تجارة أسيوط تكرم عمالها تقديرًا لعطائهم وجهودهم المخلصة    خلال لقائه مع مبعوثة الاتحاد الأوروبى.. وزير الخارجية يؤكد على ضرورة الحفاظ على استقرار الممرات الملاحية الدولية    الخميس 12 يونيو 2025.. أسعار الذهب ترتفع 15 جنيها وعيار 21 يسجل 4675 جنيها    بورصة الدواجن.. أسعار الفراخ البيضاء اليوم الخميس 12-6-2025 في قنا    12 يونيو 2025.. الدولار يقفز 37 قرشا في بداية التعاملات.. ويقترب من ال50 جنيهًا مرة أخرى    من 110 إلى 76 جنيها.. انفراجة بيضاء في أسواق الدواجن بكفر الشيخ    مسئول إيراني: طهران لن تتنازل عن حقها في تخصيب اليورانيوم    دبلوماسيون: الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلصت إلى أن إيران لا تمتثل لالتزاماتها النووية    سوريا: مقتل شاب واعتقال 7 آخرين في توغل إسرائيلي بريف دمشق    فيرمينو يتلقى عرضا من الدوري القطري    النيابة العامة بسوهاج تُعاين مسرح الجريمة في منزل الأب الذي شنق نفسه بعد ذبح أبنائه الثلاثة    النيابة تسلم عروس الشرقية القاصر لوالدتها في واقعة الزواج من مصاب بمتلازمة داون    تفاصيل حفل افتتاح المتحف المصري الكبير.. فيديو    مجانًا.. قصور الثقافة تقدم العرض المسرحي هيموفيليا بالزقازيق    يحتل المركز الثاني.. فيلم ريستارت يحقق 3 ملايين جنيه في شباك التذاكر أمس    ننشر قائمة أوائل الشهادة الابتدائية الأزهرية للمكفوفين في الشرقية    أسماء مصابي حادث انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    تأييد السجن المشدد والغرامة لتاجر مخدرات بمصر القديمة    كأس عاصمة مصر.. الإسماعيلي يتحدى إنبي للفوز بالميدالية البرونزية    تقرير يكشف حقيقة مفاوضات النصر السعودي مع إيمري    وزير الشباب يصل محافظة دمياط لتفقد عدد من المنشآت الرياضية    شوبير يكشف مركز بن شرقي الجديد مع الأهلي في وجود تريزيجيه    تعليم مطروح: الانتهاء من الاستعدادات لانطلاق امتحانات الثانوية العامة صباح الأحد المقبل    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    قرار جمهوري بالموافقة على محضر تشكيل مجلس التنسيق الأعلى المصرى السعودى    «المالية»: تخصيص أرض بمحافظة البحر الأحمر للوزارة لا يعني بيعها    كانسيلو: المشاركة في كأس العالم للأندية مصدر فخر لجماهيرنا.. ومواجهة ريال مدريد صعبة    احذر منهم.. 5 أبراج أكثر غدرًا وخيانة في العلاقات    منظمة الصحة العالمية: رصد متحور كورونا جديد بصورة متقطعة في ألمانيا    برئاسة السيسي وولي العهد.. تعرف على أهداف مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي    «إسكان بجامعة القاهرة» تسابق الزمن لاستكمال مشروع سكن أعضاء هيئة التدريس    صينية تحاول اقتحام منزل جونجكوك بعد ساعات على تسريحه من الخدمة العسكرية    وزير الخارجية والهجرة يلتقي الرئيس التنفيذى لشركة سكاتك النرويجية    خطة ال1000 يوم.. الصحة تُطلق مبادرة التنمية السكانية تحت شعار بداية جديدة    بعد واقعة عريس متلازمة داون.. طبيب نفسي يوضح الحالات التي يُمنع فيها الزواج    الغفوة الصباحية بين الراحة الوهمية وتشويش دورة النوم.. ماذا يقول العلم؟    أقرب رفيق.. برقية تهنئة من زعيم كوريا الشمالية لبوتين بمناسبة يوم روسيا    لهذا السبب.. مصطفى شعبان يتصدر تريند "جوجل"    أمين الفتوى يوجه رسالة لمن يفوته صلاة الفجر    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 12 يونيو 2025    مصرع فني تكييف أثناء عمله في قنا    كمال الدين رضا يكتب: بطولة المليار دولار    مراد مكرم ساخرًا من الأوضاع والنقاشات في الرياضة: بقى شغل عيال    الكنيست الإسرائيلي يصوت على حل نفسه.. ونتنياهو يضغط على الحريديم    السيطرة على حريق شب داخل عقار سكني بمصر القديمة    أثار البلبلة بمنشور غامض، أول قرار من الزمالك ضد أحمد حمدي    الآن حان دوركم لتدافعوا عن أمريكا حتى أقاصي الأرض، ترامب يقرع طبول الحرب بفيديو للجيش الأمريكي    أنغام تدعو بالشفاء لنجل تامر حسني: «ربنا يطمن قلبك وقلب أمه»    منطقة المنوفية الأزهرية تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية للعام الدراسي 2024/2025    نقيب المحامين يدعو مجلس النقابة العامة و النقباء الفرعيين لاجتماع السبت    صور| أسماء أوائل الشهادة الإعدادية الأزهرية في قنا    محافظ الدقهلية في زيارة ليليلة مفاجئة لمدينة جمصة    "هيكون نار".. تركي آل الشيخ يشوق متابعيه لفيلم الفيل الأزرق 3    «الري»: الإجراءات الأحادية لإقامة السدود تُهدد الاستقرار    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    الطب البيطري: نجاح عملية ولادة قيصرية لقطة بالغربية -صور    روسيا.. هجوم بمسيرات أوكرانية يستهدف مقاطعتي خيرسون وزابوريجيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



365 يومًا من السبع دوخات فى نيابة المرور
نشر في التحرير يوم 09 - 01 - 2015

كثيرٌ منا يتصور أن فساد النظام هو انتخابات مزورة، أو استغلال نفوذ، أو استبداد رئيس أو نهب مال عام، أو رشوة موظفين.. إلخ، صحيح أن هذه الصور كلها من فساد النظام، لكن الفساد الأخطر يتجاوز ذلك كثيرًا، إلى الكيفية التى يدير بها هذا النظام حياة الناس اليومية! وكما قلت مئات المرات إن النظام العام هو أداة لإدارة البشر والموارد، والأداة تتشكل من قواعد وقوانين وإجراءات ترسم كل خطوة فى مناحى الحياة من الحب إلى الحرب، وحين خرج المصريون فى 25 يناير بشعار عبقرى «الشعب يريد إسقاط النظام» كانوا يستهدفون التخلص من القواعد القديمة والقوانين القديمة والإجراءات القديمة، وليس مجرد التخلص من حسنى مبارك وحاشيته وأصحاب الامتيازات فى نظام حكمه، لكن ما حدث هو أن رحل حسنى مبارك، واختفى بعض الوجوه القبيحة، بينما ظل النظام الفاسد على حاله، وهذه تجربة شخصية تبين جانبًا من هذا النظام، وإلى أى مدى هو قاطع مانع لأى تنمية وتقدم، وكيف يهدر الطاقات والموارد والوقت ويقف حجر عثرة أمام أى مستقبل مختلف عن ماضٍ فاشل، يحاول المصريون الهروب من قبضته الخانقة! لم يخطر فى بالى ولا فى أحلك كوابيسى أن أمر بهذه التجربة، مجرد مصادفة تعيسة دفعت بى إلى «قاع النظام» أُجرب نفاياته وأساليبه وأدواته، كان موعد تجديد رخصة سيارتى قد أزف فى نوفمبر 2013، وكنت فى ما سبق أعتمد على واسطات، تُسهل علىّ التجديد، وفى هذه المرة قررت أن أخوض التجربة مواطنًا بلا ظهر، متوهمًا أن حالنا تحسن!
بدا شكل مجمع مرور الأميرية والزيتون والمطرية بعد تجديده مبهجًا، وكان قد تعرض هو والقسم الملاصق لهجوم بلطجى ونهب وحرق فى 28 يناير 2011، أتى على ما فيه، وظل ما يقرب من عامين معطلا تحت الترميم.
أخذت رقمًا، وجلست منتظرا متفائلا أمام شبابيك الموظفين فى صالة بالدور الثانى، فلا زحام ولا تكدس، وكلما نادى الميكروفون على رقم يتقدم صاحبه إلى الشباك الخالى ، لا أنكر أن عددًا غير قليل من المواطنين لا يستجيبون إلى النظام بسهولة، ربما لأنهم لا يثقون ولا يصدقون، ربما لأنهم اعتادوا على الفوضى، حتى صارت طباعا وعادات مكتسبة يصعب التخلص منها دون تدريب ويقين بالعدالة والمساواة، ولا أنكر أيضًا أن بعضا من الملفات تتسلل إلى الشبابيك من تحت لتحت بعيدا عن الأرقام والنظام.
وحين جاء دورى، قال لى الموظف: ناقص شهادة سداد المخالفات، وهى من مصر الجديدة.
سألته: ولِمَ هذه الدوخة؟ مفترض أن تكون الخدمة فى مكان واحد؟!
لم يرد.. فمشيت منكسرا من أمامه..
مشوار سخيف ومتعب إلى نيابة مرور مصر الجديدة، المكان أكثر ازدحاما وصخبا وأقل نظاما، أخذ الموظف رخصتى ونادى بعد فترة: 3100 جنيه!
اعترضت، رد بوجه متجهم: روح لوكيل النيابة.
لم أكذب خبرًا، فهذه أول مرة يصادفنى هذا الرقم الكبير فى ثلاثين سنة، صحيح هو عن ثلاث سنوات، لكن ولو..
استقبلنى وكيل النيابة باشا، وقال لى: هذا هو الحد الأدنى للمخالفات حسب تعليمات النائب العام.
سألته: ما نوعية المخالفات أم 3000 جنيه حدا أدنى؟
قال: 7 مخالفات، تعطيل وقطع طريق فى إسكندرية، كسر إشارة مرور الميرغنى بالقرب من قصر الاتحادية، السير عكس الاتجاه فى بولاق، والباقى ركن فى الممنوع أو صف ثانى.
قلت بسرعة: لا يوجد فى بولاق غير شارع 26 يوليو، بالقرب من عملى ب الأهرام ، والشارع يحتله الباعة الجائلون وأصحاب المحلات، ويستحيل السير فيه عكس الاتجاه!
رد بهدوء: هذا هو المكتوب أمامى.
قلت: هذه مخالفات سائق بلطجى أو مدمن، والمرور فى السنوات الثلاث كان فوضى على الآخر، مظاهرات واعتصامات واشتباكات، والشوارع مقلوبة ومضطربة، أنا كبيرى أركن صفا ثانيا.
ورحت أراجع أيامى فى الإسكندرية لأعثر على الطريقة، التى عطلت بها الطريق وقطعته، فلم أكن عضوا فى حازمون ولا جماعة الإخوان، وتذكرت أننى ذات مرة كنت فى طريقى من المنتزه إلى محطة الرمل على الكورنيش، فأحسست بحاجة ملحة إلى دخول الحمام ، فركنت أمام كافيه مشهور على البحر خلف طابور من بضع سيارات واقفة فى أعرض مساحة على الكورنيش كله، وعدت بعد عشر دقائق، لأجد سيارتى مكلبشة دون غيرها، فجن جنونى، وكانت إدارة المرور فى جليم ، فأخذت تاكسى إلى هناك، ولم أجد ضابط الونش، ووجدت ضابطا برتبة رائد، ودخلت مغتاظا وغاضبا، ودار حوار حاد معه عن الانتقاء فى تنفيذ القانون، وقلت كلاما عن سوء الأداء ومظهرية العمل والميكروباصات الطايحة فى شوارع إسكندرية بلا ضابط ولا رابط، ودفعت خمسة وعشرين جنيها، وأرسل معى جنديا فك الكلابش وانتهى الأمر.. وهذا كل ما حدث، ولم أعثر على قطع طريق أو تعطيله مطلقا!
قال وكيل النيابة: ممكن تتظلم أمام محكمة المرور، وفيه موظفة فى نهاية الطرقة تعمل لك إجراءات التظلم.
ذهبت إليها، أخرجت ملف المخالفات، كتبت طلبا مع إجراءات تصوير سخيفة لكل مخالفة استغرقت ما يقرب من ساعة، وبعدها سألتنى: تحب تكون الجلسة يوم سبت أم ثلاثاء؟
ولأنى كل سبت أكون مشغولا بالكتابة، قلت لها: الثلاثاء.
قلبت فى نتيحة إلكترونية، وقالت لى: 14 يناير، إياك أن تنسى الموعد.
وأعطتنى شهادة لإدارة مرور الزيتون، ولسبب ما، قد يكون الملل أو الزهق أو الإهمال، لم أقرأ الشهادة، واستخرجت بها الرخصة المؤقتة.
وكنت كل أسبوع أذكر نفسى ب14 يناير 2014.
وجاء اليوم الموعود، وفى التاسعة والنصف صباحًا كنت بالسيارة أمام مرور القاهرة بالدراسة، حواجز وزحام وممنوع الدخول، وضابط يقول: البارك على الآخر، خذ يمينك لآخر شارع.
هناك وجدت ونشا بكلابشات وضابطا متجهما ماسكا دفتر مخالفات، قال: ماعرفش تركن فين، ليست مسؤوليتى، المهم تمشى من هنا.
مشيت وركنت فى شارع جانبى بعيد، ورجعت فى تاكسى..
صعدت ثلاثة أدوار ذات سلالم صعبة، سألت الموظفة عن القضية، قرأت دفترا أمامها، ثم قالت: اسمك ليس موجودا؟! بعد هات وخذ، طلبت رخصة السيارة، أرجعتها لى غاضبة وساخرة معا: جلستك كانت يوم السبت الماضى 11 يناير، يوم انتهاء رخصتك، وطبعا اتحكم فيها غيابيا!
قلبت فى دفتر آخر، وقالت: عشرة آلاف وأربعة وخمسون جنيها!
وقع قلبى من طوله، وقلت لها: لن أدفع حتى لو بعت العربية قطع غيار فى وكالة البلح!
قالت فى تهكم: إنت حر.
ويبدو من فرط دهشتى وحزنى وغضبى، صعبت عليها، فقالت: اكتب طلبا بتقسيط المبلغ يوافق عليه رئيس النيابة على قسطين، تدفع القسط الأول وتعمل تظلما!
دخلت إلى وكيل النيابة، وقلت له: لماذا الدفع شرط التظلم؟ التقاضى حق دستورى غير مشروط؟!
أخرج لى قانون المرور، وقرأ مادة تفيد أن الحكم واجب النفاذ.
قلت له: لا أنكر وجوبية التنفيذ، لكن لا علاقة لها بحقى فى التقاضى، ممكن تحبسونى لعدم الدفع أو تحجزون على ممتلكاتى وتبيعونها فى المزاد العلنى لسداد مستحقات الحكومة، لكن حقى فى التقاضى لا يسقط لعجزى عن سداد الغرامات.
نظر إلىّ وكيل النيابة كما لو أنى كائن فضائى يتحدث بلغة مجهولة، وقال: النظام كده!
دفعت 5027 جنيها صاغرا، وكتبت طلب التظلم، وطبعا عليه دمغات ورسوم تدفع فى خزينة أمامها جحافل من البشر فى طوابير غير منضبطة، تنتهى بموظف خلف شباك يعاملك كما لو أنك شحاذ زنان ، يتأفف منك وقد يهملك أنت والطابور، ويرد على تليفونه المحمول، ويدخل فى حوار طويل تافه تسمعه بالإكراه..
للأسف وقفت فى هذا الطابور ست مرات طول رحلة الاستئناف والتظلم، وفى كل مرة أيضًا يطلب منك موظف مختلف تصوير رخصة السيارة وبطاقة الرقم القومى!
المهم.. حددت لى الموظفة جلسة فى محكمة جنوب القاهرة بعد ثلاثة أشهر، أى فى نهايات شهر أبريل 2014!
فى العاشرة من ذاك الصباح كنت فى محكمة جنوب القاهرة، المبنى شامخ من الخارج وله هيبة، لكن بمجرد أن تدخله تسقط هيبته فورا، زحام وضوضاء وناس داخلة وناس خارجة، لا تعرف أين أنت، هل هذه محكمة أم مكاتب لحجز شقق فى حى عشوائى، دخلت القاعة، كانت كاملة العدد جلوسا، وثلاثة أضعاف العدد وقوفا، وعلى المنصة وقف الحاجب يأمر وينهى ويشخط فى أصحاب قضايا محيطين، تحملت سخافاته، وأخذ منى بطاقة الرقم القومى، وراح يقلب فى كومة ثقيلة من أوراق فولسكاب فيها أسماء المنظورة قضاياهم أمام الدائرة، مئة وخمسون قضية مرور، وما يقرب من خمسمئة قضية عادية جرائم سرقة ومخدرات وضرب.. إلخ.
ساعة وبضع الساعة مملة وسخيفة دخل بعدها جندى صارخا: كل واحد يقعد مكانه، واللى واقفين هنا يرجعوا ورا.
القاعة الضيقة بدت مثل أوتوبيس بولاق الدكرور فى أول النهار، أو عربات المترو وقت الذروة، مشهد لو رأته السيدة معصوبة العينين المنحوتة على جدران المحاكم، لحلت العصابة عن عينيها، ولطمت خدودها وشقت جِلْبابها وفرت هاربة مستنجدة بحق اللجوء السياسى إلى أى دولة تحترم معنى العدالة والقضاء!
المهم، نادى القاضى الجليل على مجموعة المتقاضين، الذين صدرت بحقهم أحكام غيابية فى قضايا المرور، وقال: سوف أؤيد الحكم، ومن الأفضل لكم أن لا أسجل حضوركم، ليكون الحكم غيابيا فلا تدفعون رسوم الحضور، ثم ترجعون إلى إدارات المرور بعد عشرة أيام تتظلمون من الحكم، لتعود القضية مرة أخرى إلى القاضى الأول!
رفعت يدى هامسا: أتصور أن الحكم الأول غير دستورى، فلا يجوز أن أُعاقب على تظلمى من عقوبة بعقوبة أعلى، وأنا تظلمت من 3000 جنيه فعوقبت بعشرة آلاف.
لم ينطق وسألنى: لو عايز أصدر حكمك حضوريا، سوف تدفع رسوما، وسوف أؤيد حكم ال10000 جنيه.
لزمت الصمت والصبر، وخرجت من القاعة، لألتف مع الآخرين حول أمين شرطة ليوزع علينا بطاقات الرقم القومى، فتركها لنا، واختفى، وأخذت بطاقتى من أيديهم بصعوبة.
ذهبت بعد عشرة أيام إلى مرور الدراسة، لأدور فى نفس الحلقة السخيفة من كتابة طلب تظلم، ودامغة ورسوم ونزول وهبوط وصور بطاقات، ثم فى النهاية حددوا لى جلسة بعد ثلاثة أسابيع تقريبا.
كان اسمى فى الكشف رقم 628.
الناس حولى فى حالة ضيق وألم ومزاج سيئ، فالحر ضاغط والعرق لاذع، والزحام مقرف والضجيج صداع.
خرج مواطن عن شعوره: هى البلد دى مش حتتغير أبدا، لا ثورة نافعة ولا تغيير رئيس نافع، الفساد هو هو والقرف هو هو.
كنا ندخل على القاضى ثلاثة ثلاثة، وفى يد كل منا بطاقة الرقم القومى وصورتها، يقلب فى الملفات أمامه ويسألنا سؤالا واحدا: هو انت ارتكبت كل هذه المخالفات؟! ولا ينتظر منا إجابة، ثم يقول: بعد أسبوعين اسألوا عن الحكم!
رجعت للأستاذة نحمدو ، طبعا حفظت اسمها من كثرة ترددى عليها، قالت: 2300 جنيه، اكتب طلب استرداد بالفرق وسلمه فى آخر الطرقة..
قلت: يبقى 2700 جنيه.
موظف سخيف ضايقنى بغلظة ورفض عمل الإجراءات، متعللا بحجم الشغل الكثير، ذهبت شاكيا إلى رئيس النيابة، فاكتشفت أن الموظف له سمعة فى الرذالة على خلق الله، وأجبرته على تنفيذ الطلب، وطبعا مع صورة من الرقم القومى ورخصة السيارة وسداد رسوم فى خزينة الدور اللى تحت بزحامها وقرفها، على الرغم من كونها عشرة شبابيك.
وتعالى بعد أسبوعين..
رجعت بعد ثلاثة أسابيع من باب الاحتياط، فوجدت الأستاذة نحمدو ، قد سلمت طلب الاسترداد إلى مكتب آخر يخاطب مصلحة الضرائب، ويستفسر منها إذا كان على العبد لله مديونيات ضريبية يجب أن تخصم من المبلغ أم لا.
سألت فى المكتب، رد الموظف: تعالى بعد شهر.
رجعت بعد شهر، أعطانى الموظف رقم الصادر وتاريخه، وطلب منى أن أذهب إلى مكتب آخر، رحت أسأل بين الشبابيك، حتى حن موظف، وأخذ الورقة، وراح يقلب فى دفاتر أمامه لعشر دقائق، ثم نظر إلىّ: لسه ماجتش من الضرائب، روح بنفسك اسأل عليها فى شبرا (قطاع الإحصاءات الضريبية).
لم أكذب خبرا وطرت على شبرا، كان موعد صلاة الظهر، المكاتب شبه خالية، جلست منتظرا أكثر من نصف ساعة، زهقت، دخلت مكتبا أشكو، فطيب خاطرى موظف شاب، وترك ما فى يده، وأخذ الورقة من يدى ودق على جهاز الكمبيوتر، ثم قال: المصلحة أرسلت اليوم استعلاما لمكتب الضرائب التابع له مقر سكنك، وممكن تروح تستعجله!
كنا قد دخلنا على نهاية شهر أغسطس، الدنيا حر وزهق.. فلم أفعل..
غبت شهرا ونصف الشهر، وذهبت إلى إدارة مرور القاهرة بالدراسة أسأل، فقال لى الأستاذ محمد بلابل: خطاب الضرائب لم يصل!
طرت على الضرائب فى شبرا غاضبا منتويا صناعة أزمة، قابلنى موظف كسول، وقال لى: لا إحنا بعتنا الرد للمرور من شهر.. ارجع اسألهم.
أخذت خطابا من الضرائب بهذا بالمعنى، وعدت إلى المرور وتوجهت إلى مكتب رئيس النيابة شاكيا، فرفع سماعة التليفون وسأل محمد بلابل برقم الوارد وتاريخه، وجاء بلابل بالدفتر وقال: رد الضرائب موجود فعلا يا افندم، ناقص نبعت لوزارة العدل نأخذ موافقتها على رد المبلغ له.
ثم أنكر أنه رآنى قبل الآن، فكيف يقول لى إن الرد لم يصل.
عدت إليه بعد ثلاثة أسابيع، كنا فى منتصف شهر نوفمبر، فقال: موافقة وزارة العدل ما وصلتش، وكتب لى رقم الصادر.
أخذت الرقم وجريت على وزارة العدل.. بعد دوخة من مكتب إلى مكتب وبحث فى كمبيوترات وأوراق، وجدت الموافقة على عودة فلوسى، صورتها، وطلبت من الموظفة أن تبعتها إلى مرور القاهرة بالفاكس، وقد كان..
وفى اليوم التالى، ومن النجمة كانت فى المرور، فقالت لى موظفة خزينة الدفع: دى لسه واصلة إمبارح، وقدامك طلبات أقدم.
بعد أخذ ورد قالت: خلاص سوف أصرف لك، ادفع هذه الرسوم أولا.
ودفعت وتسلمت 2700 جنيه، وحمدت الله وقرأت الشهادتين، وقررت أن أروى لكم تجربتى، تعاملت فيها مع ثلاث إدارات مرور، ومصلحة الضرائب ووزارة العدل، ونيابة وقضاة وعشرات الموظفين، فى قضية تافهة، لتتعرفوا معى على المعنى الحقيقى لفساد النظام فى كل جوانبه، وما يسبب من خسائر هائلة فى الطاقة والوقت والمال والصحة النفسية.. وأسألكم: هل ثمة فرصة حقا من هذا النظام فى أى تقدم؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.