رغم جنون قاتلى صحفيى «شارلى إبدو» فى باريس وموجة الكراهية العنصرية من اليمين المتطرف المتصاعدة ضد المسلمين والأجانب نجد مقولات جديدة فى الصحف الغربية تحاول إلى حد ما طرح رؤية مُنْصِفة للمسلمين، ويأتى أغلبها من الجيل الثانى أو الثالث للمهاجرين العرب والمسلمين، على سبيل يقارن كريم الجوهرى -مراسل التليفزيون النمساوى وهو مصرى الأصل- فى تحليل له بين معارك الرأى فى كل من العالم العربى والغربى ضد القوى القمعية، مستشهدا بمسلسل «دولة الخرافة» الذى تعرضه قناة عراقية ساخرا من دولة الخلافة التى أسسها «داعش»، ويخاطر بذلك مؤلفو الحلقات وممثلوها بحياتهم، بسبب دموية «داعش» التى قد تصيبهم فى مقتل إذا ما سقطت بغداد فى أيديهم. فالدفاع عن الحريات ليس حكرا على الغرب، يدفع الصحفيون والمثقفون العرب ثمن نضالهم منذ قرون فى معارك ضد تكميم الأفواه، سواء بدمائهم أو بسجنهم أو بنفيهم الاختيارى أو الإجبارى، وعادة ما تتمثل القوى التى تخرس الصحفيين فى العالم العربى فى النظم الحاكمة على مر العصور وقوى التطرف التى ترتدى زى الثقافة الدينية ستارا لتمرير أفكار يمينية مروجة لثقافة الجهاد فى غير محلها، مثل تبرير قتل المارة كأنه جهاد، ومن هنا تأتى أهمية بزوغ أصوات عربية ومسلمة مدافعة عن حقوق الإنسان ونابعة بالإيمان ببداهتها، كالحق فى الحياة والحق فى التعبير دون الاضطرار للشجب والإدانة باللسان. كذلك يتضح تفكيك الصور النمطية السائدة إزاء المسلمين لدى المستنيرين من الغرب من خلال وسم أنا أحمد أو Je suis Ahmed ، مذكرا بتضحية أحمد، ضابط الشرطة الفرنسى المسلم، فى أثناء قيامه بواجبه فى تأمين الجريدة والذى قتله الإرهابى بدمٍ باردٍ وهو ملقى على الأرض، ويشير هذا الرأى إلى عدم ضرورة إقحام الدين فى تفسير الحدث الإرهابى لمجرد تصادف القاتل أنه مسلم كذلك، بما يُظهر أن اعتناق نفس الدين لا علاقة له بتصرفات المجرمين، فمعتنقو الديانات الأخرى غير ملزمين باستنفار جهودهم لشجب أحداث إرهابية على يد من يشاركهم نفس المعتقد. كذلك ظهرت رؤى مغايرة حول التعاطف مع شارلى إبدو من خلال الجدل بين فكرتى أنا شارلى أو أنا لست شارلى ، فأبرزت التحليلات –مثل مقال دافيد بروكس فى جريدة النيويورك تايمز - أن مضامين شارلى إبدو تتجاوز أحيانا حدود اللياقة، وتقترب من الترويج للكراهية والعنصرية، كما أشار إلى ازدواجية الانحياز إلى حرية التعبير فى الغرب، فيتم منع أفكار محافظة اجتماعيا فى الغرب، بحجة أنها تقييد للحريات، مع إغفال أن هذا تكبيل لحرية الرأى، ولكن أجمعت جميع التحليلات العاقلة على إدانة العنف والقتل كرد فعل على أى إساءة. ما بين أحمد و شارلى إبدو أن أمام العقلاء فى كل من الثقافة الغربية والعربية جهودا ضخمة حتى لا ينتهى الأمر بنا جميعا فى أرض الخرافة.