1 كان يدرس فى إحدى الدول الأوروبية، وحينما تخرّج حصل على فرصة العمل التى كان يحلم بها فى دولة أخرى، كان يتمنى أن يعيش فيها، فقامت موجة يناير 2011 وقتها، فلم يتردد كثيرا، وقرر العودة إلى مصر للمشاركة فى بناء الدولة جديدة، ليتحول حلمه من الذهاب إلى دولة متقدمة إلى العودة لمصر والمشاركة فى جعلها أكثر تقدما، أما اليوم فلو جاءت له فرصة عمل فى السودان لذهب سيرا على الأقدام. 2 قرر الرئيس محمد حسنى مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية ، لم يتمالك نفسه من الفرحة وذهب يحتفل حتى صباح اليوم التالى فى ميادين مصر كلها، وحينما استيقظ من النوم قرر أن يذهب إلى جيرانه فيجمع بعض التبرعات لدهن الرصيف وتجميل الشارع، أما اليوم فإنه زبون مستدام لإحدى القهاوى فى وسط البلد، بعدما أهدر آخر ثلاث سنوات يهدم فى الأرصفة من أجل توفير طوب لاستخدامه فى التظاهرات، تحول من جندى فى جيش المستقبل إلى حمل من أحمال الماضى. 3 حينما تخرجت فى الجامعة كان أقصى طموحها أن تعمل فى إحدى الشركات الخاصة حتى الزواج، لكن لما قامت الثورة لم تستطع أن تتحكم فى أحلامها، فأنشأت مبادرة مع أصدقائها لتنمية المجتمع، حالمة بأن تكون إحدى أكبر الجمعيات الخيرية فى العالم، أما اليوم فهى يائسة بائسة لا تعمل وتريد الزواج، أصبحت جزءا من المشكلة بدلاً من الحل. 4 انتهت إجازة نصف العام وعادت إلى الدراسة، فكان الحديث كله عما حدث فى الإجازة وتخلى الرئيس عن الحكم، وإيمانا واعتقادا بأهمية المشاركة السياسية قررت وهى لم تتجاوز من العمر 13 عاما تنظيم تظاهرة صغيرة فى المدرسة، من أجل الضغط على الإدارة لاعتبار حصة الموسيقى فى المدرسة حصة أساسية، أما الآن فهى يتم التحقيق معها، لأنها أرادت تنظيم حملة للتوعية السياسية من وجهة نظرها. يحقق معها الآن رجل على مشارف الستين، لأنها تريد أن تشارك بإيجابية فى كتابة مستقبلها ومستقبل أولادها. ■ ■ ■ قصص كثيرة عن رجال ونساء، أطفال وعواجيز، وأغنياء وفقراء، شعروا بحب البلد وأنهم جزء منها، فتحملوا المسؤولية لبناء البلد من جديد. لم يجمعهم سوى المستقبل فاصطدموا مع عشاق الماضى الأليم. الصراع فى مصر ليس دينيا-علمانيا، كما يصوّر البعض، لكنه بين القديم والحديث. والقديم والحديث لا يعنيان السن ولكن الفكر. الشعب حقا منقسم ما بين مَن يرى فى الماضى أمجادا يجب أن نستعيدها وصراعات ندافع عنها، وما بين نصف آخر يجمعه المستقبل، وأكثر ما ميز من نزل يوم 25 هو إيمانهم بالمستقبل. ولكن هناك -مع الأسف- مَن يعشق الماضى دون أن يتعلم من أخطاء التاريخ، ومن دروس التاريخ أن الأمم غير الحالمة لا تتغير أو تتقدم. سيظل حُلم التغيير السليم الذى يتوحد من حوله المصريين موجودا، ولا يجب أن تشغلنا صراعاتنا الثنائية والصفرية الحالية عن التعاون معا من أجل المستقبل، أمامنا فرصة جديدة فى انتخابات البرلمان القادم فى أن تثبت السلطة نيتها والمعارضة قدرتها على العبور إلى المستقبل.