تصوير: أمانى زيان إذا كان الشباب المصري قد نال إعجاب العالم كله بثورة 25 يناير السلمية التي أسقطت النظام.. إلا أن العالم وقف مبهوراً عندما وجد هؤلاء الشباب حريصين علي تنظيف ميدان المعركة.. ميدان التحرير، لأن هذا الفعل المتحضر الراقي يحدث لأول مرة في العالم ولأن هؤلاء الشباب شعروا أن البلد بلدهم بالفعل.. انطلقوا يعبروا عن انتمائهم وحبهم لبلدهم بالفعل أيضا وليس بالشعارات أوالكلمات المنمقة ومثلما أسقط شباب 25 يناير النظام أسقط شباب كثيرون في جميع أنحاء الوطن السلبية واللامبالاة ورفعوا شعار عشانك يا مصر ستكوني أجمل وأنظف بيد أولادك. الحملة انطلقت في كل مكان والسطور التالية ترصد جهود الشباب في الدقي والمهندسين وإمبابة وفيصل والعجوزة وميدان التحرير ورمسيس • الدقي والمهندسين مجموعة كبيرة من الشباب التفوا حول نادي الصيد والمنطقة المجاورة مرتدين قفازات ويحملون مكانس لتنظيف المنطقة وكذلك دهان الرصيف.. تفاءلت بشباب في عمر الزهور في مستوي اجتماعي راق وعال يقومون بهذا العمل الذي لا يقل أهمية عن المشاركة السياسية لصالح بلدهم.. ثم وجدت ورقة مكتوبة علي العمارة.. لو عايز تنظف بلدك وتشترك معنا اتصل علي الأرقام الآتية: • 7 آلاف شاب صاحب هذه الفكرة هو أحمد المكاوي -21 سنة- طالب بكلية الهندسة قسم عمارة عن هذه الفكرة يقول: «أنا من سكان مصر الجديدة ويستفزني جدا إلقاء الناس للزبالة في الشارع ومنذ فترة طويلة قررت أن أبدأ بحملة نظافة للشوارع كلها من حولي وبالفعل كتبت ذلك علي الفيس بوك ونزلت بمفردي في الشارع أحمل «مقشة» ولك أن تتخيل تجاوب الناس من أول يوم فقد عدت لبيتي يساعدني 30 من الشباب الذين تحمسوا معي، لذا قررت أن تكون الحملة أكثر تنظيما ووضعت نمر تليفوناتي لمن يريد المشاركة لننسق المواعيد معاً ففوجئت بأعداد كبيرة جدا لذا طلبت من صديق لي اسمه عمر أن يساعدني في هذا التنظيم وعندما اتصل بي ناس من مناطق بعيدة كالهرم والمعادي والمهندسين أعلنت علي الفيس بوك عن ناس متطوعة تكون مسئولة عن المناطق الجغرافية المختلفة فمن يسكن في المعادي يتصل بالمتطوع الذي ينظم حملة المعادي ومن المهندسين ويريد المشاركة يتصل بالمتطوع الذي يسكن في هذه المنطقة وهكذا ونتفق جميعا علي أيام ننزلها جميعا لننظف شوارعنا وأحياءنا وبالفعل اجتمعنا في يوم جميعا واتفقنا علي ذلك وبدأنا النزول من 20 يوما من مناطق مدينة نصر ومصر الجديدة والدقي كل حي ومعه قائده وكانت أول خطوة هي كنس الشارع، ثم قمنا بدهن الرصيف ثم فكرنا بنشر التوعية عن طريق كتابة أوراق نحملها أو نوزعها علي السوبر ماركت والمحلات والصيدليات لبناء وعي النظافة في الشارع وعدم إلقاء أي شيء في الأرض وجميعنا طلبة جامعيون أكبرنا يبلغ 25 سنة والمتطوعون من جميع المناطق. الغريب أن يوم تنحي الرئيس كان المشاركون في الصفحة 2500 شاب بعد التنحي شارك أكثر من 7000 شاب تشعر كأن الناس أصبحت متحمسة للتطهير والتنظيف ومحبة لبلادها وعندها رغبة حقيقية في تطويرها وأفضل شيء هو الوعي بأهمية النظافة الذي تم نشره، فأحيانا ونحن ننظف ونكنس نجد شخصا كبيرا في السن ينهر شخصاً لرميه شيئا في الشارع فبمجهودنا وبإيدينا نجبر الباقي علي أن يخجلوا من رمي الأشياء في الشارع وعندما يقترب منا شحاتون يطلبون نقوداً أقول لهم ساعدونا في العمل والتنظيف وسنعطيك في نهاية اليوم 10 جنيهات.. المهم أن نبدأ بأنفسنا وسنشعر بالفرق في البلد كلها.. والخطوة القادمة هي تجميل الشوارع وزراعة الأشجار. من المشاركين في منطقة الدقي سلمي صالح - 19 سنة - طالبة في كلية الطب تقول سلمي: «عندما وجدت ورقة مكتوبة علي العمارة تدعو للمشاركة في حملة «نظف بلدك» سارعت بالاتصال بالمسئول عن منطقة الدقي وفرحت عندما علمت أنه متطوع وجار قريب مني خاصة أن فكرة التنظيف للشوارع فكرة ظلت تراودني منذ فترة طويلة جدا وكنت أسمع أفكارا مشابهة للتجميل ولكن لا تلبث أن تختفي وتنطفئ الحماسة، لذا صممت هذه المرة علي المشاركة وأحضرت من بيتي المعدات اللازمة من مقشات ووسائل تنظيف وطلبت من جيراني المشاركة لنشجع بعضنا جميعا. توافقها الرأي عالية شامل - طالبة بكلية الصيدلة وتقول «النظافة من الإيمان» وواجبنا جميعا أن نحافظ ولو علي نظافة شارعنا فإذا اهتم كل فرد بشارعه واشترك في ذلك أبناء الحي الواحد فكل البلد ستصبح نظيفة وهذا هو دورنا كشباب متعلم أن ننشر مفاهيم النظافة والرقي والنظام في كل الشوارع ولي أصدقاء رفعوا أوراق تحمل شعارات النظافة وأهميتها وتحث الناس علي عدم إلقاء شيء في الشارع، فإذا كانوا لا يريدون حمل القمامة من الشارع فعلي الأقل لا يوسخون الشارع. • جمال بلدي دليل وطنيتي سامح كامل - طالب بكلية الهندسة -يقول: «فوجئت بعد موعد تمريني في النادي وأنا ذاهب للبيت بشباب نظيف جدا يكنس الشارع ويحمل القمامة في أكياس.. وتحمست جدا لأشاركهم فهذا هو التحضر بعينه، خاصة أنني كنت أشمئز جدا عندما أجد تلالا من القمامة في هذه المنطقة التي يفترض أن تكون راقية والشباب والبنات منظرهم شجعني لأشاركهم وعملت الجروب علي الفيس بوك وأعجبني جدا حماسهم ونقلوه إلي. ناجي سميح -20 سنة- طالب بكلية العلوم يقول: «أن أحافظ علي جمال بلدي لا يقل وطنية عن خروج الشباب للمطالبة بحقوقهم السياسية وإذا كنا ننوي فتح صفحة جديدة علي مستوي مصر من عدم الفساد والمحسوبية ونشر معاني الديمقراطية والعدل، فالنظافة يجب أن تكون في قائمة أولوياتنا فلا ننظر كشباب من ينظف لنا شارعنا بل نقوم نحن بهذا الدور حتي عند عودتنا للدراسة فإننا سنستمر كمجموعة ننظف شوارعنا في كل إجازة أسبوعية لنا فهو أفضل من تقضية الوقت علي كافيه ويشعر الإنسان بالمشاركة والتعاون والحب والإخلاص بين كل المشاركين ويملؤني التفاؤل بهذه الصفحة الجديدة. علي مصطفي - 18 سنة - طالب بكلية التجارة يقول: شاركت في ميدان التحرير عندما كان زملائي يبيتون هناك وبعد التنحي قررنا تنظيف الميدان ودهانه وسعدت كثيرا لأني شعرت بأن هذه هي البداية... بداية لحياة جميلة لكل المصريين.. وعندما وجدت أن هذه الحملة امتدت لشباب كثيرين مع اختلاف أماكن مسكنهم واشترك في حب تجميل البلد كل هؤلاء الشباب سعدت بأن أكون جزءاً من هذه الحملة في المنطقة التي أسكنها بالدقي وسأحرص علي الاستمرار في المشاركة وأطالب كل شباب مصر بأن يستمر عندهم هذا الحس الوطني والحب لبلادهم.. لأن هذه مجرد بداية وبناء لمستقبلنا نحن الشباب في بلادنا. • ميدان التحرير في أفضل صورة «كل يوم بشعر بفرحة أكبر» من بعد ما مصر رجعتلي وهذا هو سبب وجودي في الشوارع لتنظيفها وإصلاحها كانت هذه الجمل أول ما قاله محمود جمال الذي لم يكمل تعليمه، واكتفي بشهادة الإعدادية لأن ظروفه الاقتصادية لم تساعده.. وأكمل كلامه معي وهو ممسك (بالمقشة) لكنس الشارع، ومستمر في عمله قائلا: بدأنا عملنا بعد تنحي الرئيس لنؤكد للعالم أكمله أننا أحسن شعب وأننا لم نوافق علي الفوضي و«الخراب» كما يزعم البعض، فجموعتنا الآن أعضاؤها 25 عضواً لم نكن أصدقاء أو علي معرفة ببعضنا البعض وإنما تعرفنا علي بعض وقت الشدة أثناء التظاهرات واتفقنا علي أن ننظف أماكنا والميدان ونعيد بريقه كما كان بل ونجعله في أفضل صوره فميدان التحرير حررنا من قيود عدة وحررنا من الفساد وأعاد إلينا مصريتنا... وبالفعل ثاني يوم بعد تنحي الرئيس اتفقنا أن كل فرد يحضر «مقشة وجاروف، وأكياس سوداء»، واشتركنا لنحضر «قفازات لليد»، وماسكات حتي لا نتأذي من تراب الشوارع أثناء تنظيفها... وبدأنا بخطوات بسيطة وأدوات بدائية موجودة في كل بيت فلم نتكلف شيئا سوي مجهودنا وطاقتنا المكبوتة فلم نعد نستخسرها في مصر، فالآن ولأول مرة أشعر أن هذا البلد حقا بلدي ولذلك سأنظف وأبني حتي أراها بأفضل حال... وقبل 25 يناير كان يمتلكني شعور أن كل شيء حلو سأفعله سيسرق وسيضيع مجهودي سدي لكن الآن الحقوق سترد لأهلها... ولا للظلم... وبدأت مخططاتنا بأن ننظف ميدان التحرير وبعدها الكورنيش أمام ماسبيرو ونفق الكورنيش... والآن أصبحت لنا أهداف أخري ليست مقتصرة علي أماكن تواجدنا في التظاهرات فعزمنا الأمر علي أن نذهب لتنظيف الشوارع الجانبية فسكانها لهم حق في أن يعيشوا في نظافة وسنتجه أيضا إلي المناطق العشوائية وعندما سيرانا أهالي هذه المناطق سيخجلون أن يلقوا بقمامتهم ومخلفاتهم في الشوارع بل سنشجعهم أن ينزلوا مثلنا لينظفوا مناطقهم وليحذوا حذونا. • تجمعنا علي حب مصر وأثناء تواجدنا معهم وجدت فتاة تجمعهم بعلو صوتها قائلة: «اتبقي ساعتين عايزين ننظف شارع معروف المتفرع من رمسيس» فبدأوا يحملون أدواتهم واتجهوا إلي مقصدهم ونحن معهم.. وأثناء سيرنا تحدثنا معها فقالت: أنا هناء وأعمل باحثة في مركز البحوث تعرفنا علي بعض وقت الثورة ووقت التنظيف فنحن نعمل منذ 8 أيام شعرنا جميعا أننا نعرف بعض منذ سنوات وكأننا أصدقاء أو جيران أو أهل وأعتقد أن الذي جمعنا بهذا الشعور هو «حب مصر» نشعر بالغربة مع بعضنا بل قلوبنا جميعا علي بعض.. نعمل، نأكل، نرتاح ونغني لنهون أي صعاب علينا فهم حققوا ماكنا نريده وهذا من جانبهم وجاء دورنا بأن نتحرك ونجعل مصر بالشكل الذي نريد رؤيته في أحسن صورة... وكانت خطواتنا الأولي أن ننظف الأماكن التي جلسنا فيها مطالبين بحقوقنا فأيضا المكان له حق علينا أن ننظفه قبل ذهابنا «فمن أتلف شيئاً عليه إصلاحه» وحتي نثبت للجميع أننا نريدها سلمية بدون فوضي، خوف، تلف وخراب فلابد أن نرجع الميدان كما كان. وكل مافعلناه أننا أحضرنا أدوات بسيطة وساعدنا الكثير في شراء بعض الأدوات وهذا بالنسبة للنظافة أما بالنسبة للإصلاح فساعدتنا شركتا يوتن وسايبس في إعطائنا «يونيفورم» حتي لا نضر ملابسنا بالدهانات وأعطونا أيضا دهانات أبيض وأسود وبعض (الفرش) لصبغ الأرصفة الموجودة بالأبيض والأسود.. فقسمنا أنفسنا إلي مجموعتين، مجموعة تقوم بكنس وتنظيف الشارع ومجموعة تقوم بإصلاح الشارع عن طريق دهان الأرصفة. ولم تقتصر جهودنا علي الأماكن التي تواجدنا فيها أثناء التظاهرات وإنما سنتجه إلي مناطق عشوائية لجعلها في صورة أجمل مما كانت فكأنها حملة توعية للناس الذين يعيشون في تلك الأماكن وأتمني أن ينضم إلينا آخرون فنحن قمنا بعمل (جروب علي الفيس بوك) اسمه «عشانك يامصر» لينضم إلينا أعضاء جدد ليساعدونا... فلابد أن نتغير بعد ما مصر تغيرت ولابد أن نقف أمام الخطأ والفساد، ونقول لا... فهؤلاء الشهداء ماتوا من أجل أن يعطوا إلينا فرصة لنعيش بشكل أفضل فلا داعي للخوف ولابد أن نتصدي جميعا للخطأ فسابقا لم أكن أملك جرأة أن أقول «لا» لأي موقف خاطيء فكنت أري الأغلب في محطة المترو ينزل من باب الدخول، ولم أستطع نصحهم بالصح لكن من الآن إذا وجدت شيئاً خطأ سأواجه فاعله بإصلاحه فإذا فعل كل فرد منا هذا سنكون أحسن بلد في العالم وإذا نزل شباب وبنات كل منطقة لتنظيفها ستكون مصر نظيفة وأجمل بكثير فشبابنا ليس مستهتراً، وإنما إذا تم توجيه بشكل صحيح سيفعل المستحيل. • بلدي بجد أما أحمد جمال- 17- سنة فقال: أوجه نداء للشباب ساعدونا وساعدوا أنفسكم في أن نقضي علي مظهر تواجد النفايات في الشارع واستبدال هذا بصورة أكثر حضارة وتقدم في أن يكون كل شارع وحارة وزقاق نظيفاً وجميلاً .. ساعدونا في أن نقضي علي روائح الشارع الكريهة الناتجة من تراكم النفايات لأيام بل أسابيع ساعدونا وساعدوا أنفسكم في أن نجعل بلدنا أجمل وأنظف بلد... ولابد أن يبدأ كل فرد بنفسه وننسي كلمة (وأنا مالي) فمصر بلدنا لها حق عليك ولك حق عليها.. و قول لا لأي خطأ ومن حقك..أن تمنع أي أحد سيرمي قمامة في الشارع أو أن تطلب من أحد ألا يدخن في المواصلات العامة فلا تخجل في أن تقول لا بشكل مهذب ولطيف حتي وإن قوبل ذلك بتعنت من شخص ما أو بتبجح منه... أجعل شعارك... لا لكل خطأ ولا لكل فساد.. وعشانك يامصر سنفعل المستحيل وسننزل ننظف شوارعك بدون كسوف وخجل.. لأنها «بلدي بجد مش في البطاقة وبس». • مسكت المقشة ومش مكسوف: ويقول «علي نبوت» الفرقة الثانية بكلية تجارة جامعة عين شمس: في بادئ الأمر نزلت زميلتي فاطمة للتنظيف بعد الانتهاء من التظاهرات وأخبرتني بما فعلته اليوم مع مجموعة عزمت الأمر علي تنظيف ميدان التحرير ومن ثم شوارع مصر بأكملها فبادرتها أن أنزل معها غدا وبالفعل نزلت وتعرفت علي جروب «عشانك يامصر»، وانضممت إليهم وعملت معهم وشعرت وقتها براحة نفسية كبيرة بأنني أفعل شيء «عشان خاطر مصر» وبدوري أخبرت زميلتي ولاء محمد صابر في كلية العلوم الفرقة الثانية ووافقت ونزلت معنا لتنضم لمجموعة «عشانك يامصر»، وبالفعل ليست كلمة تقال «عشانك يامصر» سننظف، نصلح، نبني، وسنفعل أي شيء لأجلك وفي مصلحتك، ولم ننتظر من اليوم أن يطلب منا أحد أو يحركنا وإنما حبنا لك وحبك لنا سيكون هو المحرك والدافع الذي من أجله سنفعل أي شيء لتظل مصر أم الدنيا في أحسن أحوالها.. لم أشعر بأي خجل وأنا ممسك بالمقشة لتنظيف شارع تارة وأنا ممسك «برول» لدهان رصيف تارة أخري لن أخجل من أن يراني أحد أصدقائي أو أهلي وإنما الخجل من نصيب من سيلقي بقمامته ونفاياته في الشارع فليستحي كل مخرب وكل مدمر وأي شخص سيلحق بمصر الأذي فهو أكيد ليس مصرياً، «ومن يحب مصر يقوم ينظف مصر». • والشوارع الجانبية وتروي نهلة قصة تعرفها علي جروب عشانك يا مصر قائلة: أقترحت علي أختي أن أنزل معها لنقوم بتنظيف الشوارع مع أصدقائها في الجامعة وأثناء نزولنا وجدت مجموعة أخري بالصدفة وتعرفت عليهم وعلي أنشطتهم واتفقت معهم أن أقابلهم في اليوم التالي علي الساعة العاشرة وفي نفس اليوم انضم إلي المجموعة أيضا أحمد حسني والذي طلب الانضمام إلي مجموعة «عشانك يامصر» وتقابلنا في اليوم التالي وبالفعل بدأنا حملة تنظيف الميدان وإصلاح رصيف نفق الكورنيش وقررنا بعد ذلك أن نتوجه بالتنظيف إلي أماكن «محدش قربلها» لنقوم بتنظيفها وألا نضيع طاقتنا فقط في التركيز علي الوجهة وإنما أيضا تلقي الشوارع الجانبية نصيبا من التنظيف ونحاول أن ننظف قدر استطاعتنا فأول مرة أشعر أن البلد بلدي والمكان بالفعل مكاني ليس شعارا فقط وإنما موقنة بذلك، فسأعمل فيها وأنظفها دون خجل وكأني أنظف في بيتي فأنا لا أخجل وأنا أنظف بيتي لأنه ملكي وأيضا هذا البلد ملكي الآن وسأهتم به لأنه بيتي الكبير ومستقري فلنتعاون جميعا ونتكاتف لأن نبني مصر ونعمرها وأنا مع مبدأ «إيد لوحدها متصقفش» ويد بيد سنبني مستقبلاً أكثر ازدهاراً وجمالا وإذا كانت بدايتنا في تنظيف مصر بشوارعها الرئيسية ومناطقها العشوائية فبعد ذلك سنعمرها ونبنيها بإيدينا. • «جروب عشانك يامصر» بابتسامة كبيرة قابلتني دينا جمال يوسف، وهي تحمل الجردل والمقشة، فبدأت كلامها مستوضحة: اسمي دينا جمال وعندي 20 سنة، وفي السنة الرابعة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وعضو في جروب «عشانك يامصر». تقول دينا: بعد قرار تخلي الرئيس مبارك، قررت أن أنزل الشارع لأنظفه، ووجدت مجموعة كبيرة من الشباب الراغبين في تجميل البلد، وتنظيفها لذلك أنشأنا جروبا علي الفيس بوك لتنضم إلينا مجموعات أكبر من الشباب حتي نستطيع تأدية مهمتنا علي أكمل وجه. وعن شعورها تستطرد دينا في الحديث قائلة: سعيدة جداً بما أعمل، فأنا أشعر أنني أشارك في بناء مستقبل مصر وطني الغالي، ولأول مرة أقوم بعمل شيء أحبه وأقدره وأعتز به أيضاً. وقد بدأنا بدهان ميدان التحرير، وبعده ماسبيرو ثم بعد ذلك سنقوم بتنظيف رمسيس وتبييضه. وعن سبب تسمية الجروب بهذا الاسم أكدت دينا أن المجموعة كلها داخلها إيمان تام بأن ما يفعلونه وما يفعله غيرهم من الشباب هدفه واحد، وهو علشان مصر. ياسر أحمد - دبلوم تجارة-: فرق شاسع بين إحساسي الآن وإحساسي في الماضي، فقد كنت أشعر بالخزي من كوني مصرياً ولم أكن أشعر بأي أغنية وطنية، أما الآن فأنا أفتخر بأني مصري، فالمصريون الآن يد واحدة أمام الظلم، وأيضاً يد واحدة في التغيير والبناء، وقد تأكدت من ذلك عندما نزلت إلي التحرير حتي أساعد في تنظيفها وإصلاحها، فقد وجدت أن مثلي كثيرين يريدون التغيير والإصلاح من أجل مصر والنهضة بها. وأنا أقوم بذلك من خلال جروب «علشان مصر» والحقيقة أن هناك عدة جروبات تقوم بنفس الشيء. وهنا يطلب ياسر من المسئولين عدة طلبات قائلاً: أطلب من المسئولين أن يكونوا صرحاء معنا، فالستارة السوداء دمرتنا كما أنني أقول للشباب: ما ضاع حق وراءه مطالب. أما أحمد سامي -22 سنة- ويدرس في معهد نظم ومعلومات فقد اشترك في أعمال النظافة والإصلاح عن طريق ورق الجيش وكما يقول: كنت نازل أقدم ورق الجيش ووجدت الشباب يكنسون الشوارع وينظفونها، فقررت أن أشترك معهم إيماناً مني بحق بلدي علي، وأنا الآن مصري أغير مصر كما أريد أنا وجيلي، عكس ما كان يحدث في السابق عندما كان كل مسئول يسيرنا حسب مصلحته، وأهوائه الشخصية، لكننا الآن أحرار والوطن يجري في دمنا. وسأبدأ بتغيير نفسي وتغيير حياتي كلها، وبمجرد أن يبدأ الترم سأذاكر من أول وجديد، ولأبدأ في بناء مستقبلي من أول وجديد. ويلتقط وائل عبده طرف الحديث مضيفاً: أنا حاصل علي دبلوم تجارة، وبالرغم من أن عمري 28 عاماً، لكن هذه أول مرة أشعر فيها أنني مصري أساعد بلدي وأنهض بها. وقد كوننا هذا الجروب بمحض إرادتنا، فقد كان كل واحد فينا يعمل بمفرده، لكننا تجمعنا تحت اسم واحد وهدف واحد. وعن أحلامه يقول: نفسي مصر القادمة تكون أحسن من أوروبا. ونريد أن نوصل للعالم كله أن شباب مصر يتجمعون لخدمة وطنهم وللحفاظ عليه، كما أنني أدعو كل المصريين العاملين بالخارج أن يعودوا ويعملوا في بلدهم، وأيضاً أقول لكل الشباب اللي عاوزين يسافروا: بلدكم تحتاج إليكم، فقد كان حلمي أن أسافر إلي أمريكا لكني الآن سأستقر في بلدي وأرعاها. • «سننظف العجوزة، ونرجعها شباب»: سننظف العجوزة.. ونرجعها شباب.. بهذا الإفيه بدأ معي الحديث شباب منطقة العجوزة، فقد نزلوا مجتمعين علي هدف واحد وهو تنظيف العجوزة، وإصلاح ما حدث فيها من تلفيات، والعمل علي عودتها أفضل من السابق. يقول مصطفي حسين - 26 سنة - ويعمل مندوبا بإحدي الشركات: لقد قررت أنا وأصدقائي في الحي أن نقوم بحملة تنظيف وتطهير للمكان الذي نعيش فيه، وقد تبرعت إحدي شركات الدهانات بزي لنا وأيضاً قامت بتوفير مجموعة من الدهانات لنستخدمها في طلاء الجدران والأرصفة، والحقيقة أننا لا نشعر بأي ملل أو كلل فعلي العكس نحن متحمسون جداً لهذا العمل، لأننا نبني مستقبلنا بأيدينا، ونرفع أي منظر سيئ عن بلدنا. ونفس الإحساس بالنسبة إلي خلود راضي - 23 عاما - خريجة كلية الحقوق والتي تقول: لم تصدق عائلتي حينما أخبرتها أنني سأنزل إلي الشارع لأكنسه وأجمع القمامة، فأنا فتاة مدللة لا أكنس حتي غرفتي لكن حبي لوطني واعتزازي به جعلني أقدم علي هذا الأمر. فعندما سمعت أن جيراني وأصدقائي سيتجمعون لتنظيف المنطقة وجدت نفسي أتحمس كثيراً، وأتمني أن أنزل معهم وأشاركهم وبالفعل أخبرت أهلي الذين لم يصدقوا الأمر، وراهنوا علي أنني لن أنجح ولن أستمر طويلاً نظراً لأني فتاة مدللة. لكني صممت أن أشارك زملائي في هذا العمل الرائع، وبالفعل نزلت، وارتديت «العفريتة» وقمت بجمع القمامة، ووضعها في الأماكن المخصصة، وساعدت في طلاء الرصيف بألوان علم مصر، ومازلت مستمرة في العمل ولن أتركه إلا عندما ترجع منطقة العجوزة أفضل مما كانت. • «يلا ننظف فيصل»: و قد كان أيضاً لمنطقة فيصل نصيب وافر من الاهتمام والنظافة فقد أنشأ شباب فيصل جروبا اسمه «يلا ننظف شارع فيصل» وكان لنا لقاء مع الفتاة الشابة التي قامت بإنشائه وهي يسرا توفيق، التي قالت: كانت البداية عندما جلست مع صديقاتي واقترحت إحداهن أن نقوم بحملة لتنظيف شارع فيصل، وبالفعل قمت في اليوم الثاني بعمل event باسم «يلا ننظف شارع فيصل» ووجدت أناسا كثيرة في أعمار مختلفة يتهافتون علي الجروب ويسجلون أسماءهم. واتفقنا علي أن نتجمع يوم الخميس وبالفعل تجمعنا وفرحت كثيراً عندما وجدت أن عددنا كبير يصل إلي 70 وقد زودتنا جمعية رسالة بالأدوات التي استخدمناها. وعن شعورها بهذا العمل أوضحت يسرا أنها وأصدقاءها وأعضاء الجروب شعروا بمنتهي السعادة والفرح لمقدار التشجيع الذي وجدوه من أصحاب المحلات في فيصل، كما أن أصحاب السيارات كانوا يحيونهم بضرب الكلاكسات. وتقول يسرا: كنت خائفة من أن يسخر الناس منا لكني فوجئت بدعواتهم لنا، فالحقيقة أن هذا اليوم كان أكثر يوم في حياتي سمعت فيه دعوات، كما أن أصحاب السوبر ماركت أعطونا الكثير من الحلوي والمشروبات مكافأة لنا. وقد خلق لنا هذا المناخ قدرة علي العطاء بشكل أكبر مما جعلنا نستكمل عملنا، ولم نكتف بتجميع القمامة وكنس الشوارع فقط بل قمنا بطلاء الأرصفة بعد أن قام أصحاب المحلات بتجميع مبلغ من المال وشراء ألوان للطلاء، ولم نترك الشارع إلا عندما أصبح جنة. ومن المثير للدهشة أنني عندما سألت يسرا عن الوقت الذي استغرقوه في التنظيف، أكدت لي أنهم لم يستغرقوا سوي خمس ساعات ونصف. وقد أعربت يسرا عن سعادتها وأصحابها بهذا العمل لدرجة أنهم فكروا في تكرار التجربة مرة أخري مع شوارع أخري.