحفاد، ورفض لقب فارس من ملكة بريطانيا، إضافته كبيرة للعلم، ولكن الكون الحقيقى الذى أعاد تشكيله كان فى داخله، لقد اكتشف قدرة الإنسان على الصمود، وأهمية الحب والأمل فى استمرار الحياة، بل وفى مقاومة الزمن، ولعلها نظرية أعمق وأكثر غموضًا من كل المعادلات الرياضية، ولعل الرجل الذى كشف ماهية الثقوب السوداء فى الفضاء، قد أهدانا بحياته وبكفاحه وسيلة لكى نقاوم ثقوبًا سوداء أعمق فى داخلنا، ومنحنا نجومًا لامعة من طرق حب الحياة، والتمسك بها.