أول هدف للمجلس القادم هو إعادة بناء المؤسسة التشريعية داخليا من خلال تنمية الكادر الوظيفى الذى وصل إلى ثلاثة آلاف موظف، بالإضافة إلى القادمين من الشورى، فإعادة تأهيلهم سوف يدعم النواب فى مساعيهم لمناقشة القوانين وصناعة السياسات العامة. وتحتاج عملية إعادة البناء أيضا إلى جهد فائق فى تطوير نظم تكنولوجيا المعلومات داخليا، وإنشاء قواعد بيانات سليمة وبنك للمعلومات حديث. ومن الضرورى تغيير اللائحة وإعادة تشكيل لجان البرلمان لمواكبة تطورات الحكم الرشيد وتسهيل دورة التشريع الداخلية. ثانى هدف لأول مجلس نواب بعد الدستور الجديد هو خلق ثقافة سياسية ديمقراطية فى البلد عن طريق وضع المؤسسة التشريعية فى كفة متساوية مع المؤسسة الرئاسية. فمن ضمن الأدوار الأساسية التى تلعبها البرلمانات حول العالم هى المحاسبة والمساءلة الجادة للجهاز التنفيذى للدولة الذى يترأسه فى دستورنا الرئيس. ولكن العرف السائد فى مصر للأسف هو تمركز السلطة حول الرئيس لما نحمله من إرث سياسى لهيمنة مؤسسة الرئاسة على سائر مؤسسات الدولة، فلقد انحصرت عملية إدارة الدولة داخليا وتمثيلها خارجيا فى الجناح التنفيذى للدولة، متمثلاً فى شخص الرئيس، ولذلك فعلى البرلمان القادم تحدى تلك العلاقة الفوقية، ونقل ما هو منصوص عليه فى الدستور إلى ممارسات حقيقية تليق بمقام وصلاحيات ممثلى الشعب فى الدولة. ثالث هدف للبرلمان القادم هو تقييم أداء الحكومة الحالية لإعادة تجديد الثقة فيها أو إجراء تعديل جزئى أو إقالتها. وسوف يكون التقييم ضعيفا غير صادق دون وجود معلومات حقيقية وبحث دقيق حول حجم التحديات والفرص والبدائل. ولكن للأسف أغلب الأحزاب لم تبذل جهدا كبيرا فى دراسة السياسات العامة فى مصر وطرح بدائل حولها، ولا يختلف هذا الأمر كثيرا بالنسبة إلى النخبة السياسية والاقتصادية التى لا تأخذ من تقارير الجهات الرقابية إلا المانشيتات الصحفية غير المهنية، كما أن الحكومة نفسها لا تفصح عن المعلومات المهمة فى هذا الصدد، ولذلك فتقييم أداء الحكومة والوزارات المختلفة يحتاج إلى مصارحة من الجهاز التنفيذى وجهد مشترك بين الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى من الآن. رابع هدف للبرلمان هو القيام بثورة تشريعية تنعكس إيجابيا على حياة المواطنين وقدرة مصر التنافسية عالميا، خصوصا فى الملفات المتعلقة بالاقتصاد والحماية الاجتماعية والحريات الشخصية والأمن. وهناك لجان تابعة لمجلس الوزراء تعمل على تنقيح التشريعات الحالية التى تعانى من التعقيد والتكرار وتقيد عملية التغيير الإيجابى والإصلاح بشكل عام، ولكن لا ينتبه المرشحون إلى التواصل مع تلك اللجان التى تعمل فى دوائرها المنعزلة. وانعزال تلك هذه اللجان عن القطاعات المجتمعية والسياسية لن يؤدى إلا إلى إعادة إصدار تشريعات تضيف إلى المشاكل الموجودة حاليا بدلا من حلها. أعلم جيدا أن هذه الأهداف ملاذها شعار القول سهل والفعل صعب ، وهى أيضا مجرد خطوط عريضة، ولكن علينا الانتباه إليها بشدة من الآن، خصوصا أن أغلب التحالفات الانتخابية لا تلتفت إلى مثل هذه التفاصيل لانشغالها بمحاكم تفتيش لانتماءات مرشحيها أو شعبيتهم أو المحاصصة بين الأحزاب، ولا تضع هذه الأهداف كجوهر لمشروعها الانتخابى.