أنهيت مقالى السابق بنداء أدت «مقتضيات المساحة» إلى حذفه رغم أنه جوهر المقال المعنون «أيها الأحباء: لا تموتوا»، وندائى كان ولا يزال: «أيها الأحباء: لا تشعلوا أنفسكم (لتموتوا) من أجل الثورة.. أشعلوا الثورة (لتعيشوا) من أجل أنفسكم، ومن أجل مصر، والإنسانية كلها». وها هى بشائر الثورة تلمع فى الشوارع، غير عابئة بالقمع، أو الألاعيب السياسية. ومشاهد الغضب هذه المرة تثبت أن التغيير الذى يتحدث عنه الجميع كأنه خرافة، قد حدث بالفعل. لقد تغير الشارع، بصورة عجزت عن استيعابها الدولة بكل أجهزتها، فالشرطة تتعامل بنفس الأسلوب الغبى الذى كانت تتعامل به مع مظاهرات المحترفين الذين كانوا ينشدون التعبير لا التغيير ، ويرفعون شعارات موجهة إلى الفضائيات بالأساس، فى قضايا معظمها نخبوية أو للتضامن عبر الحدود مع ملفات عربية ساخنة فى العراق أو لبنان أو غزة. لكن الأمر هذه المرة مختلف، فالمحتجون ليسوا فرقة المحترفين ، لكنهم الناس بكل المعانى الجميلة لهذه الكلمة، شباب يحمل وعيا جديدا لا ينشد فيه زعامة من ورق، أو منظرة على الفضائيات، أصحاب قضية لا يمكن أن تهشهم القبضة الأمنية الغليظة، بل على العكس، قد يشعل الغباء الأمنى شرارة الغضب فتتحول إلى حرائق مستعرة، وهذا هو المأزق الذى يجب أن يتجنبه صناع القرار، لأن الأمر لا يحتمل تجريب الحلول منتهية الصلاحية، فليس هناك أقوى من مواطن عرف حقه وخرج من بيته ليطالب به، لذلك لم يعد هناك مجال للمناورة أو التباطؤ. وكما كتبت من قبل تحت عنوان عبّرنى يا سيادة الرئيس ، على الرئيس أن يعبّر الشعب كله، ويعود من شرم الشيخ، ليسمع ويرى بنفسه من دون وسائط نقل غير دقيقة، و تقارير محسنة ، وتدابير حاشية تريد أن تنهى الموقف بكل الحيل التى تحفظ لهم امتيازاتهم ومناصبهم وحظوظهم من السلطة. أعرف أن الحكومة ستفتح خزانة الوعود الوردية وتغرق الشعب فى عسل الأوهام، والتبشير بسنوات قادمة من الرخاء، كما وعدَنا السابقون، وأعرف أن مماليك المعارضة سيدخلون على الخط لتخفيض وتشويش مطالب الشعب، وتوجيهها لشعارات خالية من المضمون الاجتماعى والاقتصادى مثل حكومة إنقاذ ، و تغيير الدستور ، و إلغاء الطوارئ ، وهذه كلها حلول غير كافية، ومناورات تضمن استمرار النظام، واستمرار نفس السياسات مع تحسينات قد تفيد الأحزاب، و المشتاقين ، لكنها ستعطل مطلب الناس فى حياة حرة وكريمة، وهو فى رأيى الدافع الأساسى لثورة الغضب، لذلك لا تعنينى تلك المطالب التى تتحدث عن تغيير حكومى، أو تبديل وجوه، لأن المناصب فى النهاية ستؤول إلى محترفى العمل السياسى، وهم فئة من المنتفعين لا يأمل الشارع منهم شيئا. لهذا اقترح أن تبادر قيادات الغضب بتشكيل هيئة قيادة من الناشطين والمواطنين العاديين لصياغة مطالب شعبية، والإشراف على تنظيم المظاهرات بأسلوب يضمن استمراريتها وتصاعدها، فى حدود الحفاظ على صورة مصر ومقدراتها، لأن التخريب المنفلت أو العنف العشوائى سيضر حتما بميلاد ثورة حقيقية نفاخر بها فى العالم كله. وصدّقونى، أنا حزين لوفاة جندى الأمن المركزى بنفس درجة حزنى على شهداء يوم الغضب، فهو مصرى مسكين ومقهور مثلنا جميعا، لكن الظروف التى نثور عليها هى التى وضعته فى ذلك الصف الأسود . تعالوا نجعل من 25 يناير عيدا جديدا لميلاد شعب قادر على أن ينفى عن أسلافه تهمة القطيع المدجن .. شعب يستطيع أن يختار قادته، ويحمى حقوقه، ويردع كل من يسرقه أو يظلمه أو يهمشه، وعلى كل مسؤول أن يؤمن بهذه الكلمات ويبادر بتعلم لغة الشعب واستيعاب الدرس الأول من كتاب ثورة المصريين ،، أو يترك عصاه ويرحل. الأخ العزيز... أرجو عدم حذف أى حرف، لقد دققت كل كلمة، وعامل حساب المساحة، وليس هناك ما يقلق قانونيا، أو سياسيا، أما أمنيا فتلك مسؤولية العادلى، وهو عامل حسابها وزيادة شويتين، وفى حالة أى قلق من العنوان يمكن استبداله بالآتى: ثورة المصريين . (نص إيميل يتضمن مقالى الممنوع فى 26 يناير 2011)